• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية

د. رفيق يونس المصري

الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية

الودائع في البنوك الإسلامية نوعان: ودائع بدون عائد، وهي تسمى ودائع وحقيقتها قروض حالَّة (تحت الطلب)، يستردّها صاحبها متى طلبها. والنوع الثاني: ودائع استثمارية تشترك في الربح والخسارة.

لكن هذه الودائع الاستثمارية تودع نقوداً وتستردّ نقوداً. فإذا استخدمها البنك أو الصندوق الاستثماري في شراء أصول غير نقدية: أصول ثابتة: آلات، أراض، عقارات، بضائع، مواد... إلخ، فإنّ المودع لا يعدّ شريكاً في هذه الأصول غير النقدية، ولا مالكاً لها إذا تم شراؤها بمال المودع فقط، دون مشاركة من البنك أو الصندوق.

وتلجأ البنوك أو الصناديق بطرق صريحة أو خفية إلى تحويل نقود الودائع إلى أراض وعقارات تحقق لصاحب البنك أو الصندوق إيرادات وأرباحاً عالية. ولكن المودع لا يعدّ شريكاً في هذه الإيرادات أو الأرباح، إنما يعطى نسبة تحكمية تقارب نسبة الفائدة (أو معدل الفائدة) في السوق. ويتحكم صاحب البنك أو الصندوق بالمصاريف والإيرادات بطرق محاسبية ملتوية، لا يطلع عليها المودع. فالمودع لا يناقش في أي شيء يتعلق بإدارة المشروع الذي استثمر فيه ماله، فليس له حقّ الاطلاع، ولا حقّ الرقابة، له فقط الحقّ بما يجود عليه صاحب البنك أو الصندوق. وغالباً ما يلجأ صاحب البنك أو الصندوق إلى التحكم بالإيرادات والنفقات بطريقة تؤدي إلى النسبة التي يريد منحها للمودع، والتي أعلن عنها للمودع على سبيل التوقع. فإذا كان صاحب البنك أو الصندوق اشترى أرضاً أو عقاراً بثمن بخس، فإنّه يدخله في المشروع، ويقوّمه بثمن مرتفع جدّاً، بالمبلغ الذي يريده هو، دون إطلاع المودع على حقيقة الأمر.

فالمودع المستثمر ليس مقرضاً بفائدة، كما في البنك التقليدي، وليس شريكاً، كما في الفقه الإسلامي، إنما هو قدَّم نقوداً ويستردّ نقوداً مثلها أو أكثر أو أقل. ولا حقّ له في الاشتراك في أصول المشروع وخصومه (موجوداته ومطاليبه)، ولا حقَّ له في الاطلاع ولا في الإدارة ولا في التصويت ولا في الرقابة. فلا أدري أي شريك هو؟! إنّه مودع شريك بالاسم والصورة، وهو في الحقيقة عاجز ومخدر ومشلول! هذا مع التنبيه إلى أنّ هذه البنوك والصناديق تعمل بأموال غيرها، بأموال المودعين، ولا تعمل بأموالها الخاصة، فإما أن لا يكون لها رأس مال خاص أبداً، أو يكون مالها قليلاً جدّاً بالنسبة لمال غيرها، وإما أن تقوّم مالها وموجوداتها بأعلى من قيمتها بكثير، دون رقيب ولا حسب!

ومن نتائج هذه السياسة أنّ صاحب الصندوق أو صاحب البنك يثري على حساب صاحبه المودع، وتتفاوت الثروات والدخول بصورة فاحشة، الأمر الذي يؤدي إلى وجود طبقة ثرية متنفذة ومتسلطة، وطبقة أخرى لا تملك من الأمر شيئاً، لا تملك الأصول، ولا تملك السلطة السياسية والمالية، ولا تملك وسائل الإعلام، ولا القنوات الفضائية، ويصبح كلّ هذا حكراً على الطبقة الأولى التي تتكلم بما تشاء، وتستعين على أغراضها بمن تشاء من المشايخ وغيرهم الذين يبعدون في كلامهم عن المساس بأي كلمة نقد توجه إلى سلوك هذا وذاك. ولهذا تجد القنوات الدينية والبرامج الدينية تفتعل الحوار والنقاش في أمور تافهة وبعيدة، وغالباً ما تكون باردة وتخديرية، وينصرف الناس عنها إلى قنوات وبرامج أخرى أكثر علماً وفاعلية وحيوية وجرأة. ولا أدري أين دور هيئات الرقابة الشرعية في هذا الباب؟

 

المصدر: كتاب الأزمة المالية العالمية (هل نجد لها في الإسلام حلاً؟)

ارسال التعليق

Top