بعبارة أخرى فإنّه كلما ارتفع حظ الشخص من القدرة على السيولة في الأفكار والانسياب كلما ارتفع حظه من هذه القدرة الإبداعية. ولهذا فإنّنا نجد هذه القدرة تتوافر بشكل ملحوظ في المبدعين المعروفين.
ويتميز المبدعون من جهة أخرى بالمرونة الفكرية أي بالقدرة على تغيير الحالة الذهنية والأفكار بتغير الموقف. فمن المطلوب أن يكون الشخص قادراً على تغيير حالته العقلية لكي تتناسب مع تعقّد الموقف الإبداعي. والمرونة، هنا، تشير إلى عكس ما يسمى بالتصلّب الذهني والجمود الذي يصف بعض أشكال التفكير التي يتميز أصحابها باعتناق أفكار ثابتة محددة يواجهون بها مواقف الحياة مهما تنوّعت واختلفت.
والشخص المبدع يستطيع رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد. فهو يعي الأخطاء في الأشياء التي من حوله، ويدرك نواحي النقص والقصور ويحس بالمشكلات إحساساً مرهفاً.
ولا شك أنّ الشخص الذي تزداد قدرته على إدراك أوجه القصور والضعف في المواقف العقلية والاجتماعية تزداد فرصته أيضاً لخوض غمار البحث والتأليف فيها. فإذا قام بذلك فإنّ الاحتمال سيزداد أمامه نحو الإبداع والخلق.
ويتميز المبدعون أيضاً بالأصالة وهو مفهوم يشير استخدامه إلى وجود قدرة على إنتاج الحلول الجديدة والطريفة؛ فالمبدع الأصيل بهذا المعنى لا يكرر أفكارهم وحلولهم التقليدية للمشكلات.
بعبارة أخرى: هو قادر على إنتاج نوعية من الأفكار والمقترحات أجود ممن هم أقل أصالة. كذلك يجب على المبدع أن يكون قادراً على اكتشاف علاقات بين الأشياء وترابطات بين الظواهر التي تبدو للعين العادية متناقصة.
إنّ كلّ فكرة إبداعية تقوم في الحقيقة على خلق نظام جديد من العلاقات بين الأشياء بعضها والبعض الآخر بصورة لم يلاحظها أحد من قبل، ويتفاوت الناس في قدراتهم على تكوين ترابطات جديدة من عناصر معروفة للجميع، وبمقدار ارتفاع حظ الشخص من هذه القدرة بمقدار ما تزداد فرصته على الإبداع والابتكار. والمبدع في الفن أو العلم أو الحياة العامّة شخص يستطيع ترتيب عناصر سابقة غير مترابطة في صياغة جديدة.
فكما يحوِّل الفنان خبرته بالبشر إلى رواية أو مسرحية فإنّ العَالِم يختبر البيانات التي جمعها ويحولها إلى نظرية جديدة. وهناك أدلة تثبت أنّ كبار المبدعين امتازوا بهذه القدرة العقلية.►
المصدر: كتاب الإبداع ذروة العقل الخلّاق
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق