د. حنا حردو
الشقيقة مشكلة صحية واجتماعية كبيرة لا تقل عن مشكلة إرتفاع التوتر الشرياني والسكري ومشكلة آلام الظهر.
على الطبيب المعالج أن يأخذ موضوع معالجة صداع الشقيقة وكل أنواع الشقيقة بشكل جذري لأنها لها تأثير سلبياً في حياة الكثير من المعانين منها، ففي دراسة لهاو كروفت Haw – Kroft عام 1993م بين أن 50% من الذين يعانون من الشقيقة كانت نوبات الصداع المتكررة تشغلهم أي تشغل بالهم، فقد كان قسم منهم خائفاً من أن هذه النوبات المتوقعة يمكن أن تمنعه من إيفاء وعوده تجاه الآخرين في أوقات معينة، كما أنّ هذه النوبات تؤثر في علاقتهم بأزواجهم وزوجاتهم أو مع الأصدقاء أو زملاء العمل.
الشقيقة ليست خطراً على الحياة ولكنها تؤثر في الحياة اليومية للمصاب بشكل سلبي ويجب على الطبيب المعالج أن يتحقق من درجة تأثير هذا المصاب من الشقيقة في حياته اليومية فبعض المرضى يخاف من أن يصاب بمرض عقلي نتيجة تكرر النوبات والآخر يخاف من أن يصاب بجلطة دماغية أو شلل في أحد أطرافه والبعض يبقى متخوفاً من قدوم النوبات الشديدة والمؤلمة وخصوصاً المترافقة بالإقياء. إن حدوث نوبة مثل هذه خارج المنزل للمصاب تكون محرجة، هذا إلى جانب الألم الشديد الذي تسببه.
الكثير من المصابين لا يراجع طبيباً لعدة أسباب، البعض منهم لفقدان الثقة وذلك نتيجة لعدم الحصول على فائدة ملموسة من المعالجات التي تعرضوا لها من قبل الأطباء في الماضي، هذه المعالجات التي لم تعط نتيجة ولم تغير من سير النوبات لديهم. هذا بالطبع يخلق نوعاً من الموقف السلبي بالنسبة للمريض ويبدأ بالاقتناع بأنّ هذه الحالة التي عنده هي حالة يجب أن يتعلم كيف يتعامل معها ويعيش بها كقسم من حياته والبعض لا يراجع الطبيب لسبب اعتقاد خاطئ بأنّ الشقيقة كما يقول الكثير حالة لا علاج لها وليست قابلة للمعالجة وأنّ الطبيب ليس لديه شيء يذكر ليقدمه للمرض كمعالجة، لأنّه في كل الأحوال الشقيقة ليس معروفاً سببها وأنّ الطبيب لا يفهم شيئاً عنها فكيف له أن يعالجها.
- علاج النوبة:
لأسباب عديدة يلجأ بعض المرضى إلى المعالجة بوسائل غير طبية وذلك من العلاج الشعبي بأشكاله المختلفة والتي يلجأ إليها المريض عادة بقصد الشفاء من الشقيقة.
عندما يأخذ أحد المرضى رأيي بهذا الخصوص فأنا أقول للمريض مادام العلاج غير مزعج فإنّه يمكن استعماله إضافة للعلاج الاتقائي الذي وصفته له، كما أذكره بأنّه يمكن اللجوء إلى وسائل بسيطة مساعدة لتخفيف شدة النوبة وأحياناً زوالها في حالة النوبات متوسطة الشدة.
وفي حالة النوبات الشديدة يمكن استخدام هذه الوسائل بجانب الدواء المستعمل لعلاج نوبة الشقيقة الحادة أو بمفردها دون الواء وينصح المريض باللجوء إلى غرفة هادئة خفيفة الضوء مع تطبيق رباط ضاغط حول الرأس. بعض المحظوظين تساعدهم بعض الترتيبات البسيطة فيتمكنون من النوم، وعند استيقاظهم يجدون أنّ النوبة قد زالت، عوضاً عن الرباط الضاغط يمكن أن يستعمل المريض تطبيق الثلج على الصدغ المؤلم والطريقة الأسهل للتطبيق هي استعمال قطع صغيرة بداخل كيس من النايلون وتطبيق الكيس مباشرة على منطقة الألم. يطبق كيس الثلج لحوالي الدقيقة الواحدة ثم يزال لدقيقة أو دقيقتين وتكرر العملية حسب شدة النوبة ودرجة التجاوب. هذه العملية قد تؤدي إلى ارتياح المريض لدقائق طويلة، فإذا عاد الألم يمكن إعادة تطبيق الثلج بنفس الطريقة.
يقترح البعض أن وضع المريض ليديه في ماء ساخن لدرجة يتحملها الجلد تساعد على تخفيف شدة النوبة والبعض يقترح أنّه بالضغط على الجزء العضلي بين الإبهام والشاهد في ظهر الكف وذلك لمدة 15-30 ثانية وبشكل متقطع وذلك في أحد الطرفين ثمّ الانتقال إلى الطرف الآخر حتى يخفف الصداع.
بعض المرضى يجأ إلى وسائل غريبة للعلاج وذلك إما ليأسهم من عدم الحصول على نتائج من الأدوية التقليدية أو بسبب الاعتقادات الشخصية أو الجهل أحياناً.
- حالتان:
روى لي أحد المرضى المعانين من الشقيقة الشديدة عندما كنت في مدينة اسطنبول التركية أنّه سمع عن شخص له القدرة على شفاء الشقيقة فقصده في إحدى القرى التركية النائية وكان هذا الشخص مختار تلك القرية. طلب المختار من المريض أن يأتيه بدجاجة بيضاء من دون علامة ملونة، وعندما أخذ المريض الدجاجة ذبحها المختار وأفرغ بطنها من محتواه ثمّ ألبسها فوق رأس المريض كقبعة حيث تدلت أرجل الدجاجة فوق أذني المريض في الطرفين. ثمّ ثبت الدجاجة فوق الرأس برباط وطلب من المريض أن يتركها فوق رأسه لمدة ثلاثة أيام وليالي في نهايتها سوف يتخلص من الشقيقة ويتركها وراءه في القرية.
مع الأسف لم يستطع المريض الاستفادة من هذه الفرصة لأنّه لم يتحمل الدجاجة أكثر من يوم واحد فقد كان الموسم صيفاً، رجع إلى المختار الذي شجعه على التحمل من أجل الشفاء ولكن المريض لم يستطع ذلك وطلب من المختار أن يفك الرباط وينزل الدجاجة عن رأسه.
وعندما كنت في المملكة العربية السعودية شاهدت أحد المشتكين من الشقيقة الشديدة وكان قد أحيل من المناطق النائية إلى قسم الأمراض العصبية في مشفى في مدينة الرياض. وبعد أن انتهيت من استجوابه وفحصه سألني المريض قائلاً:
- لقد سمعت أن لحم وحيد القرن "الكركدن" يشفي مرض الشقيقة فهل هذا صحيح؟ أذهلني سؤاله، وبعد ثوان من التفكير قلت للمريض لو قلت لك بأن هذا الكلام صحيح فهل تستطيع الحصول على لحم وحيد القرن؟
ردّ عليَّ المريض مباشرة ومن دون أي تفكير: إذا قلت لي إنّه مفيد فأنا سأحاول أن أحصل عليه مهما كلف الثمن.
إنّ هاتين الواقعتين تبينان أن بعض المصابين بالشقيقة قد يقبلون أي علاج على أمل الشفاء من النوبات الشديدة والتي في بعض الأحيان تجعل من حياة المصاب جحيماً لا يطاق.
بعض المعالجين الشعبيين يلجأون إلى طرق أقل تعقيداً وإزعاجاً للمريض، فالبعض يكتفي بكتابة الأحجبة فقط والبعض يلجأ إلى وسائل مزعجة للمريض كالكي في منطقة واحدة أو في عدة مناطق، وذلك حسب قناعة المعالج نفسه.
في إحدى المرات راجعني مريض من مدينة حلب وروى لي أنّه تعالج لدى أحد هؤلاء المعالجين الشعبيين حيث وضع المعالج حول رأسه رباطاً جلدياً فيه حلقتان معدنيتان يتعلق فيهما قفل.
أقفل المعالج الرباط حول رأس المريض لدقائق قليلة تمتم خلالها ببعض الكلمات ثمّ فتح القفل بالمفتاح قائلاً للمريض: لقد أقفلت على الألم في رأسك إلى الأبد. وعندما حاول المريض أن يدفع للمعالج لقاء أتعابه رفض هذا قبول المال قائلاً أنا لا أفعل ذلك لقاء المال وإنما كعمل خير، ولكن إذا أردت تكافئني فاجلب لي هدية.
- الثوم.. ولكن:
ومن الوصفات الشعبية لمعالجة الشقيقة والتي استعملها أحد مرضاي الوصفة التالية:
تأخذ 50 جراماً من الثوم اليابس الأبيض وتدقها جيِّداً حتى تصبح كالمعجوم ثمّ تضيف إليها 50 جراماً من الكحول ذي العيار 95% تمزج الاثنين وتضعهما في كيس نايلون أسود وتترك المزيج في الثلاجة لمدة 15 يوماً، تخرج المزيج من الثلاجة بعد هذه الفترة تضع المزيج في داخل جراب نسائي جديد – لا تصر الوصفة على لون معين للجراب ولكنها تصر على أن يكون جوربا غير مستعمل – يعصر المزيج من الجراب فتخرج كمية معينة من السائل فضعها في قارورة نظيفة، يستعمل السائل الناتج كالتالي:
يأخذ المريض في اليوم الأول نقطة واحدة وفي اليوم الثاني نقطتين وهكذا حتى اليوم السابع عشر، حيث يكون المريض قد أخذ 17 نقطة دفعة واحدة، بعد هذه الجرعة يبدأ بالعد العكسي أي يأخذ 17 نقطة، 16-15- ... حتى نقطة واحدة ولمدة يوماً يعود ويبدأ بالعد التصاعدي لمدة 17 يوماً وهكذا حتى ينتهي المحلول.
في حالة هذا المريض كانت كمية المحلول كافية لعلاج لمدة شهرين فقط.
سألت المريض وكيف كانت حالتك خلال هذين الشهرين ردّ عليَّ: لقد أصبح جسمي مثل الحديد وتحسنت الشقيقة بدرجة جيِّدة جدّاً ولكن مع الأسف عاد إليَّ الصداع بعد انتهاء الدواء.
قلت للمريض مادمت تحسنت على هذه الوصفة فلماذا تراجعني عوضا عن أن تعود لاستعمال نفس الوصفة ثانية؟ رد المريض قائلاً إنّ الذي وصف الوصفة قال لي إنّه لا يجوز استعمال الوصفة إلا مرة واحدة كل خمس سنوات.. ولما سألت المريض عن سبب ذلك قال إنّه لا يعلم ولكنه وعدني أن يسأل الذي وصف له الوصفة عن السبب عندما يشاهده.
الكثير من الذين يلجأون إلى الوسائل الشعبية لمعالجة الشقيقة الصعبة عندما يتحسنون نسبياً ولفترات متفاوتة بعدها تعود الشقيقة كما كانت.
اليوم أصبحت معالجة الشقيقة أسهل بكثير مما كانت عليه منذ سنوات وذلك بفضل الأبحاث الدقيقة في تفسير هذه الحالة والبحث عن وسائل المعالجة السليمة والعلمية المفيدة.
لذا فأنا أنصح كل من يعاني من الشقيقة بأن يلجأ إلى طبيب لديه الاهتمام بمعالجة الشقيقة وذلك بدلاً من أن يضيع وقته في طلب العلاج غير الفعال والذي قد يكون ذا تأثيرات جانبية خطيرة على صحته.
المصدر: مجلة العربي/ العدد 474
* عضو الكلية الملكية البريطانية للأطباء – لندن
ارسال التعليق