رعاية اليتيم لا تقتصر على إيوائه أو إطعامه وسوى ذلك من التقديمات المادية، بل تتعدّى ذلك إلى رعايته رعاية أبويّة لها بُعدها المعنويّ والروحيّ وتعوِّضه من فقدان أبيه.
وشدّد الإسلام على تكريم اليتيم حتى إنّه ورد عن رسول الله (ص): "إنّي أحرج عليكم حقّ الضعيفين من اليتيم والمرأة". ومعنى ذلك أنّه ينبغي الحرص على تكريمه حتى ولو سبب ذلك حرجاً وضيفاً على المتكفّل، واعتبر رسول الله (ص) أنّ ذلك حقّ له، ولا يخفى أنّ كونه حقّاً له معنى ذلك أنّه واجب علينا.
بيّنت النصوص الشريفة بعض أشكال رعاية اليتيم، وهي إذ سلّطت الضوء على هذه الجوانب فإنّ ذلك لا يعني إغفال الجوانب الأخرى، وفي هذا المجال يمكن الوقوف على أشكالٍ عدّة منها:
1- الرعاية السكنيّة: قال تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) (الضحى/ 6).
وقال رسول الله (ص): "من آوى يتيماً أو يتيمين ثمّ صبر واحتسب كنت أنا وهو في الجنة كهاتين".
2- الرعاية الاجتماعية: قال رسول الله (ص): "من أحسن إلى يتيم أو يتيمة كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين". ولا يخفى أنّ الإحسان ناظر إلى الأمور الكماليّة في الحياة أكثر منه إلى الأمور الأساسية والضرورية.
3- الرعاية المادية: وقال تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى) (الضحى/ 8).
أي سدّ مختلف حاجاته المادية، إلّا أنّ هذه الرعاية لا تتمحور حول رفع الفقر والعوز، وإنّما تتمحور حول عنوان الغنى.
قال رسول الله (ص): "من ضمّ يتيماً له أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنّة".
4- الرعاية المعنويّة: عن لقمان الحكيم (ع) في وصيته لولده: "يا بنيّ كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنّك تزرع كذلك تحصد".
وقال رسول الله (ص): "والذي نفسي بيده لا يلي مسلم يتيماً فيحسن ولايته ويضع يده على رأسه إلّا رفعه الله عزّ وجلّ بكلّ شعرة درجة، وكتب له بكلّ شعرة حسنة، ومحا عنه بكلّ شعرة سيّئة".
وعنه (ص): "أدن اليتيم منك، وألطفه، وامسح برأسه، وأطعمه من طعامك فإنّ ذلك ليليّن قلبك، وتدرك حاجتك".
5- رعاية المأكل والمشرب: قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان/ 8)، وقال رسول الله (ص): "ما أكل يتيم مع قوم في صحفتهم أو قصعة فيقرب صحفتهم الشيطان".
قال رسول الله (ص): "ما من مائدة أعظم بركة من مائدة جلس عليها يتيم".
ومن هنا وبالنظر إلى هذه الأشكال المختلفة لرعاية الأيتام والتي يعجز عنها الجهد الفرديّ كان لابدّ من النظر بجدية كبيرة إلى ضرورة إنشاء ودعم دور رعاية الأيتام تنهض بواجبٍ من أهمّ الواجبات الإلهيّة، والتي تجعل مجتمعنا مجتمعاً قويّاً متماسكاً أمام التحديات والصعوبات التي يكيدها له أعداء الله.
بركات إكرام اليتيم:
إنزال الرزق واستجابة الدعاء: ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران/ 37-38).
وفي الآية دلالة على أنّ التكفّل موجب لدرّ الرزق على الإنسان الذي نتكفّله، وأكثر من ذلك فإنّ التكفّل موجب لاستجابة الدعاء، فإنّ الله استجاب دعاء زكريا حال كونه متكفّلاً لمريم، فإنّما طلب زكريا حين رأى مريم على حالها أن يرزقه الله تعالى مثل مريم لمّا رأى من منزلتها عند الله، فرغب إلى الله في مثلها، وطلب إلى الله عزّ وجلّ أن يهب له ذريّة طيّبة مثل مريم، فأعطاه الله تعالى أفضل ممّا سأل.
1- عظيم الحسنات: عن الإمام عليّ (ع): "ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحّماً له إلّا كتب الله له بكلّ شعرة مرت يده عليها حسنة".
ومن الواضح أنّ الحديث لاحظ أبسط حالات التكريم أي مسح رأس اليتيم، ولعلّ الحديث ناظر إلى الناحية المعنويّة في التعامل مع اليتيم في حال عدم استطاعة تكريمه بالأمور المادية، فكيف بحالات التكريم الأعلى فالأعلى؟
2- جوار رسول الله في الجنّة: عن رسول الله (ص): "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عزّ وجلّ وأشار بالسبابة والوسطى".
وعنه (ص): "من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنّة أخوين كما أنّ هاتين أختان وألصق إصبعيه السبابة والوسطى".
وعنه (ص): "أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنّة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله".
فجزاء إعالة اليتيم ليس دخول الجنة فحسب بل جزاؤه علوّ المقام ورفيع الدرجات وأجر المجاهدين وجوار الأنبياء في دار الخلود، وهنا إشارة مهمّة وهي أنّ هناك الكثير من الروايات التي وعدت أصحاب الأعمال الصالحة ببعض الحسنات أو الدرجات أو سوى ذلك، وأمّا أن تَعِدَ النصوص المقدّسة على فعلٍ ما بالجنّة دون تردّد فإنّ ذلك كاشف عمّا لهذا الفعل من أثر كبير في مسح السيّئات وتكفيرها والعفو عنها.
ويؤكد ذلك قوله (ص): "من قبض يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنّة البتّة، إلّا أن يعمل ذنباً لا يغفر". وكأنّ في ذلك إشارة إلى أنّ هناك الكثير من الذنوب التي يغفرها تكفّل اليتيم ورعايته.
3- تخصيصهم بدار لهم: عنه (ص): "إنّ في الجنّة داراً يقال لها: دار الفرح لا يدخلها إلّا من فرّح يتامى المؤمنين".
ولعلّ تسمية الدار بدار الفرح تبشِّر من فرّح الأيتام بما أعدّ الله لهم من أمورٍ تدخل الفرح والسرور إلى أنفسهم جزاء لهم.
4- لين القلب: أي بقاؤه خاشعاً خاضعاً لله تعالى. عن رسول الله (ص) – لرجل يشكو قسوة قلبه –: "أتحبّ أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ إرحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك".
وهنا إشارة غاية في الأهمية وهي أنّ الشريعة الإسلامية لم تقدّم كفالة اليتيم على أنّها رفع لحاجة اليتيم بل رفع لحاجة المتكفّل كذلك، وتحفيز له لإصلاح نفسه والعروج في مسيرة الصلاح من خلال تكريم اليتيم والتعامل معه برحمة.
5- حقيقة البرّ: قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ...) (البقرة/ 177).
ولا يخفى أنّ الآية أرادت أن تبيّن أنّ حقيقة البر ليست في الجانب الشكلي للعبادة، بل بما تتركه هذه الآية من أثر سامٍ على الجانب الاعتقادي والسلوكي في حياة الإنسان.
6- تجاوز عقبات يوم القيامة: قال تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد/11-16).
ومن المفيد في ثقافتنا الدينية أن نربط بين إطعام اليتيم في الدنيا وتجاوز عقبات يوم القيامة وأهواله ومخاطره التي ليس فينا من لا يحتاج إلى عناية خاصة لتخطيها وتجاوزها.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق