إذا التقينا في شهر رمضان بالقرآن، فهو النور الذي يشرق في عقولنا وقلوبنا وحياتنا، ويهدينا إلى سُبُل السلام، لنتّبع رضوان الله من خلال عطاءات هذا الكتاب الكريم وبركاته وفيوضاته، ولنعيشَ زكاة أنفسنا وانفتاحنا على الله من خلاله، وتأسيساً على كلّ ذلك، فإنّ الجولة الرمضانية الصلاتية الصوفية الدعائية القرآنية في شهر رمضان، تعني في المحصلة النهائية أن نصنعَ إنساناً جديداً لا عهد له بالإنسان القديم (إنسان ما قبل شهر رمضان)، ذلك أنّ الإنسان التقي هو الذي يتخفّف من كلّ ذنوبه، وهو الذي ينفقُ سرّاً وعلانيةً، وهو الكاظم للغيظ، العافي عن الناس والمحسن إليهم، والذي لا يصرّ على المعصية، والذي لا يستكبر ولا يخون.
فهل سألنا أنفسنا بعد شهر رمضان: ما هو حجم التقوى في عقولنا؟ هل بتْنا نملك العقل التقي الذي يحرّك كلّ أفكارنا في طريق الحقّ ولا يحرّكها في طريق الباطل؟ هل استطعنا أن نحصُل على هذه التقوى العقلية، ليكون ميزانها العدل لا الظلم؟ وهل استطعنا في شهر رمضان أن نحصل على القلب التقي من خلال إنسان العاطفة التقية التي تنبض بالمحبّة للمؤمنين لتلتقي معهم في طاعة الله، وتلتقي بالمحبّة لغير المؤمنين لتهديهم إلى سبيل الله وإلى طريق الله، لأنّ المؤمن لا يفكّر فقط في المؤمنين، وإنّما يفكر في الناس كافة. فكُن كالشمس تطلع على البار والفاجر، وذلك بأن تفكّر في المؤمنين لتتعاون معهم على البرّ والتقوى، وأن تفكّر في الكافرين لتتعاون مع أنفسهم بهدايتهم إلى سبيل السراء وسواء السبيل. إنّ القلب المغلق على الناس، هو قلبٌ لا يستطيع أن يهديَ أحداً بالمرّة، فعندما تحقد على أيّ إنسان يختلف معك، وتعيش البغض والعداوة منه ومعه، فكيف يمكن لك أن تجعل كلماتك تدخل إلى قلبه؟ إنّ الكلمة المغموسة بالحقد، لا يمكن أن ينفتح لها قلب الآخر، بعكس الكلمة المغموسة بالمحبّة التي تنفتح عليها حتى القلوب الجامدة المتحجّرة.. ولذلك قال الله تعالى في طمأنينة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128).
ولعلّ اختصاص هذا الشهر بنزول القرآن يدلنا على ارتباط العبادة المشروعة فيه، وهي الصوم، بعبادة أخرى هي الاحتفاء بكتاب الله بتلاوته ومدارسته، والأخذ من علمه وعلومه حتى يفيض الله على الصائمين من بركاته ومن نفحاته العلم والحكمة، والبصر بأمور الدين والدنيا فتزكو النفس، وتخضع لذكر الله وتبتعد عن الآثام. "إنّ لربّكم في أيام دهركم لنفحات.. ألا فتعرضوا لها". وإذا كان القرآن قد أنزل في رمضان، فقد أنزل كذلك في ليلة مباركة (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان/ 3)، هذه الليلة هي التي جاءت في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر/ 1)، وهكذا كان من نعم الله على المسلمين أن جمع لهم كلّ هذه الفضائل في هذا الشهر المبارك، الذي يتحرر فيه الإنسان من ربقة الشيطان، ويلوذ بالعبودية لله الواحد الديان، ففي ظلها ومن خلالها يحس المخلصون بلذة العبودية لله.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق