◄قيمة الوقت:
لو سألتك: ما أغلى ما تملك في حياتك؟ فماذا سيكون ردّك يا ترى؟..
المال؟.. الأولاد؟.. الجمال؟.. العلم؟.. الصحة؟..
ربّما كلّ هذه الأشياء غالية ولكنها ليست الأغلى.. فكلها لا تساوي شيئاً أمام قيمة الوقت في حياتنا..
نعم.. إنّ أغلى ما نملك بعد إسلامنا.. الوقت!!..
هل تدرك هذا الأمر؟ ربما الحديث عن هذا الأمر لا يترك أي أثر في نفوسنا.. لأننا لم نعتد أن نهتم بالوقت.. ولكن.. امضِ معي خطوة خطوة.. وستعلم أنّ الأمر أخطر ممّا تظنّ..
خيرة أُمّة:
حين تتلو آيات القرآن الكريم.. تلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى كثيراً ما أقسم بالوقت والزمن.. وربنا – عزّ وجلّ – لا يقسم بشيء إلا إذا كان غالياً..
كأنّه – عزّ وجلّ – يقول لك: انتبه بماذا أقسم.. بالوقت!..
ويقسم الله تعالى بكلِّ أطوار الوقت:
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (الليل/ 1-2)، (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى/ 1-2)، (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر/ 1-2)، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) (الشمس/ 1-2)، (وَالْعَصْرِ) (العصر/ 1)، (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) (الإنشقاق/ 16).
ما الموضوع؟!..
يريد أن يقول لك، انظر جيِّداً وتفكّر بماذا أقسم.. بأغلى شيء أعطيتك إياه.. الوقت!..
وانتبه: (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، أُمّة لا تشعر أنّ الوقت هو أغلى ما تملك.. لا يمكن أن تصبح أمة عظيمة.. ولا يمكن أن تنهض على قدميها..
عندما نقرأ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران/ 110)، تتقطّع قلوبنا على خير أُمّة!..
خير أُمّة إذا نظرت إليها.. وجدتها تعبة.. منهكة!..
ولكنها خير أُمّة بماذا؟.. لو امتلكت ما أعطاها ربنا من نِعَم.. واستخدمتها في الطريق المرسوم لها.. بهذا تكون خير أُمّة..
هل بدأت تشعر بقيمة الوقت؟.. أملي في ذلك!..
أخي القارىء.. أتدري أن شعائر الإسلام كلها مرتبطة بالوقت؟
الصلوات الخمس بماذا ترتبط؟
سُئل النبيّ (ص): يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟
قال: "الصلاة على وقتها" [مسلم: 250].
واسمع الآية الكريمة: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103). والصوم في رمضان؟ كذلك يتحدد بالوقت، يقول (ص): "صوموا لرؤيته" أي الهلال "وأفطروا لرؤيته" [الترمذي: 684] والآية تشير لذلك أيضاً (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 184)، وكأنها إشارة إلى اغتنام وقت رمضان.. لأنّها قليلة وتمرّ..
والحج أيضاً مرتبط بالوقت: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة/ 197)، أي محددة معروفة، ولو لم تأتِ جبل عرفة في الوقت المحدّد (9 ذو الحجة) فاتَكَ الحج، لأنّ "الحج عرفة" ووقت الوقوف به معلوم..
حتى زكاة المال.. يجب أن يحول عليها الحول – أي العام – لتؤدي الزكاة!
كلّ ذلك ليلفت انتباهك: أنّ الوقت غالٍ جدّاً جدّاً.. فلا تضيّعه سدىً!..
أجنبي.. وفهم المغزى!
أتعلم أنّ الاختراع الأهم الذي اعتنى به المسلمون الأوائل في عصور الازدهار هو الساعة؟ وأنّ المسلمين كانوا يحرصون عليها ويطوّرونها ويضعونها في الساحات العامة وقاعات القصور.. وكانت غالية على قلوبهم كثيراً..
لماذا؟.. لأنّ حياة المسلمين مرتبطة بالوقت.. ما هذه الأُمّة العظيمة إذاً؟
ولماذا لم نعد كذلك؟..
إنّ كلّ متدين ملتزم بشرع ربه لابدّ أن يقدّر أهمية الوقت في حياته.. واسمع هذه القصة:
حصل أن كان بيني وبين أجنبي موعد، فتأخرت في الوصول إليه قليلاً، وحين لقيته بادرني سائلاً: هل أنت مسلم؟ قلت: نعم!.. قال: هل تصلي؟ قلت: نعم! قال: هل تصوم رمضان؟ قلت: نعم! قال: هل حججتَ؟ قلت: طبعاً! قال: هل تصلي صلاة الجمعة في موعدها؟! قلت: نعم، طبعاً!..
قال عندئذٍ: عجيب أمر المسلمين، دينهم يعلمهم أموراً عظيمة وهم غير ملتفتين إلى أهميتها!كأنّه هزّ كياني كلّه.. كأنّه قال لي: أنت لست متديناً لأنك لا تعرف قيمة الوقت.. شعرت بأنّه يتهمني لأنّ ديني يعلمني ذلك!.. فلماذا لم ألتزم؟
هل شعرت أنتَ بأهمية وقيمة الوقت في حياتك؟!.. طيب.. هل أنت متديّن؟! أجب على هذا السؤال بعد أن تنظر إلى قيمة الوقت عندك!!..
أولم نعمركم؟!..
هل فكرت من قبل أنّ إقامة الحجّة على بني آدم يوم القيامة مرتبطة أيضاً بالوقت؟!.. أتريد الدليل؟.. اسمع إذاً ماذا يقول الله تبارك وتعالى للكافرين حين يقولون: يا رب.. جهلنا.. ونسينا.. فيقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر/ 37)، أعطيناكم عمراً.. وقتاً..
أتسمع؟.. سمّاهم ظالمين.. ظلموا أنفسهم حين أضاعوا أعمارهم ولم يغتنموا أوقاتهم.
المصدر: كتاب حتى يغيروا ما بأنفسهم
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق