المتأمل لحال كثير من الصائمين يرى أنّهم يخالفون سنة الرسول (ص) عند إفطارهم، فلقد كان يقتصر إفطاره على بضع تمرات وجرعة من الماء، يقوم بعدها إلى الصلاة حتى إذا انتهى من الصلاة تناول طعاماً خفيفاً يسد جوعه ويؤمن حاجة جسمه من الغذاء، دون شعور بالتخمة أو بالامتلاء ومن ثمّ الكسل.
ولقد أثبت الطب الحديث صحة سنة الرسول الأعظم في الصيام والإفطار، فالصائم يستنفد في نهاره عادة معظم وقود جسمه، أي يستنفد الوقود المختزن في خلايا الجسم، وهبوط نسبة السكر في الدم عن حده المعتاد هو الذي يسبب ما يشعر به الصائم من ضعف وجوع في نهاية يومه، ولذا كان من الضروري أن نمد أجسامنا بمقدار وافر من السكر في وجبة الإفطار، لا أن نمدها بكميات كبيرة من المواد الدهنية والنشوية، الصائم المتراخي في أواخر يوم صومه، تعود إليه قواه سريعاً، ويدب النشاط إلى جسمه في أقل من ساعة إذا اقتصر في إفطاره على المواد الضرورية ببضع تمرات مع كأس ماء أو كأس من اللبن، وبعد فترة وجيزة، يرجع الصائم إلى تناول غذائه المعتاد ولهذا النمط من الإفطار ثلاث فوائد:
· الأولى: أنّ المعدة لا ترهق بما يقدِّم إليها من غذاء دسم وفير بعد أن كانت نائمة طيلة ساعات النهار الطويلة، بل تبدأ عملها بالتدريج في التمر سهل الامتصاص، ثمّ بعد نصف ساعة يقدّم إليها الإفطار المعتاد.
· والثانية: أن تناول التمر أوّلاً، يحدّ من جشع الصائم الجائع، فلا يقبل على المائدة ليلتهم ما عليها بعجلة دون مضغ كامل أو تذوق.
· والثالثة: أنّ المعدة تستطيع هضم المواد السكرية في التمر خلال نصف ساعة، فإذا بالدم يمتلئ بالوقود السكري الذي يجوب أنحاء الجسم ويبعث خلاياه على النشاط، فيزول الإحساس بالدوخة والتعب السريع.
أما إذا أقبل الصائم الجائع على المائدة – كما هو شائع – يلتهم الزفر (من مرق وسمن) ويعقبها بأنواع الحلوى والفاكهة، ثمّ يردفها بكوب أو اثنين أو حتى ثلاثة من الماء، والذي يزيد العصارة المعدية ويبطل مفعولها، فإن ناتج ذلك حتماً سيكون سوء الهضم وألم الأمعاء، وسيلازمه الشعور بالإعياء والإحساس بالدوخة والتعب، يضاف إلى ذلك الشعور بالامتلاء المعدي والانتفاخ البطني.
وسيظل الدم فقيراً بما يحتاجه الصائم من وقود السكر، لأنّ المعدة لن تنتهي من هضم وجبة الإفطار الدهنية قبل مضي سبع ساعات أو أكثر وستبقى خلايا الجسم تئن وتصرخ طالبة غذاءها الذي لم يصلها رغم أنّه في المعدة.. وهنا يصاب الشخص بالدوخة والتراخي، وزوغان البصر، وعدم القدرة على القيام بأعماله الجسدية والفكرية.
ولو اتّبع المسلمون في صيامهم سنة الرسول العظيم (ص) فافتتحوا إفطارهم ببضع تمرات وكأس من الماء أو اللبن أو عصير البرتقال لجنوا فوائد الصيام المرجوة، ولحققوا عندئذ ما جاء في الحديث الشريف "صوموا تصحوا".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق