• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المرأة العربية والمشاركة السياسية

د. بثينة شعبان

المرأة العربية والمشاركة السياسية


كما تعرفون لقد قطعت المرأة العربية خطوات واسعة في النصف الثاني من القرن العشرين سواءً على المستوى الثقافي أم على المستوى الاجتماعي، ولكن ما زالت في كثير من الأحيان، وخاصة في المستوى القانوني والاقتصادي والسياسي، لم تغادر في هذه المجلات المستوى الثقافي الذي وصلت إليه المرأة العربية، وهناك الكثير من الإشكاليات التي تحول دون اتخاذ المرأة العربية الموقع الذي تستحق، وأول هذه الإشكاليات: أن لدينا إرثاً مشوشاً من تاريخ تحرر المرأة العربية، فالكثير من الدراسات لا تفرق بين تاريخ المرأة العربية وما فعلته وما ناضلت من أجله، وبين ما دخل على هذا التاريخ من إرث غربي، ومفاهيم غربية، قد لا تمت إلى واقعنا بصلة. ويحاول المغرضون أن يستخدموا السلبية من هذا الإرث أحياناً، والسليبة مما هو دخيل أحياناً أخرى لكي يمنعوا المرأة العربية من الوصول إلى المكان الذي تستحق. وسوف أوضح بادئ ذي بدء أنني أعتبر مساهمة المرأة العربية الحقيقة واجباً وطنياً، وأعتبر وصول المرأة العربية إلى مواقع اتخاذ القرار، ومشاركتها السياسية الفعلية ميزة للوطن، وليس للمرأة فقط، وأعتقد أننا جميعاً نشعر أن هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية ربما تذكرنا بالأزمات التي مرت بها الأمة العربية في بدايات القرن العشرين المنصرم، حيث انبرى الكثير من الإصلاحيين والتنويريين إلى المناداة بأن تأخذ المرأة حقوقها، وأن تقوم بواجبها تجاه الوطن، وأعتقد أننا نحن نواجه مثل هذا الأمر اليوم، على مستوى الجهد كانت المرأة دائماً تبذل جهداً يختلف بدرجات أو بنوع عن الجهد الذي يبذله الرجل، ولكنها كانت دائماً موجودة، المقولات التي تتحدث عن خروج المرأة إلى العمل، أو خروج الحريم إلى العمل، هي مقولات غير دقيقة، فمعظم المجتمعات، وخاصة الريفية، ويجب أن نتذكر قبل قرن أن معظم المجتمعات الإنسانية كانت مجتمعات ريفية، ثم تحولت إلى مجتمعات صناعية. كانت المرأة ولا تزال تقوم بجهد كبير، وبدور كبير في جميع أنواع العمل، ولكن الموقع الذي تتبوؤه المرأة لا يتناسب مع الجهد الذي تبذله، وإذا أخذنا المجتمعات الريفية على سبيل المثال فمعظم الدراسات في العالم تؤكد أن المرأة الريفية تقوم بما يزيد على 70% من الأعمال في الأرض والمنزل وتربية الماشية وإلى آخره. ولكن هذا لا ينسجم مع الحقوق التي تنالها المرأة، فهي لا تستطيع أن تبيع المحصول، ولا تستطيع أن تحصل على قروض، ولا تستطيع أن ترث أو تورث الأرض، وإذا نظرنا حولنا وفكرنا بشكل موضوعي ووقفنا وقفة صادقة مع أنفسنا نرى الفكر فكر المرأة والقيادة ليست فكرة جديدة على الإطلاق، فكل من ينظر حوله يرى أن المرأة بشكل أو بآخر هي قائدة في مجتمعها، فالمرأة في الأسرة، و المرأة في المجتمع تقوم في مختلف المجالات، وبداية فكرة المرأة والقيادة هي ليست فكرة جديدة، ولكن توسيط هذه الفكرة وتحديد مفهومها ربما هو توصيف جديد، هذا أمر، والأمر الآخر، هو أن الكثيرين في الوطن العربي مثلاً أو في العالم الثالث، يظنون أن المرأة الغربيةأو الأوروبية قد تحررت من معظم القيود وأنها تطورت، وأنا أقول: إذا استثنينا الدول الإسكندنافية التي فعلاً تمثل المرأة في البرلمانات الحكومية وجميع المواقع في اتخاذ القرار، فإننا نستطيع أن نقول: إن مشاركة المرأة سواء في الولايات المتحدة أو أوربة أو في أي دولة صناعية متقدمة تختلف بشكل بسيط عن مشاركة المرأة في وطننا العربي. فنسبة حضور المرأة في البرلمانات الغربية لا تزيد عن 10% ولا تتراوح بين 10 إلى 15%، ونسبة حضور المرأة في مواقع اتخاذ القرار سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية لا تزيد على هذه النسبة، ولقد أجريت اتصالات مع معظم الدول العربية فوجدت أن نسبة حضور المرأة في البرلمانات يتراوح بين 7 إلى 9%، إن توسط حضور المرأة السياسي يتراوح أيضاً بين 8 إلى 12%، وهذه نسبة بسيطة بالفعل، ولا تناسب مع الحدود الثقافية التي حققتها المرأة، ومع الجهد الكبير الذي تبذله المرأة، ومع الدور السياسي الحقيقي على أرض الواقع الذي تقوم به المرأة، وإذا عدنا وسألنا أنفسنا لصالح من يكون تحليل طاقات المرأة أو مشاكلها، سواء السياسية أو المجتمع.
وأنا هنا أتحدث عن المشاركة السياسية أو تبوؤ مواقع اتخاذ القرار، أتحدث عن هذا الأمر مسؤولية ولا أتحدث عنه منصباً، أو أمراً يحقق للمرأة القائدة، بل أتحدث عنه موقعاً يحقق الفائدة للوطن، أعتقد أننا في هذا القرن الحادي والعشرين تجاوزنا المقولة: إن تحرير المرأة قد يكون على حساب الرجل، أو إن ما تسعى إليه المرأة هو المساواة مع الرجل، وأنا في الحقيقة لا أحب كلمة المساواة مع الرجل، ولا أحب كلمة المساواة على الإطلاق، لأنها لا يمكن أن تساوي بين أخ وأخيه، وبين امرأة ورجل، كل إنسان له قيمته ومساهمته، وله كفاءته، وهذا ينطبق على المرأةعلى فرصة مناسبة تساوي الجهد الذي هي قادرة على أدائه، وأن يستثمر الوطن كل جهود أبنائه وقيمهم، وهذا ما نتحدث عنه ولا نتحدث عن منافسة بين الرجل و المرأة، أو صعود المرأة إلى مواقع اتخاذ القرار سوف يكون على حساب الرجل؛ أو هذه النظريات التي تتحدث عن ذلك، وهي في معظمها نظريات وافدة إلى تاريخنا وحضارتنا العربية، لأن مساهمة المرأة في جميع المجالات تبقي إلى حد كبير مساهمة غامضة ومجهولة، (فعلى المستوى الأدبي علىسبيل المثال نرى أن مساهمة المرأة العربية سواء في الرواية أو في الشعر، لم تنل ما تستحقه من الإرث، ولم تنل ما تستحقه من الحضور في المناهج الدراسية أو في المدارس والجامعات.. إلخ). إذن ما نحتاجه هو أن نسلط الضوء على مساهمة المرأة، وأن نسمح لهذه المساهمة أن تصبح تياراً من التطبيق الأساسي لأجيالنا، سواء في المدارس أو الجامعات، وإذا كان المنظور وطنياً، سواء منظور المرأة أو الرجل، فلا أعتقد أننا نختلف على شيء سوى أن المنظور الوطني يوجب علينا أن نستثمر كل طاقات الوطن، لنساهم في خدمة الوطن، وأعتقد أن مساهمة المرأة قد تضيف إلى الحركة الوطنية أمراً قد لا يستطيع الرجل أن يضيفه، فكما أن للرجل قدرته وذهنيته وأسلوبه ومشاركته فللمرأة أيضاً قدرتها وذهنيتها وأسلوبها، وقد يكون هذا الأسلوب مغرياً جداً للرجل والمرأة على حد سواء والأمر المحزن أن هذه الحقيقة يعترف بها اعترافاً كاملاً في الأزمات الوطنية، فحين تدخل البلاد حروب استقلال، أو حين يعترض الوطن إلى أزمة مصيرية، تصبح المرأة مساوية رجلاً، ويستنفر الجميع عزيمة المرأة كما يستنهض الجميع عزيمة الرجل، ويطلب من المرأة أن تضحي ربما أكثر من الرجل لأنها يتوجب عليها أن تحافظ على الأسرة والعائلة، وكما نرى في الأراضي العربية المحتله، اللواتي يتحملن مسؤولية البقاء ومسؤولية الاستمرار رغم كل الألم الذي يعانين منه، ولكن ما إن تنتهي الأزمة في أي مكان حتي تعود المرأة إلى دارها، وكأن شيئاً لم يكن، وتعود كل التطبيقات، وكل القيم السلبية لتفرض على هذه المرأة التي نراها في الجزائر عاشت على الجبال، وفي سورية حملت السلاح مع الرجل، وحاربت من أجل الاستقلال، وفي لبنان وفي مصر وفي كل بلدٍ عربي. إذن هذه الأحداث الداعمة للمرأة سواء في الريف أو في الأزمات السياسية لم تحدث تحولاً نوعياً في وضع المرأة بعد الأزمة السياسية أو بعد الحرب التي يخوضها البلد، وهنا أسأل سؤالاً أساسياً: لماذا – وقد عرفت النساء المناضلات اللواتي ناضلن في حرب الجزائر، وكان لهن دور في حرب الاستقلال بالجزائر، ورغم أنهن عشن في الجبال وسجن وعُذبن في السجون كما عُذب الرجال، لماذا بعد استقلال الجزائر حُيدت المرأة تماماً، ولم يؤخذ بوجهة نظرها، ولم يسمح لها بالمشاركة السياسية التي تليق بها في مساهمتها النضالية طوال حرب الاستقلال.
وأعتقد الآن بعد قرابة نصف قرن من استقلال الجزائر، وبعد ما يحدث في الجزائر، أعتقد أن تحليل وجهة نظر المرأة انعكس سلباً على الوطن بأكمله، وعلى الجزائر بشكل عام، وربما أستطيع أن أخاطر وأقول: إنه لو حققت المرأة المشاركة التي تستحق ربما كانت الأمور أفضل من ذلك بكثير، النقطة التي أريد أن أقولها: إنه ليس لصالح الوطن على الإطلاق أن نستغني عن طاقات المرأة في وقت السلم ونستدعيها فقط في وقت الأزمات، للمرأة كفاءة – وقد سألت نفسي سؤالاً: – هل يجب أن تستغل كفاءة المرأة فقط، الكفاءة خير أيضاً، وقلت ربما المشاركة الحقيقة للمرأة تحقق معياراً دينياً ونضالياً يساعد أيضاً على المساهمة الفعالة في الكسب أيضاً، أي إن مشاركة المرأة وأخذ وجهة نظرها بشكل فعال، قد يساعد الرجل أيضاً على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، وعلى وضع الكفاءات في مكانها الصحيح، ولقد ركزنا على الكفاءة بدل المعايير الأخرى، لكي تستفيد المرأة والرجل على حد سواء. ورغم كل الرؤيات الثورية في الوطن العربي، فإن القوانين التي شرعت في الأوطان العربية لم تعط المرأة العربية حقها، وسوف أذكر مثالاً أو مثالين.
المرأة العربية إلى حد الآن في معظم البلاد العربية ما عدا تونس، المرأة العربية في معظم البلاد العربية لا تستطيع أن تعطي جنسيتها إلى أطفالها، هي التي تحمل وتلد وتربي، ومع ذلك لا تستطيع أن تخرج ابنها من مكان (موطنها) إلا بإذن من زوجها، وإذا مات الزوج، فبإذن من عمه أو جده الذي ربما لم يره، والمرأة المثقفة اليوم التي تتحمل مسؤولية إنجاب الأطفال، ومسؤولية تربيتهم تشعر بالحقيقة بالخجل، وتشعر بالعار. إنها لا تستطيع أن تكون مسؤولة عن هذا الطفل الذي ولدته، وأعتقد أن هذا إجحافٌ كبيرٌ، فالنساء العربيات رغم كل ما يقدمن للوطن العربي لسن مواطنات بالمعني الكامل للكلمة، المواطنية هي أن أمتلك الحقوق الكاملة للمواطنة، وإذا امتلكت الحقوق الكاملة للمواطنة فهذا يعني أنني أتمكن أن أعطي ابني أو ابنتي جنسيتي، والمرأة العربية لا تستطيع أن تفعل هذا، وأعتقد أن في هذا أجحافاً حقيقياً للمرأة العربية، لا يوجد صفحة في السجل الوطني إلا واسم المرأة فيه، المرأة على خانة أبيها، فإذا تزوجت انتقلت إلى خانة زوجها، وإذا طلقت تعود إلى خانة أبيها، أنا أعتقد أن هذا ينافي ما وصلت إليه المرأة من ثقافة وعلم وكفاءة، وخاصة أن المعركة اليوم ليست معركة رجل وإمراة، بل معركة وطنية، ولكننا جميعاً بحاجة إلى حشد كل الطاقات كي يصبح الوطن أفضل، وطبعاً أتحدث من منظور تفاهمي ومن محبة كبيرة، فأنا طفلة لأب كبير أحبه، وزوجة لزوج أحبه وأحترمه، وأم لطفل أحبه وأعزه، وأتحدث من منظور محبة لأسرة، محبة لرجل، ومحبة للوطن قبل كل شيء قبل الأسرة والرجل، أتحدث عن ضرورة استخدام الكفاءة النسائية من أجل المصلحة الوطنية، وضرورة تبؤو المرأة المواقع التي تستحقها كي يصبح الوطن أفضل، وكي يستمر الوطن، وأنا أعتقد أن في الوطن العربي خصوصاً ثقافة نسائية صادرة أو مغيرة للهجمة السياسية للوطن العربي. وأضرب مثلاً في النصف الأول من القرن العشرين حينما كانت تونس تتحدث عن الوحدة العربية وضرورة الاندماج السياسي، والوقوف ضد الإمبريالية والشيوعية. ماذا كانت تتحدث المرأة العربية في مجالتها وكتبها، يبدو أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية النصف الأول من القرن العشرين، كانت المرأة العربية تكتب مقالات عن ضرورة مد السك الحديدية بين الدول العربية، وعن ضرورة التبادل التجاري بين الدول العربية، وعن ضرورة وجود الطرق الجيدة بين الدول العربية، وأنا أقول: إن خطة ربط السك الحديدية لو أوجدت الطرق بين الدول العربية كان الشعور العربي اليوم والتضامن العربي اليوم والوحدة العربية اليوم أكبر بكثير من تلك الوعود السياسية التي لم تستفد منها لا المرأة ولا الرجل.


المصدر: كتاب المرأة وتحولات عصر الجديد

ارسال التعليق

Top