ففي السحور بركة كما أكد الرسول (ص)، من حيث كونه يعين المسلم على الصيام، وعلى إتقان عمله وهو صائم، وبركته الكبرى في الأجر والثواب، لأنّه طاعة لله ولرسوله. قال (ص): "تسحروا فإنّ في السحور بركة".
فمن بركات السحور: 1- التقوّى على العبادة في أثناء النهار، من صلاة، وصيام، وتلاوة، وذكر. 2- مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، فالمتسحر طيب النفس، حسن المعاملة، قوي الوعي، وقد كان من فقهاء المسلمين مَن لا يُفتي في المسائل الفقهية إن كان جائعاً. 3- السحور سبب في تحصيل الخير، فعندما يستيقظ المسلم للسحور يقوم الليل، ويذكر ربه، ويدعوه ويستغفره. 4- في السحور إتباعٌ لسنة النبي (ص) ومن ثمّ فهو سبب لنيل الثواب والأجر. 5- يعين السحور على الإلتزام بصلاة الفجر في وقتها وفي جماعة، ولذا فإنّ المسلمين الذين يحافظون على صلاة الفجرفي شهر رمضان أكثر منهم في غير رمضان.
6- فيه مخالفة لأهل الكتاب، والمسلم مأمور بأن يخالفهم.
- ثانياً: تحري بركة ليلة القدر وخيرها: فقد وصفها القرآن الكريم بأنّها ليلة مباركة، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان/ 3)، والمقصود بالليلة المباركة هنا: ليلة القدر. فهذه الليلة خير من ألف شهر، كما أوضح الله عزّوجلّ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر/ 1-5).
أجل.. إنها ليلة كثيرة البركات، وبوركت سلفاً، إذ نزل فيها القرآن الكريم الكتاب المبارك، وتتنزل فيها الملائكة، وبوركت بالسلام، وبوركت بأنّها خير من العمر كله.
- ثالثاً: شرب ماء زمزم: فقد إرتبط شهر رمضان بكثير من الطاعات، ففيه تُشد الرحال إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، وتلك فرصة ثمينة للمعتمرين، فهنيئاً لمن اعتمر وشرب من ماء زمزم وإغتسل، ومن كرم المعتمر أن يُهدي أقاربه وأحبابه من ماء زمزم حتى تعم البركة، فقد وصفها رسول الله (ص) بقوله: "إنّها مباركة، إنّها طعامُ طُعم".
وظاهر الأدلة – إن شاء الله – أنّه هذه البركة عامة لكل ماء زمزم، سواء الموجود منه في مكة، أم المحمول من مكة إلى غيرها من البلدان، ولذلك رأى العلماء مشروعية نقل ماء زمزم خارج مكة، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله.
- رابعاً: الإكثار من شكر الله: فالبركة تعني النماء والزيادة، وقد أخبر الله عزّوجلّ أن عباده إذا شكروا زادهم. قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7). يقول الإمام ابن القيم: "الشكر هو نصف الإيمان"، فالإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبر، وقد أمر الله به – أي بالشكر – ونهى عن ضده، وأثنى على أهله بأحسن الجزاء، وجعله سبباً للمزيد من فضله، وحارساً وحافظاً لنعمه، وأخبر أن أهله المنتفعون بآياته، واشتق لهم اسماً من أسمائه، فإنّه سبحانه هو الشكور، وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره، بل يعيد الشاكر مشكوراً، وهو غاية الرب من عبده، وأهله هم القليل من عباده، قال تعالى: (وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (النحل/ 114)، (.. وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152)، وقال عن نوح (ع)، (إنّه كَانَ عَبْداً شَكُورا) (الإسراء/ 3)، وقال تعالى عن خليله إبراهيم (ع): (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل/ 120-121). فمن أراد البركة – أي الزيادة والنماء – فليشكر الله، فمن شكر الله على سعة الرزق زاده الله رزقاً، ومن شكره الله على توفيقه لطاعة ربه زاده الله طاعة. أمّا من كفر بنعمة الله ولم يشكره سُلبت منه النعمة، وفي النهاية سيكون مصيره مؤلماً كما قال عزّوجلّ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم/ 28-29). وقد يظن كثير من الناس أنّ الشكر يقتصر على كلمات يرددها اللسان، ومثل هؤلاء لا يفقهون معنى الشكر ومقامه.. فما معنى الشكر اللازم الجالب للبركة؟ الشكر الحقيقي اللازم هو الإعتراف بالنعمة والقيام بحقها، فمن أراد أن يشكر ربه على نعمة البصر مثلاً فلابدّ من أن يعترف بأن بصره نعمة من الله، وبالإضافة إلى ذلك لابدّ أن يغضّ بصره، ولا يستخدمه في معصية الله، بل يسخره في طاعة الله عزّوجلّ وفي سبيله، لذا فقد أخبر الله تعالى أن أكثر عباده غير شاكرين، وإنّ قليلاً فقط هم الشاكرون قال تعالى: (وقَلِيلٌ من عباديَ الشّكُورُ) (سبأ/ 13). فليكن لسانُ حالك ومقالك – أخي القارئ الحبيب – شاكراً، على نهج نبي الله سليمان (ع)، كما أخبر القرآن الكريم على لسانه: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل/ 40).
هذا هو منهج الشكر الذي يُحصل به البركة، حيث فيه إقرار وإعتراف بالنعمة وإسنادها إلى المنعم سبحانه وتعالى، وفيه – أيضاً – شكر يتجسد في القيام بحق هذه النعمة، والحفاظ عليها.
- خامساً: الإكثار من الإستغفار: فالإستغفار سبب عظيم من أسباب البركة، إذ به تُغفر الذنوب، وبه يرسل الله سبحانه الغيث والمطر، وبه يُرزق المستغفرون بالأموال والبنين، وبه يُرزقون بالبساتين والضيعات. ويروى عن الحسن البصري أن رجلاً شكا إليه الجُدُوبة – وهي ضد الخصوبة – فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله، فلما سئل عن ذلك قال: ما قلت من عندي شيء، إنّ الله تعالى يقول في سورة نوح (ع)، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح/ 10-12). وأعرف صديقاً ظل سنين عدداً لا ينجب، وطرق أبواب عيادات الأطباء شرقاً وغرباً دون جدوى، فنصحه أحد الدعاة بالإكثار من الإستغفار، فما لبث شهراً بعد الإستغفار إلا وحملت زوجته. وقد فسر العلماء ذلك بأنّ ما يصيب العبد من عقوبات ومصائب قد تكون بسبب ذنوبه، لقوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى/ 30). وجاء في الحديث: "لا تصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر". ولقد ذهب العلماء إلى أنّ هذه الذنوب يمحوها الله تعالى – بإذنه – بالإستغفار. فقوام الدين بالتوحيد والإستغفار، ولهذا كان سيد ولد آدم وإمام المتقين محمّد (ص) يستغفر في جميع الأحوال.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق