◄الحمد لله الذي ربط قلوب عباده برباط المودّة والإخاء وجعل من أسباب غفرانه ذنوبهم حُسن تعاملهم عند كلّ لقاء، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه الأطهار وبعد..
فقد نهى الإسلام المسلم أن يحمل في قلبه حقداً أو ضغينةً أو كراهيةً تجاه أحدٍ من إخوانه المؤمنين، وأمَرَهُ أن يكنّ لهم في صدره كلّ محبةٍ وشفقةٍ واحترام، وأن يسعى في جَلْبِ ما لهم فيه خير ونفع، وأن يباعد عنهم ما فيه شرّ وضرّ..
ومما نهى عنه الإسلام، في هذا الشأن، التباغُض. قال رسول الله (ص): "ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عبادَ الله إخواناً".
ففي هذا الجزء من الحديث النبوي الشريف نهى عن فعلين قَبيحَين، وأمر بفعل طيِّب كريم:
فالنهيُّ الأوّل عن التباغض وهو أن يبغضَ كلٌّ من الصاحبَين صاحبه.
والبغض عملٌ قلبيٌّ ينفرُ بموجبه إنسانٌ من آخر فيكره لقاءه، والتعامل معه. وهو إن بقي في إطاره الوجداني اقتصرَ خطرُهُ على صاحبه، وإن أعربَ عنه بصورةٍ عملية بأفعال تحمل حقداً وكراهيةً تنبّه الآخر إلى ما يُكادُ له، فيبادل الكراهية بمثلها والكيدَ بمثله، فيَقَعُ الشرُّ، ويقوى وينتشر.
والبغض غالباً تكون له أسباب ودواعي بعضها مذمومٌ وبعضها مقبول؛ فأما المقبول فما كان لله تعالى. فمن ارتكب معصيةً لله تعالى ينبغي أن يُبغَض فعله، ولا يجوز أن نرضى بذلك ونُسَرَّ لأنّه سرورٌ بمعصية الله تعالى. وبُغْضُ فاعل المعصية تبعٌ لبُغض المعصية نفسها، مرتبطٌ بها وجوداً وعدماً؛ فإذا تاب منها وأقلع عادت محبّته كسائر أفراد المسلمين.
وأما غيرُ المقبول فما كان لغير الله تعالى – سواء كان لحظِّ النفس أو لحظّ الغير – فهذا مما لا ينبغي أن يكون ويأثم الإنسان عليه إن فعله.
ولا شك أنّ للمودة أسبابها وللبغضاء كذلك أسباب. وكما نهى الإسلام المسلم أن يبغض غيرَهُ، كذلك نهى هذا الغير أن يعمل ما من شأنه أن يحمل الآخرين على بَغضه؛ فتصرفاتُهُ غير الملائمة تنفِّر الناس منه لتحملهم آخر الأمر على مقاطعته وكراهيته.
ومن هنا اعتبر فريقٌ من الفقهاء النهي عن التباغض يَنصَبُّ رأساً على النهي عن مباشرة الأسباب التي تؤدي للبغضاء بين الناس.
والنهي الثاني عن التدابر وهو أن يديرَ المرءُ ظهره كيلا يراه ولا يحادثه والنهي لا يقتصر على إدارة الظهر وحدَهُ؛ وإنما يعمُّ كلّ فعلٍ يؤدي إلى القطيعة والهجر، ولو كان ترك السلام عليه عند المرور به. والتدابر يزيد في التباغض، ويُعينُ على القطيعة؛ لأنّه يؤجّجُ نيران العداوة، ويُحرِّك الشر في مكامن النفوس لأنّه إغراءٌ بالشر وتحريضٌ عليه ومباشرةٌ له.
وينبغي الإشارة إلى نقطة أنّه إذا كان الافتراقُ من أجل تهدئة الخواطر، ومحاسبة النفوس، وتسكين الغضب؛ فلا بأس به أذِنَ به رسول الله (ص) إلى ثلاثة أيام. فإن زاد صار الاختلاء سبباً للقطيعة والتدابر فهو سلاحٌ ذو حدّين إذا أُخِذَ بمقدارٍ أفاد، وإذا أُكثِرَ منه أضرّ وأفسد.
ومهما كان من مبررات للتباغض إلّا أنّه لا ينبغي أن يحملَ صاحبَهُ على ما لا يُرضي الله عزّ وجلّ. ومن هنا كان توجيهُ رسول الله (ص) في الأمر التالي:
الأمر بالفعل الطيِّبِ الكريم في العبارة النبوية الراشدة "وكونوا عباد الله إخوانا" حيث يُفهم من هذه العبارة النبوية أمران:
- الأوّل: الأمر بأن يكونوا عباد الله؛ وهذا يعني أن يكون المرء مؤمناً بالله تعالى، موحِّداً له، مُطيعاً لأوامره ومجتنباً لنواهيه، محقِّقاً في نفسه معاني العبودية لله عزّ وجلّ.
- الأمر الثاني: بالتآخي فيما بيننا بحيث يكون المسلمون فيما بينهم أخوة كأخوة النسب في الشفقة، والرحمة، والمحبة، والمواساة، والمعاونة والنصيحة.
ويصير الناس أخوةً فيما بينهم إذا اجتنبوا في تعاملهم كلّ ما يسبب العداوة والكراهية في النفوس؛ مثل الظنّ، والتجسس، والحسد، والتباغض، والتدابر وغيرها.
وكم هو سعيدٌ ذاك المجتمع الذي يشعر كلّ فردٍ فيه أنّ الناس جميعاً يُكِنّون له كلّ حبٍّ، وعطف، وتقدير، واحترام. يعاملونه كأخٍ لهم، يبذلون له ما يبذلون لشقيقهم، ويصونونهُ مما يَصونون منه أخاهم..►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق