• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

موافقة الإعلام للقرآن الكريم

الخبير الإعلامي ميسّر سهيل

موافقة الإعلام للقرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب الله تعالى: كتاب الله: هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على النبي محمد (ص) ليكونَ خاتم الرسالات السماوية، وقد عرّفه العلماء بأنّه: "كلامُ اللهِ المعجِزُ المنزَّلُ على النبيِّ محمد (ص)، المكتوبُ بالمصاحفِ، المنقولُ بالتواترِ، المتعبّدُ بتلاوتِه". وقد تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظ هذا الكتاب الكريم من عوامل التبديل والتحريف التي كانت تطرأُ على الكتب السابقة، فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9). وقد أكمل الله سبحانه به الدين الذي ارتضاه للبشرية بعدما مرّت بمراحلِ التطور عبر تاريخها الطويل، قال تعالى: (.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا...) (المائدة/ 3). ومن خصائص الكمال أنّه يحوي على كافة التساؤلات التي تطرحها البشرية في حاضرها وماضيها ومستقبلها، قال تعالى: (.. مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام/ 38). وقال سبحانه: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل/ 89). ومن خصائص الكمال أنّه جاء بالحق الذي تقوم به السموات والأرض، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) (النساء/ 105). وقال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (الشورى/ 17). والحق هو الذي جاءت به الشرائعُ السابقة، وجاء به هذا الكتاب مصدقاً لما قبله، ومهيمناً عليه، قال سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً...) (المائدة/ 48). وقال عزّ وجلّ: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (آل عمران/ 3-4). فالحقُّ لحمةُ هذا القرآن، والحق سداه، قال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (الإسراء/ 105). وهذا الحق هو السبيلُ القويمُ الذي يقود البشرية إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، وينير لها الطريقَ، حتى لا تميلَ عنه، قال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم/ 1). وهذا الحق هو الصراط القويم الذي يمكّن البشرية أنْ تتخّلص من مشكلاتها، وتسمو فوق خلافاتها، وتجد حلاًّ لمعضلاتها حين تتمسك به، وتضع كل أمر من أمورها في نصابه، قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) (الكهف/ 1). فالقرآن الكريم هو الدستورُ الخالِدُ الذي لا تَبْلَى جِدَّتُه، مهما تقدّم الزمنُ، كما وصفه النبي (ص) بأنّه يحوي الحلول للبشرية إذا حلت بها الفتنُ، وفيه المخرَجُ لما يعتريها من محنٍ، عن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "أما إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ (ص) يقول: "ألا إنَّها ستكونُ فِتَنٌ". قلت: ما المخرجُ منها يا رسول الله؟. قال (ص): "كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحكمُ ما بينكم، وهو الفصلُ وليس بالهزلِ، ومَنْ تركه من جبارٍ قصمَهُ الله، ومن ابتغى الهُدَى بغيره أضلَّه الله، فهو حَبْلُ اللهِ المتينُ، وهو الذكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تلتبسُ به الألسنةُ، ولا يشبعُ منه العلماء، ولا يخْلَقُ على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبُه، هو الذي لم تنته الجِنُّ إذ سمعتْه حتّى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشدِ فآمنا به، مَنْ قال به صَدَقَ، ومن عَمِلُ به أُجِرَ، ومَنْ حَكَمَ بهِ عَدَلَ، ومَنْ دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ". ولقد جاءت الأحكام التشريعية التي حواها القرآن الكريم قواعدَ عامةً، ومبادئ كليةً، يمكن تحكيمُها في كلِّ ما يعرض للناس في حياتهم اليومية ممّا يتّصل بتلك الأحكام والمبادئ المحكمة الثابتة التي لا تتخلَّفُ، ولا يسوغُ الإخلال بها، وهي عامّةٌ وكليةٌ ومرنةٌ، يمكن تطبيقُها مهما اختلفت الأحوال والأزمان، فالقرآنُ تبيانٌ لكلِّ شيءٍمِنْ حيثُ إنّه أحاطَ بجميع الأصول والقواعد التي لا بدَّ منها في كلِّ تشريعٍ عامٍّ كوجوب العدل والشورى؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90). وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى/ 38). وكرفع الحرج وأداء الأمانات، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ...) (الحج/ 78). وما إلى ذلك من المبادئ العامة التي أحاط بها كتاب الله، الذي فيه صلاح الأمم وإسعادها في الدارين مهما تغير الزمن.   المعجزة العقلية: لما كانت هذه الشريعةُ باقيةً على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خَصَّها الله – عزّ وجلّ – بالمعجزة الباقية، ليراها ذوو البصائر، كما قال (ص): "ما مِنَ الأنبياءِ مِنْ نبيِّ إلا قَدْ أُعطيَ مِنَ الآياتِ ما مِثْلُه آمنَ عليه البَشَرُ، وإنَّما كانَ الذي أوتيتُ وحياً أوْحَى اللهُ إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعاً يوم القيامة". قيل إنَّ معناه أنّ معجزات الأنبياء انقرضت بانقراضِ عصورهم فلم يشاهدها إلّا مَن حضرها، ومعجزةُ القرآن مستمرةٌ إلى يوم القيامة بأسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمرُّ عصرٌ من العصور إلّا ويظهرُ فيه شيءٌ ممّا أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه. وقيل: "إنَّ المعنى أنّ المعجزات الواضحة الماضية كانت حسيّةً، تشاهد بالأبصار، كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزةُ القرآن تشاهَدُ بالبصيرة، فيكونُ مَن يتبعُه لأجلها أكثر، لأنّ ما يشاهَدُ بعين الرأس ينقرِضُ بانقراضِ مشاهده، والذي يشاهَدُ بعين العقل يشاهِدُه كلُّ مَن جاء بعد الأوّل مستمرّاً".   حفظ المقاصد: القرآن الكريم تبيانٌ لكلِّ شيء من حيث إنّه أحاطَ بأصولِ ما يلزم لحفظِ المقاصد، التي لم تأتِ الشرائعُ السماوية إلا برعايتها، والمحافظة عليها. "وتكاليفُ الشريعة ترجعُ إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصدُ لا تعدو ثلاثة أقسامٍ: أحدها: أن تكون ضرورية. والثاني: أن تكون حاجيّة. والثالث: أن تكون تحسينية. فأمّّا الضروريةُ فمعناها أنها لابدّ منها في قيام مصالح الدِّين والدنيا بحيث إذا فُقِدَتْ لم تجرِ مصالحُ الدنيا على استقامةٍ، بل على فسادٍ وتهارج وفوتِ حياةٍ، وفي الأخرى فوت النجاةِ والنعيمِ، والرجوع بالخسران المبين. والحفظُ لها يكونُ بأمرين: أحدهما: ما يقيم أركانها، ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، والثاني: ما يدرأُ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم. فأصول العباداتِ راجعةٌ إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك. والعاداتُ راجعةٌ إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبه ذلك. والمعاملات راجعةٌ إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً، ولكن بواسطة العادات والجنايات، ويجمعُها الأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر، ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم، والعباداتُ والعاداتُ قد مُثِّلت، والمعاملاتُ ما كان راجحاً إلى مصلحة الإنسان مع غيره، كانتقال الأملاك بعوضٍ أو بغيرِ عوضٍ بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع، والجناياتُ ما كان عائداً على ما تقدم بالإبطال، فشرع فيها ما يدرأ الإبطال، ويتلافى ضياع تلك المصالح، كالقصاص، والديات للنفس، والحد للعقل، وتضمين قيم الأموال للنسل والقطع والتضمين للمال وما أشبه ذلك. ومجموعة الضروريات خمسةٌ وهي: حفظ الدِّين، والعقل، والنسل، والنفس، والمال. وقد قيل: إنها مراعاةٌ في كل ملةٍ".   القرآن والإعلام: يأتي الإعلامُ الإسلاميُّ في وسائله المختلفة موافقاً لمبادئ القرآن الكريم باعتباره المصدرَ الأوّلَ للتشريع في حياة المسلمين بالصورة التي مرَّ عرضُها، ويعبّر عن الأهداف التي يدعو إليها دون أيِّ إخلالٍ بالحقائق التي تتعلّق بعقيدة التوحيد والإيمان بالملائكة والكتب السماوية والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، كما يوافق الأحكام التي تتعلّق بالعبادات المفروضة من صلاة وصيام وزكاة وحج، وما يوافقُ العبادات التشريعية عامةً كالحدود والقصاص ونظام الأسرة وأحكام المعاملات وما يتصل بها من حلال وحرام، إضافة إلى الآداب العامة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي. فالقرآن الكريم نظامٌ وقواعد تشريعية، تنبثق عن عقيدة سماوية، ينبغي أن تقومَ في عالم الضمير وعالم الواقع معاً لتنظيم الحياة الاجتماعية وشؤونها المادية والمعنوية، ولكي تقومَ في عالم الضمير وعالم الواقع معاً لابدّ أن تصبَّ في قنوات وسائل الإعلام المختلفة.   إعلام المنهج القويم: الإسلامُ استسلامٌ لمشيئة الله – عزّ وجلّ –، وطاعة لأمره ونهيه، واتباعٌ للمنهج الذي يقرره، دون الأخذِ بأيِّ توجيه أو نظام سواه، ممّا يمكن أن يسود في بقعة من الأرض، لأنّ شعورَ المسلمِ يجب أن يكون نابعاً ابتداءً من أنّ البشر يخطئون، ويجب أن يخضعوا جميعاً للقانون الإلهي الواحد المتكامل للمخلوقات جميعاً من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجمادٍ، وأرضٍ وأفلكٍ ومجرّاتٍ. فالله – عزّ وجلّ – يدبّرُ الوجودَ، ما ظهر منه وما خفي، وما تدركه العقول وما لا تدركه، ولا ينبغي أن يخالفَ إعلامُ المسلمين أمرَ اللهِ إلى ما سواه ممّا عليه البشر من عاداتٍ وأوضاعٍ وتقاليدَ، مهما تزينت في ظاهرها. هذه هي القاعدةُ التي ينبغي أن تقومَ عليها القوانينُ والتقاليدُ والعاداتُ والآدابُ والأخلاقُ. والإعلامُ بوصفه وسيلةً لنقل ذلك كلّه لابدّ من خضوعه لهذه القاعدة، ليكونَ الترجمةَ العملية لمقتضيات العقيدة المستكنة في الضمير، ومن آثارِها استسلامُ النفس البشرية لله – عزّ وجلّ – والسير على منهجه في الحياة، فالإسلامُ عقيدةٌ تنبثق منها شريعةٌ، يقوم على هذه الشريعة نظامٌ، وهذه الثلاثةُ مجتمعةٌ مترابطةٌ متفاعلةٌ هي منهج الإسلام، فلا ينخدِعْ أحدٌ بما عند الأُمم من مظاهر التقدم العلمي والمعرفي كما يسوِّغُ بعضُ المسلمين لأنفسهم ذلك في فترات الضعف والانحراف بدل النهوض الذي أمر الله به المؤمنين، فالله – عزّ وجلّ – هو العليم الحكيم الذي اختار للمؤمنين منهجهم وفق علمه وحكمته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا) (الأحزاب/ 1-3)، فهذه هي الجهةُ التي تجيء منها التوجيهاتُ، وهذا هو المصدر الذي يستحقُّ الاتباع. وينبغي التأكيد أنّ الإعلام الإسلامي إعلامٌ واحد، متبع لما يوحي به الله – عزّ وجلّ –، لأنّه تعالى يوحي عن خبرة وحكمة وعلم، ولا ينبغي أن يستمدّ الإعلامُ توجيهاته من معينٍ آخر، فالله يعلم الهدى والحق، ولا يمكن أن تستقيمَ حياةُ الإنسان إذا خضعت لأكثر من مصدرٍ للتوجيه، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة/ 4)، إنّه قلبٌ واحدٌ، يزن به القيم، ويقوِّم به الأحداث والعلاقات، وإلا تمزّق ونافق والتوى، ولم يستقم على اتجاه صحيح، فالقلبُ مصدر المشاعر والأحاسيس والعواطف. ومجتمعُ العقيدة لا يملِكُ أن تكونَ له عقيدةٌ، وإعلامه يقوده ليتجرّد من مقتضياتها وقيمها في أيِّ موقف من مواقف حياته كلّها صغيراً كان أم كبيراً، ولا يقول كلمة يصوّر حركةً وهو غيرُ محكومٍ بعقيدته ما دامت هذه العقيدةُ حقيقةً واقعةً في كيانه ويريدها كذلك.   الإعلام وعقيدة التوحيد: التوحيدُ هو إفراد الله – عزّ وجلّ – بالعبادة، وهو دين الرُسُل جميعاً، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأعراف/ 59). وقد تكرّرتْ كلمةُ التوحيد على لسان الأنبياء – عليهم السلام – قال تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (الأعراف/ 65). وقال عزّ وجلّ: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ...) (الأعراف/ 73). وقال عزّ وجلّ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ...) (الأعراف/ 85). وآخر الأنبياء والرسل محمد (ص) نزل عليه قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (سورة الإخلاص). ثمّ بين الله سبحانه أنّ الشركَ ذنبٌ عظيم على لسان لقمان (ع): (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13). وأنّ ذنبَ الشركِ لا يغفر أبداً إذا ماتَ الإنسانُ على الشرك، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء/ 48). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا) (النساء/ 116). ويتجلّى ذلك في دقّة الكلمةِ، فيميّز الإعلامُ الإسلاميُّ بين الخلق من العدم الذي من قدرة الله وحده وبين الصنع والإيجاد وما شابه ذلك، ودقَّتها من حيث الصدق والغاية، ودقة الاسم وجماله، فلا يسمّى بأسماء الله الحسنى كالقادر، وإنّما عبد القادر، وكان رسول الله (ص) يغيّر الأسماء الرديئة بأخرى حسنة، إضافةً إلى دقّة الحركة والصورة وتفسير الوقائع والأحداث التي تصطرعُ في خِضَمِّ الحياة ليدرِكَ بدقة كيف ينطلقُ، وإلى أين يتجه؟ وكيف تكون العلاقات والوشائج؟.   المصدر: كتاب الإعلام الإسلامي وقواعد تقويمه

ارسال التعليق

Top