• ١٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العدالة.. مفهوم ومبدأ

العدالة.. مفهوم ومبدأ

العدالة

◄تُعرّف العدالة في الفلسفة بأنّها النسبة والتناسب بين ما يستحق الإنسان، والأمور السيئة أو الجيِّدة المخصصة له، وقد وضّح (أرسطو) أنّ أهم ما في العدالة هو معاملة الحالات المتشابهة بالطريقة نفسها، وقد كان هذا التعريف نقطة الانطلاق لجميع المفاهيم الغربية حول العدالة، ولكنّ هذه الفكرة وضعت المفكرين في وقتٍ لاحقٍ في التساؤل عن ماهية التشابه في المواهب، والحاجات، والمستحقات، وامتد مفهوم العدالة عند (أرسطو) إلى العدالة في توزيع الثروة أو غيرها من السلع، والعدالة الرجعية، أي معاقبة الشخص على ما قام به سابقاً، وتُعدّ العدالة من أهم المفاهيم الأخلاقية والسياسية، وتعني الحق، أو القانون، ويُعرّف قاموس أكسفورد الإنجليزي (الشخص العادل: بأنّه الشخص الذي يفعل كلّ ما هو أخلاقي).

مبادئ العدالة

تُعدّ المساواة هي المبدأ الأساسي للعدالة، وقد كان ذلك مقبولاً على نطاقٍ واسعٍ منذ زمن (أرسطو)، أي منذ أكثر من ألفي عام، وينص هذا المبدأ: (على أنّه يجب معاملة الأشخاص المتساويين بشكلٍ متساوٍ، وغير المتساويين بشكلٍ غير متساوٍ)، ولكن تمّ تعديل هذا المبدأ اليوم ليصبح: (يجب معاملة الأفراد بالطريقة ذاتها، ما لم يكون هناك اختلاف بعلاقتهم في الحالة التي يشتركون بها)، ومثال ذلك إذا كان هناك امرأة ورجل يقومان بالعمل ذاته، وليس هناك فروق بينهما، أو في العمل الذي يقومان به، فمن العدالة أن يحصلا على الأجر ذاته، أمّا إذا تمّ رفع الأجر للرجل لأنّه رجل، أو لأنّه أبيض، وما إلى ذلك، فذلك ليس من العدالة.

أنواع العدالة

هناك أربعة أنواعٍ من العدالة، وهي:

* عدالة التوزيع: والمعروفة أيضاً باسم العدالة الاقتصادية، وهي الإنصاف فيما يتلقاه الناس.

* العدالة الإجرائية: وهي القرار العادل في التوزيع، أي تحديد المعايير التي يجب من خلالها التوزيع، وبالتالي فإنّ هذه العدالة تؤدي إلى عدم التوزان في التوزيع.

* العدالة التصالحية: وهي إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وأبسط شكلٍ لها هو تقديم الاعتذار لصاحب الحقّ.

* العدالة الرجعية: حيث تعمل على مبدأ العقوبات، وتهدف إلى ردع المجرمين عن ارتكاب مخالفاتٍ في المستقبل.

العدل والمساواة

يظنّ الناس أحياناً أنّ العدل والمساواة هما شيء واحد، والحقيقة أنّ الفرق بينهما كبير، فقد يعاكسان بعضهما البعض في المعنى ويتعارضان، وقد يكمّلان بعضهما بحسب الظروف والأحوال، فما هو العدل؟ وما هي المساواة؟ وما الفرق بينهما؟

العدل

كما يعتبر العدل من القيم والأخلاقيات والمُثل التي تعتبر مؤشراً على سير الحياة وفق ما أراد الله تعالى، فالعدل هو صفة لله تعالى واسم من أسمائه الحسنى فالله سبحانه عادل عدالة مطلقة في حكمه وقضائه، في قدره وأمره ومشيئته.

أمّا البشر فعدالته نسبية بلاشك يعتريها النقص ويشوبها الزلل وتظللها الأهواء والأمزجة، وتؤثر فيها الظروف والأحوال المتقلبة، وقد دعا الله سبحانه وتعالى عباده لأن يكونوا عادلين في تعاملاتهم مع بعضهم البعض، كما أمر الحكام بالعدل في الحكم على الناس، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90)، وفي الآية الأخرى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص/ 26).

العدل يعني إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وإنصاف المظلوم، ورد الحقوق، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وعدالة الرأي في الأمور، والعدالة في الشهادة، وعدالة القضاة في الحكم بين المتخاصمين من دون أن يكون هناك ظلم لأحد منهم أو حيف أو ميل عن الحقّ.

المساواة

المساواة هي تأتي بمعنى إيجابي، حيث تعني التمتع بجميع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو اللغة، مثال أن يساوي الإنسان في قسمته بين أزواجه فلا يعطي إحداهما حقّاً أكثر من الأخرى.

الفرق بين العدل والمساواة

قد تترادف المساواة مع العدالة في بعض الحالات، ولكنّها تختلف في حالات أخرى، مثال على ذلك أن يساوي المعلم بين طلابه في الدرجات بينما هم في الحقيقة مختلفون في القدرات، وكذلك ما تدعيه منظمات حقوق الإنسان من مطالبات لمساواة المرأة بالرجل في شتّى مناحي الحياة، حيث إنّ المساواة هنا بلاشك قد تكون ظلماً للمرأة أو الرجل على حدٍّ سواء، فالمرأة تختلف عن الرجل في صفاتها الخَلقيّة وفي مجالات الحياة مثل العمل والإنفاق وغيرها.

إنّ المساواة لا تعني العدالة بلاشك، لأنّ المساواة في بعض المواقف والظروف قد تجافي العدالة وتحقق الظلم، والعكس صحيح فقد يكون التمييز بين الناس وعدم مساواتهم في أمر معين هو عين العدالة. ►

 

ارسال التعليق

Top