• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

البلاء موكل بالمنطق

البلاء موكل بالمنطق
◄اللسان ترجمان للجنان، والكلمات إفشاء للنيات، وأهل الإيمان يحرصون على مواقع اللفظ، ونتائج اللسان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) (الأحزاب/ 70)، ولهم كلمات شرعية يفزعون إليها وقت الحاجة، فإن وقعت كارثة، وحلّت مصيبة، وجثمت نكبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وإن خوّفوا بمخوف، وأزعجوا بنبأ نادوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وإن عجزوا عن حمل، وضعفوا عن عمل هتفوا: لا حول ولا قوة إلا بالله. وأهل الشك والنفاق لهم كلمات سخيفة سخف مشاعرهم، متهالكة تهالك مبادئهم، منها قولهم: (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) (آل عمران/ 156). وقولهم: (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) (آل عمران/ 168)، وقولهم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا) (الأحزاب/ 12). إلى آخر تلك القائمة اللاغية من التهريج الضال. وسلامة المنطق من سداد الرأي، وحسن اللفظ من كمال العقل، واصطفاء الكلام من نور البصيرة. لما طلب أبناء يعقوب (ع) منه السماح بيوسف ليصحبهم خاف عليه منهم، وإلا فما أجدر التوكل على الله، وأجلّ الاعتماد عليه، وهو عند يعقوب، لكنه حب الولد فقال لهم: (أَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) (يوسف/ 13)، ففتح لهم عذراً، وسن لهم حيلة، فجاؤوا وقالوا: (أْكُلَهُ الذِّئْبُ)، ويوسف (ع) لما دُعِي للمنكر (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (يوسف/ 33). قال بعض أهل العلم: بل العفو والعافية أحب من السجن، فسجن يوسف. وفي غياهب السجن، وكربة الحبس، قال لصاحبه الخارج من السجن: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) (يوسف/ 42)، أي عند الملك. الله عزّ وجلّ أقرب مذكور، فكان الجواب: (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (يوسف/ 42). وفرعون العاثي نادى: (هَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (الزخرف/ 51)، فكان الجزاء أن أجراها الله من فوق رأسه غريقاً مدحوراً. وأحد المنافقين المردة أنطقه نفاقه فقال: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (التوبة/ 87)، فأتى الإذن: (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (التوبة/ 49). فالبلاء موكل بالمنطق، الحيطة في اللفظة واجبة وجوب الحذر في الفعل، والاهتمام بالحديث لازم لزوم الاعتناء بالعمل، لأنّ القلوب قدور تغلي مغاريفها الألسنة. وفي كتاب بزرجمهر: أن صياداً بحث عن حمامة في غابة، فلما يئس وهمَّ بالانصراف، صاحت وقالت: ليس هناك حمامة. فصادها. وكثير من الرؤوس ما سقطت من على كواهلها إلا بكلمات. وكم من دماغ طش به لأنّ صاحبه قال جملة غير مفيدة، وكم من عنق بتر لأنّ لسان صاحبه لحن لحناً فاحشاً لا يصلحه الخليل ولا سيبويه. وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18). واللسان ظالم يستحق الحبس قبل الذنب. المصدر: كتاب حدائق ذات بهجة

ارسال التعليق

Top