• ١٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مفاهيم أساسية في القانون العام لحماية البيئة/ 2

مفاهيم أساسية في القانون العام لحماية البيئة/ 2

6- والأحزاب من بعد الدول بالحماية فرحة:
لم يكن من الأحزاب السياسية من ينكر بعضه في الدول الديموقراطية إزاء موضوع حماية البيئة. فقد اتفقت الأحزاب فيما بينها على الحاجة الماسة إلى حماية البيئة على نحو يسمح للإنسان بالاستخدام الأمثل لموارد البيئة، مستودع النعم له، المسخر لخدمته. وفي هذا يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15). وفي آية أخرى يشير إلى حسن استخدام هذه الموارد بقوله: (.. كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) (البقرة/ 60). ويستفاد من الآية أن سوء استخدام موارد البيئة أو حرمان الغير منها يعد خروجاً على المنهج الرباني لاستخلاف الله الإنسان في الأرض. لأنّ أسس الاستخلاف، المحافظة على كل النعم التي أنعم الله بها على عباده. وذلك هو ما تهدف إليه حماية البيئة.
ولا تجد حزباً من الأحزاب يبدي اعتراضاً على موضوع حماية البيئة، وإنما تحرص غالبيتها على الاهتمام بها وإعداد برامج لتوعيد الجماهير في هذا الشأن. ولمن يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوز اهتمام الأحزاب بالبيئة وحمايتها إلى درجة تأسيس بعض الأحزاب على مبادئ ترتبط ارتباطا قوياً بالبيئة وحمايتها. وحسبنا في هذا الصدد "أحزاب الخضر" التي قامت في العديد من الدول على أساس المحافظة على البيئة وسلامة استخدام الإنسان لها. وكانت بداية نشأة هذه الأحزاب في ألمانيا 1980، ومن بعدها اليابان 1983، وفي مصر عام 1990.
وإلى جانب الأحزاب السياسية، وجدت هيئات رسمية لحماية البيئة تنشئها لحكومات، وعلى سبيل المثال ما حدث في فرنسا من إنشاء وزارة لحماية الطبيعة والبيئة للمرة الأولى عام (1971، وفي عام 1978 تغير اسمها إلى وزارة البيئة وإطار الحياة (Ministere de l'environnement et cadre de vie)، وكان الهدف من ذلك التغيير أن تكون الجهة المختصة بالأعمال التي يعزى إليها تلوث البيئة هي ذاتها المختصة بالمحافظة على البيئة. لكن الحزب الاشتراكي عندما وصل إلى الحكم عام 1981 عاد المسمى إلى سيرته الأولى وأطلق عليها "وزارة البيئة"، واستمرت كذلك حتى عام 1986؛ حيث عهد بالبيئة إلى وزير دولة يلحق إما برئيس مجلس الوزراء وإما أحد الوزراء. وفي مصر، أنشئ جهاز شؤون البيئة بالقرار الجمهوري رقم 631 لسنة 1982 يلحق برئاسة مجلس الوزراء، وتكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص بشؤون البيئة وتكون له موازنة مستقلة، ومركزه مدينة القاهرة. وهو يشكل حلقة اتصال بين رئاسة مجلس الوزراء ومختلف الوزارات والجهات في مجال الحفاظ على البيئة، وتنشأ بقرار من الوزير المختص بشؤون البيئة، فروع للجهاز بالمحافظات، وتكون الأولوية للمناطق الصناعية، ثمّ أنشئت بعد ذلك وزارة للبيئة.
وإلى جوار الأحزاب السياسية والأجهزة الحكومية، يقوم الأفراد في أغلب دول العالم بتكوين جمعيات خاصة تعمل بكل جهدها على حماية البيئة والاهتمام بنظافتها من خلال رفع مستوى الوعي البيئي للمواطنين.
وفي إجمال، فإنّ الحفاظ على البيئة مسؤولية الدولة والأفراد معاً لأن فسادها ينعكس على الجميع، حكاماً ومحكومين.

7- مفهوم الحماية:
ورد هذا المفهوم في المادة الأولى فقرة 9 من قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994، حيث عرفت الحماية بأنها "المحافظة على مكونات البيئة والارتقاء بها، ومنع تدهورها أو تلوثها، والإقلال من حدة التلوث وتشمل هذه المكونات الهواء والبحار والمياه الداخلية متضمنة نهر النيل والبحيرات والمياه الجوفية والأراضي والمحميات الطبيعية والموارد الطبيعية الأخرى.
ويفهم من التعرف الذي أوردته المادة السابقة أنّ الحماية تعني: ترشيد استخدام الموارد الطبيعية والحيلولة دون تلوثها والحفاظ على توازنها.
ويتطلب الترشيد، ضرورة إخضاع الموارد الطبيعية لمعايير الاستخدام الأمثل للموارد، لكي نضمن لها بقاءها وتجددها وعدم حرمان الأجيال القادمة منها.
ولا شك في أنّ الوسيلة لتحقيق هذا الترشيد تكمن في تهيئة أنسب الظروف للمحافظة الموارد المتجددة وإطالة أمد استخدام الموارد غير المتجددة، والبحث الدؤوب عن إيجاد بدائل لها.
أما قانون إنشاء الهيئة العامة للبيئة في دولة الكويت رقم 21 لسنة 1995 والمعدل تحت رقم 16/1996 فقد عرفت الحماية بأنها مجموعة من الإجراءات والقواعد التي تكفل منع التلوث أو التخفيف من حدته أو مكافحته.
لقد شاءت حكمة الله عزّ وجلّ أن يجعل من الأرض محور الحياة الإنسانية، فأمدها بجميع ما يحتاج إليه الإنسان من نبات وحيوان، وأدار الحياة على كوكبنا الأرضي في تناسق وتوازن يكاد لا نجد لهما مثيلاً في هذا الكون. ومن ثمّ تجسدت المعجزة الإلهية الكبرى في تجدد الحياة في دورات متتابعة متكاملة مكنت الإنسان من الإفادة من الثروات الطبيعية الهائلة والانتفاع بما في الأرض وتعميرها، تأكيداً للعلاقة بين خلافة الإنسان والبيئة، تلك العلاقة التي أشار إليها رب العزة بقوله: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30)، أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً، قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وهو ما تؤكده آية أخرى يقول فيها المولى عزّ وجلّ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ) (الأنعام/ 165)، فكل جيل أمين على ما استخلف عليه، يحافظ على هذه الأمانة ويسلمها للجيل الذي يليه، أي أنّه يملك البيئة ملكية انتفاع لا رقبة.
ومادام الإنسان مستخلفاً في الأرض فليس له أن يتحكم في عناصر البيئة، مدعياً أن ذلك حقه. لأنّه في الحقيقة يتعسف في استخدام حقه في إطار زماني ومكاني، يتأثر بالبيئة وقومه دون سائر بني جنسه وهو ليس مالكاً لها.
ففي الإطار الزماني، يحتكر البيئة لنفسه ويستمتع بها وقومه لأقصى درجة على نحو يحرم الأجيال القادمة من خيراتها.
وفي الإطار المكاني، يترتب على سوء استخدامه لحقه، حرمان بقية البشرية في الأماكن والبقاع الأخرى، وكلا الإطارين مرفوض امتثالاً لقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (الأعراف/ 24)، وقوله أيضاً: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (الأعراف/ 56).
وبإيجاز فإنّ الحماية تعني: الاستثمار دون إسراف أو استنزاف، وهو ما يستفاد من قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف/ 31).

8- حماية البيئة والقانون:
إنّ الإخلال بتوازن البيئة – الذي هو من فعل الإنسان – يعد عدوانا عليها يتطلب الحماية لها. وتأخذ الحماية في إطار القانون مفهوماً أوسع من المفهوم العام الذي رأيناه من قبل.
ففي ميدان القانون – الذي ينظم سلوك الإنسان – تتمثل الحماية في الحيلولة دون التلوث وذلك بمنع مسبباته، وحصر ما هو قائم منه في أضيق نطاق تمهيداً للتخلص منه كلما كان ذلك ممكناً.
ويفهم من ذلك أنّ الحماية القانونية للبيئة تتطلب أحد أمرين: إما منع أسباب التلوث، وإما مكافحة الأسباب القائمة، من أجل إعادة التوازن البيئي، والقضاء على آثارها.
والواقع أنّ الحماية القانونية للبيئة تتسم بالحداثة، إذ لم يدرك الفكر القانوني مدى الحاجة إلى تنظيم قانون لحماية البيئة إلا في وقت متأخر أو حديث نسبياً، حيث بات واضحاً أن أي اعتداء على البيئة يؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية، ويشكل في الوقت ذاته اعتداء مباشراً على المجتمع، ومن ثمّ يعد اعتداء مباشراً كذلك على الفرد.
وربّما يعود السبب في تأخر الاهتمام القانوني بالبيئة إلى أنّ الاهتمامات الأولى بالبيئة وحمايتها من التلوث، جاءت من مجال العلوم الطبيعية. علاوة على صعوبة تحديد نطاق الحماية التي ترتد بدورها إلى صعوبة تحديد ماهية البيئة. ومع محاولة الإنسان السيطرة على البيئة التي يعيش فيها، بوسائل مختلفة لا يمكن قبولها، كان طبيعياً أن يثير سلوكه ردود فعل عنيفة ضد ما يفعله بالبيئة، وهو ما أدى إلى يقظة رجال القانون واستشعارهم ضرورة تدخلهم لتنظيم هذا السلوك.
ولا ريب في أنّ الحماية القانونية للبيئة تفرض نفسها على رجال القانون اعتماداً على مسلمة رئيسية هي، أنّ القانون – بقواعده الملزمة والمنظمة لسلوك الإنسان – يجب أن يواكب ما يطرأ على المجتمع من تطور، ويلبي ما يستجد في الدولة من حاجات. ويراعى في هذا الشأن، أنّ القانون لا يجرم سلوكاً معيناً من أجل الحفاظ على البيئة إلا بعد التأكد علمياً من ضرر هذا السلوك وتلويثه للبيئة، من خلال الأبحاث المتعددة التي يصل إليها العلماء كل في مجاله. وبناء على هذه الأبحاث تتدخل الدولة بوضع القوانين واللوائح التنظيمية التي تحدد شروط مزاولة أي نشاط يمكن أن يترتب عليه إضرار بالبيئة. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنّ العديد من الدول الصناعية، ومنها فرنسا، قد جمعت شتات هذه القوانين المتفرقة في مجموعة واحدة يطلق عليها مسمى قانون البيئة Code d'environnement.
ويمكن تعريف قانون البيئة بأنّه ذلك الفرع من فروع القانون الذي يسعى إلى إيقاف كل مسلك إنساني، أو الحد منه، إذا كان من شأنه أن يؤثر في العوامل الطبيعية التي ورثها الإنسان على الأرض.
وبالنظر إلى هذا التعريف نلحظ أنّه نفتقر إلى الدقة والشمول، ومع ذلك فهو مازال في مرحلة الميلاد ولم يكتمل تطوره بعد، وقابل للتعديل والتغيير على ضوء فعالية القانون في حماية البيئة.
كما نلحظ من جانب آخر أنّ هذا التعريف أفاد كثيراً في تحديد موضوعات قانون البيئة، وهي ردع كل سلوك بشري من شأنه الإضرار بصحة المواطنين نتيجة لتلوث البيئة المحيطة بهم.
ومن ثمّ نستطيع أن نعرف البيئة محل الحماية القانونية بأنّها "الوسط الذي يتصل بحياة الإنسان وصحته في المجتمع سواء كان من صنع الطبيعة أو من صنع الإنسان".
وإذا كانت البيئة قد حظيت باهتمام بعض فروع القانون، الخارجي والداخلي، كالقانون الدولي والجنائي والإداري إلا أن أكثر هذه القوانين فعالية، من حيث حماية البيئة في المجال الداخلي، هو القانون الإداري.

9- الحماية الإدارية للبيئة "نحو قانون إداري بيئي":
على المستوى القومي، تعمل السلطات العامة في أغلب دول العالم على مكافحة تلوث البيئة في أقاليمها بطرق مختلفة. وقد تبين لهذه السلطات أنّ الحاجة ملحة لوضع قواعد قانونية أو نظامية تضبط سلوك الإنسان في تعامله مع بيئته على نحو يحفظ عليها توازنها الإيكولوجي.
ويقال هنا في مجال الحماية الإدارية للبيئة: إنّ القواعد القانونية لا تخاطب ولا تضبط إلا أعمال التلوث الناشئة عن تدخل الإنسان فقط، أي لا تخاطب سوء السلوك الإنساني الخارجي.
ومع التسليم الكامل بضرورة الحاجة إلى وضع تشريعات تحمي البيئة، فإنّه يجب أن يقر في الأذهان، أنّ التشريعات والقوانين التي تصدر عن الدولة لهذا الغرض، مهما كانت متكاملة وتُتوخى فيها الدقة في تنظيم وضع قانوني معين، لن تكون لها أي فعالية أو أثر واضح إذا لم تطبق في العمل بصورة دقيقة وشاملة.
والسلطة العامة – كأداة تنفيذية للقوانين واللوائح – هي التي تضطلع بهذا العبء من خلال أجهزتها المختلفة وما تتمتع به من امتيازات. ومعروف أنّ القانون الإداري هو قانون السلطة العامة. هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، نؤكد أن تشريعات حماية البيئة تعمل على تحقيق الانسجام بين الإنسان والكائنات التي تعيش معه باستمرار في البيئة ذاتها، من أجل احتفاظ الإنسان بصحة جيِّدة.
وقد فطنت الحكومات إلى ضرورة الاهتمام بصحة الإنسان على أساس أنّه الخلية الأولى لحماية البيئة واستقرارها، ولذلك وجد في العالم ثورة صحية هائلة، تسعى إلى كفالة مستوى صحي ملائم لحياة الشعوب، ومن المعروف أنّ المحافظة على الصحة العامة هي أحد أهداف النظام العام الذي خول السلطة العامة نظرية الضبط الإداري. وهذه أيضاً تحتل جزءاً مهماً من القانون الإداري، ومن ثمّ يمكن القول بوجود قانون إداري بيئي.
ومن ناحية ثالثة، لا مراء في أن تشريعات حماية البيئة تنتهي جميعها إلى هدف رئيسي يتمثل في حماية المصلحة العامة والفردية في آن واحد (حماية البيئة). الأمر الذي يعني أن حماية البيئة ليست حقاً للإنسان فحسب، وإنما هي واجب على الدولة. ويقتضي القيام بهذا الواجب أن تقوم الدولة بتهيئة النظام الأمثل لتحقيقه، من جانبها ومن جانب الفرد كذلك.
ويمكن للدولة في هذا المجال الاستعانة بتشريعات الضبط الإداري وهي تشريعات ذات طبيعة وقائية. ومن أجل كفالة فعالية هذه التشريعات في تنظيم السلوك، يمكن تدعيمها بجزاءات جنائية تفرض احترامها على الجميع. ويكون توقيع هذه الجزاءات لاحقاً لارتكاب الأفعال التي تشكل فساداً للبيئة. ولما كانت الوقاية خير من العلاج، كما يقول أهل الطب، فإنّ القانون الإداري، يعمل على منع وقوع الفعال التي تهدد البيئة قبل وقوعها. وإذا استعان بالعقوبة الجنائية، فإنما يكون ذلك على سبيل التخويف والردع.
ويقتضي حسن السياسة التشريعية الإقلال من العقاب الجنائي والاستعاضة عنه بالعقاب الإداري، تخفيفاً للعبء على المحاكم وتسهيلاً على الأفراد، بتفادي الخضوع للإجراءات الجنائية الصارمة.
والغرض الرئيسي من تدعيم تشريعات الضبط بجزاءات جنائية هو تحقيق الردع الخاص والعام في الوقت ذاته، ليخرج المواطن من الدور السلبي الذي يجعل منه (شاهدا) ليؤدي دوراً إيجابياً في الحفاظ على المصلحة العامة من خلال حماية البيئة. والقانون الإداري غايته تحقيق المصلحة العامة للمواطنين، وبذلك يكون جديراً بأن نطلق عليه في إطار هذا الهدف: القانون الإداري البيئي.
مما سبق، يبدو جلياً أنّ العلاقة وطيدة بين أهداف الضبط الإداري وحماية البيئة من التلوث، وهو ما يعني توفير الحماية الإدارية للبيئة.

10- كيفية الحماية الإدارية للبيئة:
لقد كان لموضوع حماية البيئة قصب السبق في تحقيق المعادلة الصعبة، ألا وهي التوفيق التام بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي، كأحد جوانب الدراسات الإنسانية؛ إذ بفضلها أصبح علم الأشياء والأحداث الطبيعية جزءاً لا يتجزأ من علم القانون الذي ينظم سلوك الإنسان في التعامل مع البيئة، آخذاً في حسبانه اتزانها ومحدودية مواردها حتى تبقى أرضاً كفاتاً له ولغيره. وتستلزم حماية البيئة – بصفة عامة – الاعتماد على ثلاث وسائل رئيسية لا غنى عنها هي:
1- إعداد الفنيين الأكفاء في مجال علوم البيئة، والاستعانة بأفكارهم في مجالي التخطيط والتنفيذ للعمل على حماية البيئة ووقايتها من الفساد.
2- تنمية الوعي البيئي، الذي يعتمد على الإدراك الحسي للمواطن بأهمية حماية البيئة من التلوث وصيانة مواردها الطبيعية. وتعد التربية البيئية هي أساس تكوين وتشكيل الوعي البيئي للأفراد. ويهدف هذا الوعي إلى أن يكون أفراد المجتمع واعين بالقضايا البيئية والمشكلات المصاحبة لها، وأن يعمل كل فرد على حدة، أو بالتعاون مع أفراد المجتمع على تلافي مشكلات التلوث.
3- سن القوانين اللازمة لحماية البيئة من أي عدوان يقع على مكوناتها وعناصرها. وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن أكثر القوانين فعالية في حماية البيئة هي تلك التي تقي من التلوث وتمنع حدوث أسبابه. وهذه النوعية من القوانين هي التي تنسق وتنسجم تماماً مع المفهوم القانوني للحماية الذي يعتمد على أسلوبين رئيسيين هما:
1- منع أسباب التلوث.
2- مقاومة الأسباب الموجودة، من أجل إعادة التوازن للبيئة.

11- مفهوم الضبط الإداري:
عرّف بعض الفقه الضبط الإداري بأنّه: مجموع ما تفرضه السلطة العامة من أوامر ونواه وتوجيهات ملزمة للأفراد بغرض تنظيم حرياتهم العامة، أو بمناسبة ممارستهم لنشاط معين بهدف المحافظة على النظام العام في المجتمع، وتتخذ قرارات الضبط الإداري وإجراءاته المختلفة شكل القرارات التنظيمية العامة أو القرارات الفردية، وفي بعض الأحيان تتخذ شكل إجراءات التنفيذ الجبري، وتؤدي هذه الأشكال جميعاً إلى تقييد الحريات الفردية.
ورأى البعض الآخر أنّ الضبط الإداري له معنيان، أحدهما عضوي والآخر مادي. في المعنى العضوي، يقصد بالضبط الإداري، الهيئات الإدارية المنوط بها القيام بالمحافظة على النظام، ويطلق على الضبط بهذا المعنى اصطلاح الشرطة. وقد تضمن دستور جمهورية مصر العربية، الصادر في عام 1971، إشارة إلى هذا فنص على أن "الشرطة هيئة مدنية نظامية رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية".
وفي المعنى المادي يعرف الضبط الإداري بأنّه مجموع الأنشطة التي تباشرها الإدارة بإرادتها المنفردة بقصد المحافظة على النظام العام.
ودون سرد للعديد من التعريفات وأوجه النقد التي تؤخذ على كل منها، فإننا نميل إلى تعريف الضبط الإداري بالجمع بين المعنيين العضوي والمادي، بالإضافة إلى الطبيعة الغائية للضبط ونعرفه بأنّه: نشاط الإدارة الوقائي الذي يهدف إلى المحافظة على النظام العام L'ordre Public وتباشره الإدارة عن طريق الأوامر والقرارات والإجراءات التي تتخذها. وبهذا يختلف الضبط الإداري عن الضبط القانوني من جهة، وعن الضبط القضائي من جهة أخرى.

12- الضبط الإداري والضبط القضائي:
يهدف الضبط الإداري إلى منع الاضطراب أو الإخلال بالنظام العام قبل وقوعه، باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعه، أي أن مهمته وقائية. أما الضبط القضائي، فيهدف في المقام الأوّل والأخير إلى البحث عن مرتكبي الجرائم بعد وقوعها وإثبات معالم الجريمة وجمع الاستدلالات اللازمة لتحقيق، تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة وتوقيع العقوبات عليهم. وإذا كانت مهمة الضبط الإداري وقائية، فإن مهمة الضبط القضائي علاجية. أي علاج آثار الجريمة وردع من اقترفها، وبعبارة أخرى فإنّ الضبط الإداري سابق والضبط القضائي لاحق. وترتد أهمية التفرقة بين الضبط الإداري والقضائي إلى اختلاف النظام القانوني لكل منهما، فالإداري جزء من القانون الإداري، والقضائي يخضع لقانون الإجراءات الجنائية.
ولا يعني هذا الاختلاف، الفصل المطلق بين نوعي الضبط، فقد يمارس الموظف في بعض الأوقات الضبطين معاً، مثل مأمور أو القسم، فإنّه يملك بالإضافة إلى سلطة الضبطية الإدارية سلطة الضبطية القضائية، بالبحث عن مرتكبي الجرائم والتحفظ على معالمها.

13- أهداف الضبط الإداري العام:
وظيفة الضبط إلى المجتمع هي حماية النظام العام، وقد نشأت فكرة النظام العام كفكرة لصيقة بالمجتمع، وتعتبر أساسا لتدخل سلطة الضبط لوقاية المجتمع وتحقيق أمنه وسكينته، فهي تمثل السند الأساسي لتلبية حاجات المجتمع للاستقرار والسلام. ومن العسير وضع تعريف جامع مانع لفكرة النظام العام، لأنّها تختلف من دولة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر تبعاً لفلسفة النظام السياسي السائد. وتنحصر أهداف الضبط الإداري العام في إقرار النظام العام في الدولة وصيانته وإعادته إلى الحالة الطبيعية إذا اضطرب أو اختل. ويشتمل النظام العام على ثلاثة عناصر رئيسية هي ذاتها أهداف الضبط العام وهي:
أوّلاً: الأمن العام La Securite Publique
يتحقق الأمن العام بالعمل على إشاعة الطمأنينة بين الأفراد على أنفسهم وأموالهم من خطر الاعتداءات التي يمكن أن تقع عليهم في الطرق والأماكن العامة، وكذلك باتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع وقوع الحوادث التي تضر بهم، سواء كانت ناجمة عن فعل الإنسان كجرائم القتل والسرقة أو عن الأشياء كالمنازل الآيلة للسقوط، وكذلك اتخاذ الإجراءات الاحتياطية ضد مخاطر الحريق والفيضان والكوارث الطبيعية بوجه عام.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يتعين على سلطات الضبط اتخاذ مجموعة من الإجراءات مثل: تنظيم المرور في الشوارع لمنع حوادث السيارات، وتنظيم دوريات لضبط مخالفات المرور. ولسلطة الضبط الإداري في تنظيم المرور La circulation أن تفرض حدوداً قصوى لسرعة سير السيارات على الطريق، العام وفي سبيل ذلك تضع حدوداً لسرعة السيارات الملاكي والأجرة والنقل وغيرها في خلال ساعة زمنية. وتضع في بعض الأماكن راداراً لمراقبة السيارات المخالفة لحدود السرعة على الطريق العام، ولهذه السلطة أيضاً أن تضع حدوداً قصوى لمحمولة السيارات حماية للطريق. وفي سبيل ذلك يوجد ميزان على الطريق لمراقبة مدى اتفاق أو مخالفة حمولة سيارات النقل للحدود التي تضعها سلطة الضبط الإداري.
ثانياً: السكينة العامة La Tranquilite publique
ويقصد بها المحافظة على حالة الهدوء والسكون في الطريق والأماكن العامة، باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على السكينة بمنع الضوضاء ومكبرات الصوت، إذا تجاوزت حدودها وبلغت حد الإزعاج، خصوصاً في أوقات الراحة. ومحاربة الضوضاء الصادرة من المحال المقلقة للراحة وأبواق السيارات، خصوصاً في وقت الليل، حيث يهجع الناس للراحة، وما يكدر عليهم صفو ليلهم أن يطلق شاب بوق سيارته بصوت عال للمناداة على صديق له أو إبلاغ أسرته بوصوله. ومما يثير العجب، خصوصاً في بعض الأماكن الشعبية والقرى في مصر، استخدام سيارة محملة بميكروفون فوقها والتجول في الشوارع، وفي ساعات متأخرة من الليل للإبلاغ عن وفاة أحد الأشخاص أو فقد الأطفال، ولا يخفى ما يفوق ذلك من أصوات الباعة الجائلين الذين ينادون على بضائعهم باستخدام مكبرات صوت دون مراعاة لراحة مريض أو هدوء ينشده طالب يستذكر دروسه، ويساهم في الإزعاج والمضايقات سرادقات الأفراح والعزاء واستمرارها لوقت متأخر من الليل؛ مما يقلق راحة المواطنين. ويدخل في حماية السكينة العامة حماية المواطنين من إلحاح المتسولين والباعة في المواصلات العامة، وأخيراً الأصوات المنبعثة من الراديو والتلفزيون.
وتتدخل سلطة الضبط الإداري لحماية هذا العنصر من عناصر النظام العام مستخدمة في ذلك وسائل الضبط الإداري أو إحداها.
ثالثاً: الصحة العامة La Salubrite Publique
ويقصد بها حماية صحة المواطنين من الأمراض والأوبئة التي تهددها، وذلك باتخاذ الإجراءات الضرورية الواقية من انتشار المرض والوباء، من خلال مراقبة الأغذية والمياه، واتخاذ الحيطة من كل ما من شأنه المساس أو حتى مجرد احتمال المساس بالصحة العامة، ولعل الحملة التي تقودها وزارة الصحة ضد مافيا اللحوم المستوردة في مصر خير شاهد على حماية الصحة العامة، ويبقى أن تقوم سلطات الضبط الإداري بالضرب بيد من حديد على أيدي أولئك المتاجرين بصحة المواطنين. ومن أجل الغرض ذاته، أيضاً، تقود وزارة التموين حملتها – كذلك – ضد الغش التجاري والأغذية الفاسدة التي تضر بصحة المواطنين، ومن مظاهر المحافظة على الصحة العامة – كهدف للضبط الإداري – تنقية مياه الشرب من الجراثيم والشوائب، والاهتمام بالصرف الصحي ومراقبة مخازن المواد الغذائية ومحلات بيعها، كالتفتيش على المطاعم وأفران الخبز ومحلات الحلوى ومحال الجزارة ومحال بيع الألبان ومنتجاتها، وغير ذلك من المواد الغذائية التي تحتاج إلى درجة عالية من النظافة والعناية، حماية للصحة العامة.
وأخيراً، فإنّ تدابير الوقاية من الأمراض المعدية كالتطعيم الإجباري والعزل وتجهيز المستشفيات والعيادات كلها مظاهر للمحافظة على الصحة العامة التي هي أحد عناصر النظام العادي الذي يهدف الضبط الإداري العام إلى حمايته.

المصدر: مجلة عالم الفكر/ العدد 3 مجلد 32 لسنة 2004م

ارسال التعليق

Top