• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أقسام الغضب ومستوياته

د. عبلة جواد الهرش

أقسام الغضب ومستوياته

يرى أكثر العلماء أنّ الغضب جبلَّة مصاحبة لغريزة الإنسان، ولا يخلو أيُّ شخص منها.

وقد وافق هذا القول قول علماء النفس والتربية المعاصرين؛ إذ ذكرت الدراسات الحديثة أنّ أيَّ إنسان معرض للغضب ما لم يكن جهازه الانفعالي معطَّلاً أو تالفاً فسيولجيّاً، أو ما لم يكن يعيش في عزلة تامة أو جزيرة صحراوية خالية مما قد يسبب له الإحباط أو الخطر.

وهذا ما لاحظناه من خلال عرض نماذج لغضب الأنبياء الذي ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية الصحيحة، إلّا أنّ الغضب أقسام ومستويات، ومعرفة تلك المستويات تُعين على فهم كيفية إدارة الغضب.

وقد أشار النبيّ (ص) إلى أقسام الغضب ومستوياته في حديث نبوي؛ فقال: "إنّ بني آدم خُلقوا على طبقات شتى، ... وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرُّهم سريع الغضب بطيء الفيء...".

يلاحظ من الحديث النبوي: أنّ الناس يختلفون في سرعة غضبهم وسكون الغضب عنهم:

فالصف الأوّل المذكور: هو ذاك الشخص بطيء الغضب سريع الفيء، وهذا النوع محمود من جانب أنّ الشخص لا يغضب بسرعة، وإذا ما تعرض ما يغضبه فإنّ غضبه لا يدوم طويلاً لسرعة عودته وتراجعه عن الغضب.

وأما الصنف الثاني: فهو سريع الغضب سريع الفيء، فهو بين سيئة وحسنة، فالسيئة سرعة الغضب، إلا أنّ الحسنة تغفر له لكونه سريع الرجوع عن غضبه، لذلك قال النبي (ص): "فتلك بتلك".

والصنف الثالث: نعته النبيُّ (ص) بأنّه شرُّ الأصناف، لكونه يغضب بسرعة، وفي الوقت نفسه بطيء الرجوع عن الغضب.

والصنف الأوّل خير الأصناف كما وصفه النبيُّ (ص)؛ لبطء غضبه وسرعة رجوعه إلى الحقِّ.

ويلاحظ من تصنيف الرسول (ص) للغاضبين أنّه (ص) لم ينفِ صفة الغضب عن بعض الناس، ويجعلهم خيارهم، وذلك لأنّ الغضب انفعالات داخلية لا يخلو منها أيّ شخص.

أما من جانب شدة الغضب أو ضعفه؛ فقد ذكر الإمام الغزالي – رحمه الله – عدة مستويات للغضب:

المستوى الأوّل: التفريط: والمقصود به فَقْدُ الغضب بالكلية، بحيث يصبح المرء فاقداً للحميّة والغيرة، وهو مذموم؛ لأنّ المرء في هذه الحالة لا تكون عنده أنَفَة أو غيرة على المحارم، ويكون معرَّضاً لاحتمال الذل والصغار.

المستوى الثاني: الإفراط: بحيث تغلب صفة الغضب على المرء فتخرجه عن سياسة العقل والدين، ويصبح المرء يتصرف على غير بصيرة ولا فكر ولا اختيار، وهو غضب مذموم؛ غالباً ما يؤدي بصاحبه إلى الندامة.

المستوى الثالث: الاعتدال: والمقصود به الغضب الذي ينتظر إشارة الدين والعقل، فينبعث حيث تجب الحمية، وينطفئ حيث يحسن الحِلْم، وهو الغضب المحمود.

وقد أدرك علماء تطوير الذات في العصر الحديث تلك الأقسام، واعتبروا عدم الانفعال في وقته كدفاع المرء عن ماله وعرضه وكرامته، يعني: أنّ ذلك المرء يحيى حياة غير سوية.

تقول جيل لندنفيلد: "الغضب شيء خطير، وعدم الغضب وقت اللزوم قد يكون أكثر خطورة".

وتقول آن ولسون سكيف: "إنّ الشخص الذي لا يشعر بالغضب أو الغيظ يضطرم بداخله في لحظة ما، هو شخص ليست لديه مشاعر أو وعي".

ومن هنا يمكن تقسيم الغضب إلى قسمين:

أوّلاً: الغضب المذموم:

وهو الغضب الذي يكون فيه إفراط أو تفريط، وهو الغضب الذي يُخرج المرء عن أدب الشرع والعقل.

وقد ذكر كثير من العلماء: أنّ هذا الغضب هو المنهي عنه في حديث النبيّ (ص): "لا تغضب"، لذلك فإننا نجد أنّ العلماء تكلَّموا كثيراً في ذم هذا النوع من الغضب، فقيل:

1-  اتقوا الغضب، فإنّه يفسد الإيمان كما يفسد الصَّبرُ العسل.

2-  إيّاك والغضب، فإنّه يُسيّرك إلى ذلة الاعتذار.

3-  إنّ الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب.

4-  لا يَثْبت العقل عند الغضب، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم.

5-  الغضب عدو العقل.

6-  من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار.

ثانياً: الغضب المحمود:

وهو الغضب الملتزم بأدب الشرع والعقل.

ومن نماذجه ما سبق ذكره من غضب النبيّ (ص) إذا انتهكت حرمات الله، وغضب الأنبياء المذكور في القرآن الكريم؛ لذلك قيل: "إن كان الغضب للدنيا كان دهاءً ومكراً، وإن كان للآخرة كان حلماً وعلماً".

ويقابل مصطلح "الغضب المذموم" ومصطلح "الغضب المحمود" الذي تحدّث عنه علماء الشريعة ما يسمّى بالغضب الصحي، وغير الصحي، حيث قسَّم علماء النفس وعلماء تطوير الذات الغضب إلى قسمين:

أوّلاً: غضب صحي:

وهو الغضب الذي يظهر في صورة إجراء فعال، فهو طاقة انفعالية موجهة نحو إجراء ما، لتحقيق نتيجة مرجوة أو مرغوبة، وهو عادة يظهر في صورة تصميم وحماس، ووضوح وتركيز، وطاقة دافعة، وثبات على المبدأ، وجَلَد وشجاعة، وعزيمة والتزام، ومثابرة ومرونة.

ثانياً: غضب غير صحي:

وهو الغضب الذي يحوي شعوراً سلبيّاً نحو الآخرين، ويقود إلى العنف وانطلاق اللسان بما لا يليق، والعدوانية، ويؤدي إلى سوء التكيف مع الآخرين، وبالتالي إلى الاضطراب النفسي والنبذ الاجتماعي.

 

المصدر: كتاب لا تغضب!

ارسال التعليق

Top