• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوسطية ثقافة الأُمّة ومنهجها

أ. الشيخ عبدالرحمان شيبان

الوسطية ثقافة الأُمّة ومنهجها

◄يقول الله سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143)، فالأُمّة الوسط هي أمة الشهادة، ووسطاً أي عدلاً، والخروج عن الوسطية خروج عن العدالة وانحراف إلى الغلو والتطرف. والدعوة إلى الوسطية لا تكفي وحدها إن لم تكن مدعومة بالعمل الدائم؛ لأنها ليست شعاراً يرفع وإنما هي ثقافة ومنهج الأُمّة ووظيفتها في الحياة، ومن ثمّ كان الغلو مرفوضاً مهما كانت مبرراته، سواء بالغلو في الالتزام أو التطرف في الانحلال، ولذلك كان لومه وعتابه (ص) شديداً، للذين أفرطوا في عبادته، فقالوا وأين نحن من النبي (ص) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فلما سمع الرسول (ص) بذلك، قال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام. وأصوم وأفطر. وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وسبب التطرف والغلو في الدين هو الجهل، والبعد عن وسطية الشريعة السمحاء، وسمي التطرف تطرفاً لأنّه إمساك بطرف أو طرفين، بعيداً عن الوسط الذي ينزل إليه الصاعد ويصعد إليه النازل كما روي عن الإمام علي (ع). لاشكّ أن نوايا بعض الشباب صادقة في تدينهم، وتمسكهم بالدين وقوفاً في وجه هذه الأمواج العاتية، من الكفر والانحلال والتفسخ الأخلاقي مصحوباً بردة اجتماعية وثقافية عامة، وربما كان هؤلاء الشباب معذورين بجهلهم، ولكن علاجهم لا يكون بتسفيههم أو معاندتهم، وإنما يكون بالتعليم والتربية والتوجيه، ونحن في جمعية العلماء، قد أخذنا على عاتقنا هذا الواجب كما أخذه سلفنا رحمه الله ورضي عنهم.

أمّا السبيل لإخراج الأُمّة من حالة الوهن والضعف، هو سبيل الله، هو كتاب الله وسنة رسول (ص): (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام/ 153)، أي بالرجوع إلى كتاب الله وإقامة شرائعه وشعائره. وعندما قال الرسول (ص) لصحابته: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" استغرب بعض وقال: ومن قلّةٍ نحن يومئذٍ؟ فقال: لا، بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن "فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال "حبُّ الدنيا وكراهية الموت". فالأُمة اليوم أكثر من مليار مسلم ولكنها كالغثاء، أصابها الوهن، واجتمع في قلبها حب الدنيا وكراهية الموت، فهي لا تحب الدنيا فحسب وإنما تكره الموت أيضاً، وعندما يعم الشعور بهذا الهوان، تنتبه الأُمّة إلى أنّها في واقع لا تحسد عليه، ومن ثمّ تنتبه إلى أن واجب الوقت هو نفض هذا الغبار لتعود إلى رسالتها فيعود لها مجدها.

 

المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد 75 لسنة 2009م

ارسال التعليق

Top