◄لأجل أن نصل إلى تفاهم مشترك وجو أسريّ صحِّي يسوده الاحترام والمحبّة والتعاون، لابدّ لنا أيضاً كآباء وكأبناء أن نتعرّف على مظاهر الاختلاف بين الجيلين، لكي يفهم كلّ جيل طبيعة الجيل الآخر، لا أن ينتقده أو ينتقص من قدره أو يهزأ ويسخر منه، وإنّما ليُدرِك الفوارق الطبيعية لكلِّ مرحلة من مراحل العمر، فلا يعدّ شيئاً منها منقصة.
وقد ذكر بعض الباحثين العديد من الفوارق، ومنها:
- الشبّان يطمحون إلى الجديد، فيما الكبار يرفضون الجديد ويألفون القديم.
- الشبّان يعيشون الرّوح الثوريّة المغامرة من جرأة وتهوّر واندفاع، فيما تسيطر على الكبار الألفة للعادات والتقاليد، أي أنّهم محافظون محتاطون.
- الشبّان – في الغالِب – خياليون نظريّون، والكبار – في العادة – نظاميون وعمليون بدرجة أكبر.
- الشبّان – في الأعم الأغلب – متفائلون، والكبار – بشكل عام – يعتقدون بالجدّ والسّعي.
- الشبّان متسرِّعون، والكبار يتريّثون.
- الشبّان يستغرقون في المستقبل، والكبار يستغرقون في الماضي.
- تجارب الشبّان – عادة – قليلة، وتجارب الكبار – في العادة – كثيرة.
- الشبان يسعون إلى أن تنسجم البيئةُ معهم. والكبار ينسجمون مع البيئة.
ولكن هذه الفوارق ليست نهائية، ولا هي خاصّة بجيل دون جيل، فقد تجد شباناً متريِّثين، وقد تجد كباراً متسرِّعين، وقد تجد كباراً طموحين وشباناً لا يعيشون التطلّع والطموح، فالأمر يرجع إلى تربية كلّ شخص وخلفيّته الثقافية وتجاربه التي عاشها. فهي فوارق يُنظَر إليها في الإطار العام وليس على المستوى الفردي لكل شخص.
كيفية الجمع والتوفيق:
والأمر المهم في معرفة هذه الفوارق أو الاختلافات الطبيعية أنّها تخفِّف من حملات الهجوم التي يشنّها كلّ جيل ضدّ الجيل الآخر، فكما أنّ على الأب الكبير أن يُقدِّر احترام الشبّان للجديد، فعلى هؤلاء أيضاً أن يُقدِّروا احترام الكبار للقديم، ذلك أنّ طبيعة الأشياء تفرض أنْ ليس مطلقٌ في أفضليّة الجديد على القديم، ولا القديم على الجديد، فلكلٍّ إيجابياته ولكلٍّ سلبيّاته، والعاقل – في الشبّان وفي الكبار – الذي يأخذ من الأشياء أحسنها.
ومعرفة الفوارق تتطلّب أيضاً معرفة الوضع النفسي لكلِّ جيل، فالشاب متسرِّع لأنّ دماء الشباب تفور في جسده، وهو يريد أن يصل إلى مُبتغاه بأقصى سرعة، وربّما يُفكِّر بطيِّ المراحل أحياناً، وهذا الأمر ليس سلبياً دائماً ولا إيجابياً دائماً، فقد تحتاج بعض المراحل إلى حرق وتجاوز السّير السلحفاتي في قطع المسافات، خاصّة مع توافر الإرادة والجدية والروح المثابرة والاستعداد النفسي لاختصار المسافة، كما في ضغط بعض المراحل الدراسية.
أمّا القفز على السلّم وعدم التفكير بعواقب الأُمور وعدم طبخها على نار هادئة، فقد يجعل الصّدمة في بعض الأحيان كبيرة.
أمّا الأب الكبير في السنِّ، فقد يعيش الهدوء والتريّث والصبر، وربّما التردّد ليس من جهة وضعه الصحِّي فقط، بل نتيجة لما عاشه من بعض التجارب والصّدمات، وربما تقديره أن اللّهاث خلف بعض الرّغبات قد يمكّن من إدراكها، لكن ذلك سيكون على حساب أمور أكثر أهمية، وما إلى ذلك.
فليس في تسرّع الشباب عيب إلّا إذا كان قفزاً على السلّم، ولا في تريّث الكبار عيب لاسيّما إذا كان زهداً في بعض مطامع الحياة الدنيا. ولذا لابدّ للجيلين من أن يتّفقا أو يتوافقا على أنّ في كلّ مرحلة حسنات وسيِّئات، وأنّ الأجيال تتكامل، والحياة تحتاج إلى كلّ الجيل الشابّ، وإلى كلّ الجيل المسنّ، لأنّ طبيعتها تفرض أن يجتمع (الحار) و(الباردة) في أسلاك الكهرباء حتى يتدفّق النور.
ولقد أجرى أحد الباحثين العاملين في السلك التربوي حواراً بين (الجذور) في الشجرة وبين (الأغصان)، ممثِّلاً للآباء والأجداد بالجذور، وللأبناء والأحفاد بالأغصان، فكان الحوار في البداية يعكس تشبّث الجذور بقيمتها وقيمها، وتمسّك الأغصان بخصالها وخصائصها.
ومن النقد الذي وجّهته الأغصان للجذور أنها تعيش تحت التربة وتقبع في الظّلام، بينما هي تعيش في النور وفي الهواء الطّلِق، وكان الجواب الحكيم للجذور أنّ غذاء تلك الأغصان يأتي عن طريقها (أي من الجذور)، كما أنّ الجذور تبقى حيّة بما تستمدّه الأغصان من ضوء الشمس والهواء النقي، فهما (نسغٌ صاعد) و(نسغٌ نازِل)، ولا يمكن للشجرة أن تقوم إلّا بهما معاً.
وهكذا هي شجرة الحياة لا تقوم ولا تستوي على جذعها إلّا بالآباء والأجداد وبالأبناء والأحفاد، فلو دام التواصل بين الجيلين لتجاوزَ الشبّان الكثير من اضطرابات مرحلتهم، ولاغتنى الآباء بالدماء الجديدة الشابّة التي تُحرِّك حياتهم في تلمّس نبض العصر وإيقاعه.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق