زكية حسين
◄- هذه هي حقوق الطفل في الإسلام:
أنّ للطفل حقوقاً كثيرة يرعاها الإسلام لأنّه يرى في رعايتها الكاملة مفتاحاً لإيجاد عناصر صالحة. وقد رأى الإسلام، على لسان النبي الأكرم محمد (ص) أن "كل مولود يولد على الفطرة". والفطرة استعداد يثمر بالتعهد والعناية، لذا أوجب الإسلام للطفل حقوقاً الزم بها الأبوين، وسنفصل الكلام فيها على الوجه التالي:
1- الزواج: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم/ 21).
فالزواج هو الإطار الشرعي والقانوني الذي يشكل النواة لتأسيس الأسرة ونجد أنّ الآية الكريمة تؤكد في مفرداتها مفاهيم الرحمة والمودة والرفق بين الزوجين، كما انّ الإسلام يولي أهمية خاصة إلى اختيار الزواج المناسب من حيث التربية الخلقية والعفاف فالنبات الطيب لا يخرج إلا طيباً. كما يؤثر الزواج بالأباعد على الزواج بالأقارب حرصاً على سلامة النسل واجتناب الأمراض والعاهات الوراثية ومن النصائح الخلقية "اجتنبوا لا تضروا" وتمني تفضيل الزواج من الأباعد والغرباء كي لا يضعف النسل.
فقد وجه الإسلام عنايته للأطفال ورعايتهم قبل خلقهم فأوجب لهم حقوقاً على الآباء لا مفر منها وإلا فسيحاسبون عن إهمالهم وتقصيرهم.
2- الجنين: يتم الارتباط بين الزوجين بمحض إرادتهما وكامل حريتهما ويتوجب عليهما أن يحافظا على العلاقة الطيبة بينهما فيقول الرسول الكريم (ص): "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". ويترتب على هذا رعاية الحامل صحياً ونفسياً وعاطفياً وتوفير الراحة لها والتغذية السليمة، كما يجب إبعاد أسباب القلق والاضطراب عنها واجتناب الأدوية الطبية التي تؤثر في تكوين الجنين. وقد التزم المسلمون برعاية الحبلى ومساعدتها حتى كان من قوانين بعض المدن أن تعطى المرأة التي تمر في مرحلة الوحام ما تشتهيه في السوق بدون مقابل.
- الأحكام التي شرعها الإسلام ضماناً لاستمرار نمو الجنين.
أوجب الإسلام الإنفاق على الحامل: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق/ 6)، وتجب هذه النفقة للجنين حتى في حال عدم استحقاق الأُم لها وتستمر حتى الولادة وتجب عند فقد الأب على سائر من تجب عليه نفقة الأقارب بعده.
كما أباح الإسلام الفطر في رمضان للمرأة الحامل خشيت على جنينها وأقر الإسلام للجنين نوعاً من الأهلية وفي حال موت الأب تنتظر، ولادة الجنين لتقسيم الفريضة على أساس جنسه ذكر أو أنثى، ورعاية للطفل تؤجل العقوبة المستحقة على الأُم الحامل حتى تضع حملها بل وحتى يستغني الطفل عن أمه رضاعاً.
ولم يبح الإسلام الإجهاض إلا في حالة واحدة وهي الخوف في حياة الأُم كأن تكن مريضة بمرض لا يمكنها من الاستمرار بالحمل.
3- الطفولة الأولى: تقضي التعاليم الإسلامية بالتبشير بالمولود ذكراً كان أو أنثى عكس ما تعوده العرب القدماء (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ) (النحل/ 58-59)، إضافة إلى حسن تسميته فينشأ الطفل محباً لإسمه معتزاً به.
- الرضاعة: جاء ذكر الرضاعة صريحاً واضحاً في القرآن الكريم (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة/ 233)، مما يدل على الأهمية الكبرى للرضاعة في حياة الطفل المبكرة، كما أمر القرآن الكريم ان يسود المعروف بين الأُم والأب أثناء الرضاع ولو في حالة الطلاق فيقول تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق/ 6-7)، فجعل للأُم نفقة الرضاعة إذا انفصلت عن زوجها كي لا يهمل أمراً الطفل. كما أوجب أن تتكلف امرأة أخرى بإرضاع الطفل عندما تتخلى عنه أمه لأسباب صحية أو اجتماعية.
(وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) (البقرة/ 233).
- الحضانة: يعرف الفقهاء الحضانة بأنّها تربية الطفل لمن له حق الحضانة، لذا يجب على الأب أن يتحمل أجرة الرضاعة والحضانة ونفقة الحاضن والطفل.
وللحضانة شروط هي:
· القرابة وأن تكون الحاضن ذات رحم محرم.
· البلوغ.
· العقل.
· الصحة.
· الأمانة.
· عدم الزواج بأجنبي.
وتنتهي فترة الحضانة عندما يكن للصغير أن يستغني عن رعاية النساء فإن كان ولداً يذهب إلى أبيه وإن كان بنتاً فتبقى لدى الحاضنة مدة أطول وتتراوح الأعمار حسب تشريعات البلد المعني والقاضي، وعلى مصلحة الطفل المعني، وكان الرسول (ص) يأخذ باختيار الطفل ما دام يميز بين الوالدين.
- اللعب: من الأهمية بمكان مداعبة الطفل وملاعبته والتودد إليه فيقول الرسول (ص) "من كان له صبي فليتصابى له" ومن قوله (ص) للأقرع عندما ذكر له انّ لديه عشرة أولاد لم يقبل أحداً منهم قط، قال الرسول (ص) له "من لا يرحم لا يُرحم". ومن سيرة الرسول (ص) انّه كان يصلي وهو يحمل أمامه حفيدته زينب (ع) "فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها". وكثيراً ما كان يضم الحسن (ع) والحسين (ع) وهما صغيران ويقبلهما ويضعهما في حجره ويركبهما ظهره الشريف ويقول: "نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما" ويحث الإسلام على المساواة في المعاملة بين الأنثى والذكر فعاب القرآن الكريم على الجاهليين كراهيتهم للبنات وسماه فساد تدبير وسوء تقدير وتعسفاً في الحكم وخروجاً عن الطاعة "ساء ما يحكمون". فيذكر أنّ رجلاً كان جالساً مع النبي (ص) فجاء ولد له فقبله وأجلسه في حجره ثمّ جاءت أبنته فأخذها وأجلسها جنبه ولاحظ الرسول (ص) ذلك فأنكر هذه المحاباة قائلاً: "فما عدلت بينهما". كما قال الرسول (ص): "ساووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء".
- التربية:
- الوصاية: الوصاية على الأبناء والإشراف على تربيتهم لا تعني تحطيم نفسية الولد فيعيش ليفكر له أبواه وينظما له حياته ويرعيا شؤونه ويعملا من أجله فيعيش عالة عليهما.
فالوصاية التي أمر بها الإسلام هي التعهد له والقيام على أمره من بعيد. فالاستقلال والحرية في التربية خلقتا أجيالاً من الرجال الأفذاذ وقام عليهما بناء الإسلام.
وقد حمل الإسلام الوالدين والمربين مسؤولية رعاية وتربية الصغار فيقول تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم/ 6)، (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24).
وقال (ص): "الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها"، كما قال (ص): "علّموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم"، ومن حقوق الطفل على راعيه ومربيه هو إبعاده عن الرذيلة وقرناء السوء والابتعاد عن الكلام الفاحش واللغو واللعن والشتم وهنا تبرز أهمية القدوة الحسنة، يقول تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر/ 92-93).
كما يحذر القرآن الكريم من قتل الطفل ذكراً كان أو أنثى بسبب الفقر فيقول تبارك وتعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (الإسراء/ 31). ولعل من قتل الأطفال عدم تعليمهم في عصر أصبحت المعرفة فيه كالماء والهواء.
