• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوظيفة المعيارية لمفهوم الإعلام الإسلامي

أحمد محمد محمد عبدالعظيم

الوظيفة المعيارية لمفهوم الإعلام الإسلامي

* لماذا اُسْقِط المجتمع تحت الإستلاب الثقافي؟

* علمانية الانتاج الإعلامي في غالبية الدول الإسلامية جريمة كبرى! تعد قضية الإعلام من أهم القضايا المصيرية في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ أمتنا، وتحتل مساحة قليلة من جهودنا العقلية والسياسية على السواء... وسوف نستعرض في هذه السطور القضية من محاور ثلاثة هي: 1- لماذا الإعلام الإسلامي؟ 2- مفهوم الإعلامي الإسلامي. 3- مشكلات الإعلام الإسلامي.   - لماذا الإعلام الإسلامي؟ تقوم حاجتنا إلى الإعلام الإسلامي على أساسين: أساس شرعي وأساس اجتماعي. أما الأساس الشرعي فيدل عليه خطاب التكليف الذي يأمرنا بتحكيم الإسلام في الإعلام، ولا خلاف على أننا نأثم لعدم امتثالنا لهذا الخطاب الملزم. أما الأساس الاجتماعي، فنابع من دعوة المسلمين إلى مجابهة الواقع الإعلامي القائم بأسلحة ذاتية فعالة، في وقت نعيش فيه معركة عقائدية، لن ننتصر فيها بغير عقيدة. وليس لنا من عقيدة نعيش تحت لوائها سوى الإسلام. ومن هنا فإنّ الأساس الاجتماعي يتحول في المسار الأخير إلى أساس شرعي، لأنّ سلامة الدين وسلامة المجتمع لا يتمّان بغير هذه المجابهة، "وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". والذي يتابع الساحة الإعلامية الراهنة يشعر أنّ العالم الذي نعيش فيه يتململ تحت وطأة نظام إعلامي احتكاري، هو احتكار أعطته تكنولوجيا الاتصال المعاصر قوة فوق قوته، وتأثيرا أعظم يضاف إلى تأثيره، وتنطوي الصورة المعاصرة على أزمتين: أزمة في النظام الإعلامي العالمي، وأزمة في صورة الإسلام في وسائل الإعلام، بحيث يمكن القول أنّ الإسلام في وسائل الإعلام يتعرض لمخاطر شديدة، حيث أسفر مبدأ الحرية المطلقة للعملية الإعلامية عن احتكار إعلامي بغيض تمارسه الدول المتقدمة التي تملك تكنولوجيا الاتصال وتمثل المنتج الوحيد للمادة الإعلامية... ويكفي الإشارة إلى أن أكثر من 80% من المادة الإخبارية توزع من خلال ست وكالات أنباء عالمية مسيطرة ومعروفة، وأن 90% من ذبذبات الإرسال الإذاعي في أيدي عدد قليل من الدول الصناعية التي تمثل 10.1 سكان العالم، الأمر الذي جعل تدفق المعلومات – كما قال أحد رؤساء وزراء فنلندا السابقين – يمضي في اتجاه واحد، وعبر طريق غير متواز، ويفتقر إلى العمق الذي تتطلبه حرية التعبير، وقد جاء هذا الخلل عن عمد وسبق إصرار وليس نتيجة خلل داخلي، فالسيطرة بواسطة وسائل الإعلام تعد هدفاً أساسياً في استراتيجية الإعلام الغربي. وقد ذكر أحد العلماء في كتابه "الاتصال الجماهيري والامبراطورية الأمريكية" أن دبلوماسية السفن الحربية قد أصبحت قطعة أثرية من التاريخ، أصبحت دبلوماسية الاتصال هي أنجح السياسات وأكثرها رواجاً في الوقت الحاضر. وقد جاء في تقرير للبرلمان الأمريكي عن الهجوم الأيديولوجي الأمريكي: "يمكننا تحقيق بعض أهداف سياستنا الداخلية من خلال التعامل المباشر مع شعوب الدول الأجنبية بدلاً من التعامل مع الحكومات، وذلك باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة التي تصل إلى قطاعات كبيرة من السكان، وتؤثر في اتجاههم وتدفعهم إلى أنماط سلوكية معينة، ويمكن لهذه القطاعات أن تمارس بدورها ضغوطاً ملحوظة وحاسمة على حكوماتها". وقد عبر عن ذلك مدير سابق لوكالة إعلام أمريكية بقوله: "إنّ شاشة التلفزيون الأمريكي هي التي تحدد نغمة وأسلوب انتاج البرامج في العالم بأسره". ومن هنا تنبع أزمة النظام العالمي في الإعلام من إحساس العالم بخطورة هذه الاستراتيجية التي تسعى إلى تدمير ذاتية الشعوب، وتوليد أنماط تابعة يحكمها صانع القرار في الدول المتقدمة، وهو ما عبر عنه في كتاب "الجغرافيا السياسية للإعلام" أو "هكذا تسيطر ثقافة الغرب على العالم" عندما قال الكاتب: "إنّ المنتجات الثقافية والإعلامية أشد فتكاً بكيان الشعوب من الكوكايين".   - نظام دولي جديد: إنّ إقامة نظام دولي جديد في مجال الإعلام والمعلومات يمثل ضرورة تماثل في أهميتها ضرورة إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، حتى لا تختفي ذاكرة الشعوب ويضيع تاريخها، إنّ النموذج الثقافي للمجتمع يرتكز على ذاكرته فإذا ترك للآخرين مهمة تنظيمها أصبح أفراد المجتمع مجرد مستهلين، ويسقط المجتمع في الإستلاب الثقافي الذي تراهن عليه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أقمارها الصناعية... وبناء على ما سبق، فإنّ الإعلام الإسلامي يصبح ضرورة لتحطيم أغلال النظام الإعلامي الذي يجسد تحكيم النخبة المسيطرة على وسائل الإعلام.   - صورة الإسلام في وسائل الإعلام: أما صورة الإسلام في وسائل الإعلام – وهي الوجه الثاني للأزمة – فإنها تعبير عن موقف الكراهية للإسلام الذي يحكم النظرة الغربية للعالم الإسلامي، يقول إدوارد سعيد: إنني لم أعثر على حقبة من التاريخ الأوروبي إبان العصور الوسطى تم فيها دراسة الإسلام خارج الإطار الذي رسمته هذه الأهواء والمصالح السياسية...". خلاصة القول: "إنّ الإعلام الأمريكي والغربي عموماً يملك القوة والسيطرة الواسعة الانتشار، واستطاع من خلالها أن يقدم صوراً للعرب لا ترضيهم ولا تسعدهم". ويقول الدكتور سعيد: "إنّ هذه الصورة النمطية هي تعبير عن القوة المسيطرة، وبالتالي فإن أيّة محاولة جديدة لتصحيح هذا التشويه ضد الإسلام والعرب، هي محاولة سياسية يلزمها استخدام القوة". ويقول الدكتور هشام الشرابي: "إنّ التشويه في الصورة العربية في الغرب ليس عن جهل، ولكنه نمط محدد من المعرفة تمتد جذوره إلى عداء تاريخي ديني وعرقي تجاه الإسلام. ومن هنا فإننا أمام إعلام مريض لا يحتاج إلى جراحة واحدة، بل إلى عدة جراحات ليُحسن السمع والإدراك". وإزاء هذا الطوفان، ليس أمامنا سوى الإسلام بعقيدته وثقافته وحضارته، وقد أكدت دراسات غربية أنّ الثقافة الإسلامية تستطيع أن تعطي درجة كبيرة من الاستقرار، وقوة على مقاومة ما يصنعه الإعلام الغربي.   - الدعوة والإعلام: وإذا دخلنا إلى عالم الفروق بين الدعوة والإعلام فإننا نقول: "إنّ الدعوة في الأساس مضمون... والإعلام في جوهره أسلوب. كما أنّ الدعوة كمضمون صادر عن الإسلام يتميز بالثبات والديمومة، أمّا الإعلام كأسلوب فإنّه يتميز بالنسبية والتغير لأن لكل زمن أسلوبه ولكل مكان أسلوبه، ولأنّ الدعوة مضمون ثابت مستمر فقد أخذت من نظرية الحكم عند الأصوليين صفة الواجب! أما الإعلام باعتباره أسلوباً فإن حكمه الإباحة، قد تأخذ ببعضه وقد لا تأخذ ببعضه الآخر... أما الفوارق الجزئية بين الدعوة والإعلام فإنها تتمثل في أنّ الدعوة قول وعمل قد يكون بالكلمة أو بالسيف، أما الإعلام فإنّه فن قولي، وهذا يعني أنّ الدعوة أوسع نطاقاً من الإعلام.   - الإعلام الديني والإعلام الإسلامي: أما عن الفرق بين مفهوم الإعلام الديني ومفهوم الإعلامي الإسلامي، فإنني أقول: إنّ الإعلام الديني أمر يتعلق بكل الأديان، وقد حصر الإعلام الديني في أجهزة إعلامنا في مساحة ضئيلة توضع على خريطة البرامج باعتبارها برامج فقهية أو إسلامية. أمّا الإعلام الإسلامي فإنّه ينسحب على المواد المذاعة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية كافة، حيث ينبغي أن نعلي من شأن الإسلام... ونحكمه في الإعلام وفي المواد الإعلامية كلها سواء كانت ترفيهية أم إخبارية أم رياضية أم صحية. وقد استبدلت وسائل الإعلام الديني بالإعلام الإسلامي، مع أنّ الإعلام الديني في مفهومه هو تخصيص مساحات إعلامية لموضوعات دينية ثمّ يتدفق بعدها سيل البرامج الأخرى التي تعارض الإسلام ولا تلائم المجتمعات الإسلامية وتسهم بصورة فعالة في صياغة العقل في الدول الإسلامية على نحو غير إسلامي، والواقع إن تنحية الإسلام عن المجال الإعلامي أمر لا يمكن تجاوزه بالشعارات.   - تغريب المجتمع الإسلامي: نأتي لقضية أخرى هامة وهي قضية الانتاج المستورد والذي يمثل قاسماً مشتركاً في جميع وسائل إعلام الدول الإسلامية، فنحن دائماً نختار تلك البرامج التي تخالف قيمنا وأذواقنا وحياتنا، وذلك لأنّ القائمين على اختيار أمر هذه البرامج لا تعنيهم قضية المواءمة بين قيم المجتمع وبين ما تبثه وسائل الإعلام. ومن خلال هذه المواد التي صنعت في الغرب تتم السيطرة على أفكار جمهور المستقبلين، وهذا أمر يثير الخوف لدى المهتمين بقضية الإعلام الإسلامي.   - اللسان العربي أوّلاً!! وأريد أيضاً أن أطرح قضية اللغة العربية في وسائل الإعلام، وذلك أنّ الاستعمار قد حاول منذ جاء إلينا تخريبنا ثقافياً عن طريق قطع لساننا العربي حتى نصبح بلا هوية ولا تاريخ، ليسهل عليه ابتلاعنا: أرضاً وثروات وشعباً، وقد كانت اللغة العربية مستهدفة دائماً... وفي الحقيقة فإن أجهزة الإعلام في غالبية الدول الإسلامية تسهم في قطع اللسان العربي عن طريق نشر اللهجات المحلية.   - الرقابة الإسلامية: ويضاف إلى ما سبق، علمانية الانتاج الإعلامي في غالبية الدول الإسلامية. فإذا علمنا أن كل ميزانيات المؤسسات الإعلامية يتم صرفها على هذا اللون من الانتاج لعرفنا حجم المشكلة النفسية التي تحيط بالعاملين في مجال الإعلام الإسلامي، حيث تقيد طاقاتهم مما يجعلهم غير قادرين على تقديم انتاج جيد قادر على المنافسة مع المواد الإعلامية العلمانية، هذا بالإضافة إلى سيطرة الكوادر غير المؤهلة التي لا تستطيع تأدية دورها الإسلامي في انتاج البرامج الإسلامية! وما نريده هو أن يتم انتاج المواد الإعلامية والإخبارية والفقهية والثقافية تحت رقابة أحكام الإسلام...   - نظرية الإعلام الإسلامي! إنّ التنظير لقضية الإعلام الإسلامي يتنازعها طرفان متباعدان: الأوّل: طرف الدعاة الذي ينظر إلى الإعلام والإعلاميين بقليل من الثقة وعدم الاطمئنان. والثاني: طرف الإعلاميين الذي ينظر إلى الدعاة ببعض الاستخفاف والاستهجان ولكل أسبابه ودواعيه... فالطرف الأوّل: لا يتزحزح عن موقفه بدعو الأصالة. والطرف الثاني: متصلب في رأيه بدعوى المعاصرة. ولو لا الاتجاه العام في المجتمعات الإسلامية نحو العودة إلى الإسلام لما حاول بعض الإعلاميين – رغبة أو رهبة – أن يصالح الإعلام الإسلامي أو يتعامل معه. والواقع أنّ الإعلامي عليه أن يدرك بأنّه مهما استطاع أن يستوعب كل فنون الاتصال، فإنّه لن يستطيع الإسهام في تكوين مجتمعه والحفاظ على ذاتيته إلا بادراكه للحقائق الإسلامية، كما أن على الداعية أن يدرك أنّه مهما استطاع أن يلم بكل علوم القرآن والثقافة الإسلامية فإنّه لن يستطيع الإسهام في صناعة العقل الإسلامي المعاصر إلا باستخدام وسائل الإعلام الحديثة... وبعد... هذه بعض المحاور التي أردت أن أطرحها في هذه السطور القليلة... لعلنا نستطيع أن نبلور بعض المفاهيم التي لا تزال قلقة في هذا المجال مثل: مفهوم البرامج أو المادة الدينية، والمشكلات التي تحيط بنا من كل جانب والتي تشغلنا كل يوم بطوفان من الانتاج الغربي الذي يسهم إسهاماً فعالاً في شدنا نحو الغرب بتبعية ثقافية لا نستطيع التحرر منها إلا بالعودة إلى الإسلام... والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 61 و62 لسنة 1996م

ارسال التعليق

Top