• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

موسم الحج.. ملتقى إسلامي عالمي

عمار كاظم

موسم الحج.. ملتقى إسلامي عالمي

موسم الحجّ هو موسم الارتحال إلى الله في تصفية دائمة للقلب والعقل ممّا علق بهما من تأثيرات الدنيا ومظاهرها، وما أكثرها. في هذا الموسم، يعمل المؤمن المخلص على تعزيز حضور الله تعالى في عقله وقلبه، وفي كلّ ساحات الحياة، متمثّلاً لمعاني الحجّ ومفاهيمه الجليلة، سلوكاً متجذّراً يمتد معه مدى العمر، في إجابة وتلبية دائمة لنداء الله تعالى في التزام ميثاقه وحدوده. فالحجّ إلزام إلهي للمؤمنين المخلصين بما عاهدوا عليه الله من الانقياد لطاعته والانتفاع من اجتماعهم بما يقوي وحدتهم ويؤسّس لعلاقات وروابط جديدة على مستوى التعاون والتعارف والتشاور في حل مشاكلهم، فتتحوّل النداءات في طقوس الحجّ إلى امتثالات والتزامات تنعكس بتجلياتها على الواقع برمّته، لتضخّ به الحياة في عروق المجتمع لتبعده عن الرتابة. الإسلام أراد للحجّ أن يكون ملتقى للمسلمين جميعاً، من شرق الأرض وغربها، من أجل تحقيق التعارف والتواصل بينهم، وتحصيل المنافع الاقتصادية والاجتماعية لمن حجّ ولمن لم يحجّ، وتبادل التجارب والخبرات المتنوّعة التي يملكها كلّ فريقٍ من خلال أوضاعه العامّة والخاصّة، وتسهيل حركة الدعوة إلى الله، بالانطلاق من موسم الحجّ للاتصال بكلّ المناطق الإسلاميّة التي تتمثّل بأفرادها الذين يقصدون بيت الله الحرام لأداء الفريضة، فيما يتعلّمونه من ثقافة الإسلام وشريعته، وفيما يتعاونون فيه من مشاريع وأعمال وخطّط على أساس المصلحة الإسلامية العليا، لينطلق العمل الإسلامي من قاعدةٍ مركزيةٍ واسعة، في أجواء الإسلام التاريخيّة التي شهدت مولد الدعوة وعاشت حركيّتها، وحقّقت أهدافها الكبيرة في جهادها المرير الصعب، فيكون التحرّك في الخطّ من موقع الفكرة والجوّ والخبرة المتبادلة والمعاناة الحاضرة.

وهكذا يعيش الناس، فيما يقصدونه من مزارات، أجواء الإسلام الأولى التي يعيشون معها الإحساس بالانتماء الروحي والعملي لهذا التاريخ، الأمر الذي يوحي لهم بأنّ الإسلام الذي ينتمون إليه، يمتدّ إلى تلك الجذور العميقة في أعماق الزّمن، وبأنّ عليهم أن يعطوا هذا التاريخ امتداداً من خلال جهادهم ومعاناتهم، كما استطاع المسلمون أن يحقّقوا لهم هذا الامتداد الذي يتصل بمسيرتنا الحاضرة.

اللقاءات التي يخطّط لها الإسلام من خلال هذه الفريضة العبادية، لابدّ من أن نعيش فيها الهدف الكبير في تحقيق لقاءٍ إسلامي شامل يستهدف إلغاء كلّ الفوارق الطبقية واللونية والعرقية والإقليمية، في جوٍّ من التفاعل الإنساني الروحي، يستشعر فيه الجميع القيمة الإسلامية على هدى الممارسة في وحدة الموقف واللباس والشعار والتحرّك.

ذلك هو بعض ما نستوحيه من تشريع الحجّ في مدلوله الاجتماعي والسياسي، إلى جانب مدلوله الروحي العبادي التربوي. وذلك هو ما مارسه الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) عندما كانوا يعتبرون الحجّ قاعدةً للحوار مع كلّ الفئات المنحرفة، كما كانوا يحاولون أن يحقّقوا اللقاء بكلّ العناصر الطيِّبة التي يريدون لها أن تسير في الخطّ الإسلامي المستقيم، في خطّةٍ توجيهيةٍ عمليةٍ شاملة. علينا العمل على تحويل موسم الحجّ إلى موسمٍ إسلامي كما أراده الله، ليكون مجمعاً للمسلمين يلتقي فيه المفكّرون في حوارٍ فكري إسلامي سليم، ليصلوا إلى القناعات المشتركة، أو المتقاربة، أو ليفهموا وجهة نظر كلّ منهم، ليعرفوا ارتكاز الجميع على أسسٍ فكريةٍ إسلامية فيما يتوصّل إليه المجتهدون والمفكّرون، وليعملوا على أساس الوصول في نهاية المطاف ـ بالصبر والفكر ـ إلى الوحدة في الفكر والأسلوب والعمل.

ارسال التعليق

Top