- العدل: عن رسول الله "اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر". وتعدد الأولاد يوجب العدل بينهم في العطف بناتاً كانوا أم أولاداً فعندما تشعر البنت انها الأضعف أو الأقل حظوة عند أحد والديها أو كلاهما فهذا يثير مشاعرها بعدم الإنصاف وينعكس على سلوكها ويولد الأحقاد وينعكس سلباً بالتالي على العائلة والمجتمع وعلى تعاملهما مع أطفالهما في المستقبل".
- التأديب: يزخر القرآن الكريم بآيات تحض على الرحمة والرفق وحسن المعاملة والثمار التي تؤتيها فيقول تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159)، كما تقول الآية الكريمة (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 134)، و(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) (النحل/ 90).
فالتربية الصحيحة لا تعني الزجر والعقاب بل يوصينا الرسول (ص) من خلال أحاديثه الشريفة فيقول "الراحمون يرحمهم الرحمن" و"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" و"رحم الله والداً أعان ولده على بره".
وهذه الوصايا لا تعني اللين والميوعة في التربية بل انّ اللين قد يعتبر ضعفاً إذا وضع في غير موضعه لمذا أقرت التربية الإسلامية مبدأ العقوبة الزاجرة للأطفال على أن تكون هينة خفيفة متدرجة وغايتها الإصلاح لا الانتقام والعظة لا الاهانة فيقول الرسول (ص): "لأن يؤدب رجلا ولده خير له من أن يتصدق بصاع" وذلك عندما يبلغ الطفل من السن والعقل مبلغاً يحتمل ذلك والتأديب فعل مأذون فيه لمن له سلطانه، بل هو واجب مرسوم بحدود رسمها النبي (ص) فإذا تجاوزها حول التأديب إلى تعذيب.
وقد قال النبي (ص) لمرداس المعلم "إياك أن تضرب فوق ثلاث فانّك إذا ضربت فوق الثلاث اقتص الله منك".
فالمقصود هنا ليس القصاص بل التوجيه نحو الخير والابتعاد عن الشر.
كما تحث التربية الإسلامية على عناية الأهل بأطفالهم وأن لا يتركوا تربيتهم لغيرهم فهم أعلم بمصلحتهم وفائدتهم ويقول (ص) في هذا الصدد "الزموا أولادكم" أي لا تتركوهم للغير وألا تهملوا تربيتهم فيفسدوا كما قال: "لا نحل والداً ولداً أفضل من أدب حسن" و"رحم الله والداً أعان ولده على بره".
- حق التعلم: وأخيراً أشير إلى أحد أهم الحقوق التي خصها الإسلام بأوّل آية نزلت على النبي (ص) الا هي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق/ 1)، فالإسلام جعل العلم فريضة وركناً وألزم كل رجل بتعليم زوجاته وبناته كما يعلم أبناءه فيقول الرسول (ص): "لا يلقى الله بذنب أعظم من جهالة أهله"، فالإسلام هو أوّل نظام نظر إلى المرأة على انّها كائن بشري لا يستكمل مقومات إنسانيته حتى يتعلم شأنها شأن الرجل سواء بسواء.
وكان من حب المسلمين لتعليم أولادهم ومنهم الفقراء والأيتام واللقطاء إن كان وفر لهم التعليم بالمجان وكفلهم مادياً ومعنوياً احتساباً لوجه الله.
وقد تكون كلمة الإمام علي بن أبي طالب (ع) من أبلغ ما وصلنا في مجال التعليم وكم نحن بحاجة اليوم لهذه النصيحة: "علّموا أولادكم غير ما عُلمتم فانّهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
هذه رؤوس نقاط أردنا من خلالها اثارة الموضوع ليتسنى لباحثين آخرين التداول بشأن جوانبه الأخرى واضاءة خطوطه التفصيلية.
المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 182 لسنة 2007م
ارسال التعليق