• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف بدأ الخلق؟

د. محمّد نبيل النّشواتي

كيف بدأ الخلق؟

◄قال سبحانه وتعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت/ 20).

هذه دعوة من الله سبحانه وتعالى لنرى المزيد من إعجاز القرآن العلميّ، ولنعلم المزيد عن بديع خلقه وأسراره. كما نفهم من هذه الآية الكريمة أنّ سبر طبقات الأرض سيعطينا معلومات أكيدة عن عمر الأرض، وبداية تشكّلها، وعمر كلٍّ من المراحل الجيولوجية التي مرّت بها منذ انفصالها عن الشمس. كما يمكننا من خلال هذه الدراسة أن نحدِّد فترة ظهور كلٍّ من الحيوانات والنباتات على وجه الأرض، وكذلك الإنسان. والنظر بالشيء لا يكون بالعين المجردة فحسب، بل بالآلات والمكبِّرات أو بالمجاهر، وبالعقل وبالرياضيات وبالتحليل الكيميائي والشعاعي، وبكلِّ الوسائل العلمية المتوفِّرة والمتاحة.

لقد تأكّد للعلماء أنّ مقاطع الأشجار العرضيّة لها أشكال مميِّزة لكلِّ حقب زمني، فاعتبرها العلماء كبصمات الأصابع لتلك الحُقب والعصور.

لقد مكَّنتهم بقايا هذه الأشجار القديمة المتحجِّرة – التي اكتُشفت في أعماق القشرة الأرضية في بقاع الأرض المختلفة – من تحديد عمر الأرض بشكل تقريبيٍّ مقبول، وباكتشاف هذه الأشجار المتحجِّرة في الربع الخالي علمنا أنّ بلاد العرب كانت مروجاً وغابات وحدائق غنَّاء ثمّ أصيبت بالتصحُّر في وقت لاحق.

وبتحليل قطعة من الفحم ذات شكل محدَّد كانت قد أبدعتها يد الإنسان القديم في الخشب والتي اكتُشفت في مغارة (لاسو) في فرنسا تبيَّن أنّ الإنسان عاش هناك قبل 15500 سنة.

وكما ثبت علمياً فإنّ لكلِّ عنصر مشعٍّ من عناصر الأرض عمر ثابتٌ يخمد بعده، فيتحوَّل إلى معدن غير مشعّ؛ فاليورانيوم على سبيل المثال وهو عنصر مشعٌّ يتميَّز بنصف عمرٍ إشعاعي طويل جدّاً (قدّر بـ4510 مليون سنة). وقد وُجد أنّ غراماً واحداً من اليورانيوم ينتج كلَّ سنة جزءاً من 7600 مليون جزء من الغرام من الرصاص، فإذا حلَّلنا عيِّنة من صخرٍ ما وحدَّدنا ما فيها من اليورانيوم المشعّ ومن الرصاص، فإننا سنتمكَّن من معرفة كمية اليورانيوم التي كانت موجودة في هذه الصخور عند بداية تصلُّب القشرة الأرضية التي كانت غازيّة – سائلة بعد انفصالها عن الشمس كما سنتمكن من تحديد عمر الأض.. لذا اعتبر العلماء اليورانيوم ساعة زمنيّة يقيسون بها عمر الأرض؛ من خلال هذه الدراسة تبيّن للعلماء أنّ عمر الأرض يمتدُّ من 4500 مليون سنة إلى 5000 مليون سنة تقريباً.

قبل أن تتكثَّف الأرض وتتصلَّب قشرتها كانت كتلة من الغاز والصخور السائلة كحال الشمس الآن. أمّا الشمس فقد تكثّفت من السديم الدخاني الأوّل من خلال حوادث الفتق السماوي المتكرِّر الذي أشار إليه القرآن الكريم: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) (الأنبياء/ 30)، وقد أكّد العلم الحديث أنّ الكون كان قبل 15000 مليون سنة رتقاً (أي كتلة دخانية هائلة) ثمّ تفتَّقت عنه النجوم العملاقة الهائلة العدد، ومن بينها شمسنا الأُم.

تمثِّل فترة الانفتاق وانفصال الأرض عن الشمس اليوم أو الزمن الأوّل من أيام خلق الأرض وهي أربعة أيام (أربعة حقب زمنية) كما ورد في القرآن الكريم: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فصّلت/ 9-12).

وفي اليوم الإلهي الثاني – أو الزمن الثاني – أضحت قشرة الأرض صلبة، ثمّ خلق الله الجبال والهضاب والسهول والمنخفضات. لقد ترافقت هذه المرحلة بحدوث زلازل شديدة مروّعة نجم عنها خروج الماء عبر تشقُّقات قشرة الأرض، لتملأ أحواض البحار والمحيطات بالماء المالح، ولتغطي جو الأرض ببخار الماء، الذي تكثَّف لاحقاً فهطل على شكل أمطار غزيرة وثلوج غطَّت قطبيّ الأرض، ومنها تشكَّلت الأنهار (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) (النازعات/ 31). لقد تمَّت هذه الأحداث العظيمة قبل 4000 مليون سنة أرضية.

يطلق الجيولوجيون على هذا الزمن بالحقب الآزوي (الباليوزوي) الذي قُسِّم إلى عصور متعدّدة هي:

1-     الكامبري

2-     الأردوفيشي

3-     السيلّوري

4-     الديفوني

5-     الفحمي

6-     البرمي.

لقد ظهرت في الحقب الأوّل بعض أنواع الحياة البدائية في البحار والمحيطات، وهي تختلف عن الأنواع المعاصرة وقد انقرضت بأكملها، كما عاشت في هذا الحقب بعض أنواع الزواحف العملاقة والبرمائيات، وبعض النباتات البدائية كالسرخسيّات والطحالب؛ لقد انطمرت كلّ هذه الكائنات الحية تحت وداخل طبقات الأرض الرسوبية التي نجمت عن عوامل التعرية المختلفة على مدى العصور وملايين السنين، ثمّ تحولت إلى الفحم والبترول (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) (فصّلت/ 10)، لأنها من كنوز الأرض التي أورثها الله سبحانه وتعالى لبني البشر.

ثمّ جاء الحقب الثاني الذي امتدّ حسب تقدير علماء الجيولوجيا من 200 مليون سنة إلى 50 مليون سنة قبل ميلاد المسيح (ع).

لقد قُسِّم الحقب الثاني (الأوسط) إلى العصور التالية:

1-     الترياسي

2-     والجوراسي

3-     والكريتاسي.

لقد تشكَّلت في هذا العصر الجبال والصخور الرسوبية والعضوية والكلسيّة (الجيرية) التي احتوت على عظام الحيوانات البحرية التي انطمرت في الحقب الأوّل، وفي هذا الحقب انقسمت كتلة اليابسة إلى قارات متعدِّدة أخذت تتباعد عن بعضها بالتدريج، فتشكَّلت المحيطات ابتداءً من المحيط الهندي فالأطلسي فالهادي: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا).

كما نمت في الحقب الأوسط الحيوانات البرمائية والزواحف والأسماك الفقارية، والحيوانات البحرية اللافقارية، والطيور والحيوانات ذات الهياكل الضخمة كالديناصورات، ثمّ ظهرت طلائع الثدييات لأوّل مرّة على سطح الأرض ومعها نباتات زهرية وعدد كبير من الأشجار.. كلُّ هذا والإنسان لم يُخلق بعد: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) (الإنسان/ 1).

وفي أواخر العصر الطباشيري اختفت الزواحف الكبرى، وتراجع ما بقي منها إلى البحار، وانتشرت الديناصورات بأعداد مذهلة.

أما الحقب الثالث – أو الحديث – والذي يسميه العلماء بالعصر الكاينوزويكي فإنّه يشتمل على العصور التالية:

1-     الأيوسيني

2-     الأوليجوسيني

3-     الميوسيني

4-     البلوسيني.

تعني كلمة (كاينوزويك) باللاتينية: الحياة الجديدة. لقد امتد هذا الحقب من 50 مليون سنة إلى 1 مليون سنة قبل ميلاد المسيح.

ظهرت في هذا الحقب أنواع الحياة المختلفة كالثدييات والنباتات والأشجار المختلفة المثمرة وغير المثمرة التي نعرفها الآن، كما ظهرت سلاسل جبلية جديدة التوائية كجبال الهيمالايا والألب وجبال الأطلس في شمال غرب أفريقية والمغرب العربي: (وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا) (النحل/ 15).

كما انفتقت الأرض من جديد فتمّ بذلك تكوُّن المحيط الأطلسي الشمالي والجنوبي وقارة أمريكا الشمالية والجنوبية. كما ظهرت في هذا الحقب الثدييات الموجودة حالياً على سطح الأرض، ثمّ ظهرت الحيوانات المجترّة، ونما مخُّ الحيوانات الثديية، وعاد بعضها إلى البحار كالدلافين والحيتان الضخمة. وفي هذا الحقب تطوَّر البحر الأبيض المتوسط إلى شكله الحالي وكذلك معظم القارات والمحيطات، وظهرت النباتات المزهرة لتزيِّن الأرض، كما ظهرت باقي حيوانات الأرض وحشراتها كالنحل والنمل والفراش وغيرها.. كلّ هذا والإنسان لم يتخلَّق بعد أو لم ينزل من الجنّة.

وفي نهاية الحقب الحديث – أي في العصر البليوسيني الذي امتدّ من 15 مليون سنة إلى المليون سنة الأخيرة قبل نزول آدم من الجنة إلى الأرض ليجدها أنهاراً وبساتيناً ومراعٍ خضراء وأزهاراً خلّابة – انتشرت في الأرض كافة أنواع الحيوانات والمزروعات والأشجار والثمار، ليتمكَّن الإنسان من العيش على سطحها برفاه وأمان: (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) (فصّلت/ 10)، (وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة) (لقمان/ 10).

أمّا آخر الأزمنة الجيولوجية الأرضية فهو الزمن الحالي الذي ابتدأ قبل مليون سنة فقط وهو يشتمل على عصرين هما: البليستوسيني، ثمّ العصر الهولوسيني أو العصر الحديث الذي نعيش فيه الآن، والذي ابتدأ قبل 15500 سنة فقط.

يتميّز العصر البليستوسيني بانتشار الجليد الذي غطّى القطب الشمالي للأرض وشمال أوروبا وأمريكا الشمالية وشمال آسيا (العصر الجليدي الأوّل) وفيه تشكَّلت الوديان ومجاري الأنهار والأنهار، وانقرض ما تبقى من حيوانات ضخمة كالديناصورات وغيرها.

ومن خلال دراسة طبقات الأرض (الحفريات) شاهدنا بقايا حضارات العصر الحجري القديم أو عصر الحجر المنحوت.

أمّا في العصر الحديث (الهولوسيني) فقد انتهى العصر الجليدي الأوّل وانحسر الجليد من شمال الكرة الأرضية لينحصر في قطبيها الشمالي والجنوبي، ثمّ استقرَّت الأنهار وتطوَّرت حضارات الإنسان وصار يصنِّع آلات معدنية بدائية تساعده في ضرب الأرض وحصاد محصولاتها.

ولدى دراسة الصخور الرسوبية اكتشف العلماء حفريات تحتوي على الجنس البشري القديم، كحفريات جاوة وبكين والربع الخالي وشرق أفريقية ومصر.

وبما أنّ الجزيرة العربية كانت مروجاً خضراء وجنّات غنَّاء، وكانت تزخر بالمياه والأنهار وبالمواد والثروات، وكانت تتمتّع بمناخ جميل معتدل، لذا يعتقد بعض العلماء أنّ نزول آدم كان في الجزيرة العربية، ولكن الأرجح أنّه نزل في بلاد الشام قريباً من دمشق التي شهدت أقدم حضارة في التاريخ، والتي بناها أحد أبناء سيِّدنا نوح وسُمِّيت باسمه (سام – شام)، وقد كانت دمشق وضواحيها ولا زالت جنّات خضراء تضاهي بجمالها وروعتها أبهى بقاع الأرض، وفيها قبر هابيل ابن سيدنا آدم (ع)؛ ولكن يعتقد البعض الآخر بأنّ هبوط آدم (ع) كان في الهند، ثمّ انتشر أبناؤه في كافة أنحاء المعمورة، والله أعلم.

 

المصدر: كتاب وجود الله بالدليل العلمي والعقلي

ارسال التعليق

Top