◄هل تعرف شخصيتك؟!
سؤال قد يثير استغرابك لأوّل وهلة..!
ولكن.. مهلاً يا عزيزي.
هل تساءلت في يوم من الأيّام مع نفسك عن نفسك؟!
هل فكرت بقدراتك ومواهبك وخفاياك؟
هل فكرت بنواقصك وسلبياتك ونقاط الضعف لديك؟
والآن.. وبكل صراح.. هل تعرف.. من أنت؟!
إذا كنت تعرف من أنت... فانطلق في ميادين الحياة.. لتتسنم ذروة النجاح.
وإذا كنت تجهل.. من أنت.. فابدأ في التعرّف على شخصيتك.. ثمّ انطلق في ميادين الحياة بكل قوة وديناميكية لتحوز وسام النجاح!
مواطن القوة والضعف في شخصيتك:
تتباين نقاط القوة والضعف من شخص لآخر، فقد تكون نقاط القوة عند شخص هي نقاط الضعف عند الآخر، والعكس بالعكس.
ومما لا يختلف فيه اثنان.. أنّ كلّ واحد منا يمتلك نقاط قوة في شخصيته وكذلك نقاط ضعف فليس هناك إنسان كامل بل الكمال لله وحده.
إنّ معرفة الإنسان بمواطن قوّته وضعفه لهي من أهم الضروريات للتعرف على شخصيته.
إنّ معرفة الطاقات والقدرات والإمكانيات التي تملكها هي السبيل نحو الاستفادة منها وتنميتها، وتوظيفها في طريق النجاح، كما أنّ التعرف على نقاط الضعف لديك هي السبيل نحو التخلص منها، أو على الأقل التقليل من شأنها.
يقول العالم النفسي "وليم جيمس": "إذا قسنا أنفسنا إلى ما يجب أن نكون عليه بدونا معتدلين في هذا القياس، فنحن لا نستعمل إلّا جانباً صغيراً من طاقاتنا الجسمانية والذهنية، أو بمعنى آخر، إنّ الفرد منا يعيش في مساحة صغيرة وضيقة يستعملها داخل حدوده الحقيقية، إنّه يمتلك قوى كثيرة ومتعددة، ولكنه عادة لا يتذكرها أو يفشل في استعمالها".
إنّ لديك قدرات كبيرة... وكبيرة جدّاً، وما عليك إلّا التعرّف على هذه القدرات، يقول تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات/ 21)، إنّها دعوة للإنسان كي يتبصر نفسه.. يقول "سيد قطب" وهو يفسر هذه الآية الكريمة: "هذا المخلوق الإنساني هو العجيبة الكبرى في هذه الأرض، ولكنه يغفل عن قيمته، وعن أسراره الكامنة في كيانه، حتى يغفل قلبه عن الإيمان، وحين يحرم نعمة اليقين.
إنّه عجيبة في تكوينه الجسماني.. في أسرار هذا الجسد، عجيبة في تكوينه الروحي.. في أسرار هذه النفس، وهو عجيبة في ظاهره، وعجيبة في باطنه، وهو يمثل عناصر هذا الكون وأسراره وخفاياه:
وتزعم أنّكَ جرمٌ صغيرٌ *** وفيكَ انطوَى العالمُ الأكبرُ
وكلّ جزئية في حياة هذا المخلوق توقفنا أمام خارقة من الخوارق، لا ينقضي منها العجب (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
إنّ القرآن بمثل هذه اللمسة يخلق الإنسان خلقاً جديداً، بحس جديد، ويمتعه بحياة جديدة، ويهبه متاعاً لا نظير له في كلّ ما يتصوره في الأرض من متاع".
ومن المهم جدّاً أن يتأمل الإنسان ذاته، يستطلع ما بها من كنوز، ويقف على ما بها من نقائص، فلا يغفل عن الكنوز التي يملكها، ولا يستخف بالنقائص التي يحتويها.
إنّ لديك كنوزاً هائلة.. بحاجة للتعرّف على مواقعها، واستثمارها من أجل تحقيق نجاح باهر، فقد أثبتت الإحصائيات العلمية أنّ الإنسان لا يستخدم قدراته العلمية والعملية، إلّا بنسبة تتراوح بين 40-60%، والمجتمعات متفاوتة في هذه النسبة حسب مستوى الثقافة والرقي، والتقدم العلمي والتقني فيها.
إنّ من يجهل نقاط قوّته، لابدّ وأن يكون ضعيفاً، كما أنّ من يستخف بنقاط ضعفه، لابدّ وأن تقضي عليه، تماماً كالإنسان الذي يتجاهل الورم الخبيث في جسمه، فإنّه لابدّ وأن يقضي عليه وإن كان قوي البنية.
عليك أن نتأمل – وبكل هدوء وتجرّد من الأنانية – شخصيتك، وتحدد بعد ذلك مواطن القوة والضعف لديك، ثمّ تنطلق في الحياة بكل قوة في حدود حجمك الطبيعي.
نظرتك إلى ذاتك تحدد شخصيتك!!:
كلّ إنسان له كيان مستقل، وشخصية متميزة عن الآخرين، يقول تعالى:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصّلت/ 53)، فسبحان من أبدع خلق الإنسان، إذ أنّ من أميز خصائص الإنسان هو فرديته، فالإنسان (الفرد) خلق فريد لقوى الطبيعة، لم يكن هناك أبداً شخص آخر يماثله، بل ولن يتكرر مستقبلاً، ولنذكر حتى بصمة الإصبع، فريدة في نوعها، ونظراً لتميز وراثة كل شخص "ما عدا التوأمين المتشابهين اللذين تكونا من نفس البويضة ونفس الحيوان المنوي" وبيئته، لا يمكن أن يحدث غير ذلك.
بل إنّ العلم اكتشف أخيراً بأنّ لشبكية العين بصمات، "إنّ العلم قد اكتشف في صوت الإنسان ما اكتشفه في بصمته، وقل مثل ذلك في يده، بل في كفه بالتحديد، إلّا أنّ البصمات بقيت هي الوسيلة المفضلة".
بيد أنّ العلم اكتشف أخيراً وسيلة أخرى غير ما ذكرنا، وتلك هي شبكية العين بل الأوعية الدموية الدقيقة التي توجد خلف الشبكية، والتي تمدها بالدم، فهذه الأوعية الفريدة، في كلّ فرد تختلف عما هي عليه في أي فرد آخر، والاختلاف لا يكون في طولها أو عرضها، وإنّما في أنماطها، فالنمط الذي تجده في أوعية فرد من الناس لا تجد نظيراً له في أوعية أي إنسان آخر في أي بقعة من بقاع الأرض".
ومن يدري فقد يكتشف العلم أنّ للأذن والأنف والفم.. إلخ بصمات تميز كلّ فرد عن الآخر؟!
لقد خلقك الله عزّ وجلّ فريداً من نوعك من بين ملايين الملايين من البشر إنّك شخصية فريدة من حيث تكوينك الجسمي، ومن حيث تكوينك النفسي.
إنّ نظرتك إلى ذاتك، تحدد شخصيتك إن كانت شخصية إيجابية أو شخصية سلبية، شخصية سوية، أو شخصية مرضية، شخصية ناجحة أو شخصية فاشلة.
"إنّ نظرتنا لذواتنا قد تكون إيجابية، من نحو الإحساس بأننا ذوو كفاءة وثقة واستقلال وتفاؤل.. إلخ.
وقد تكون نظرتنا لذواتنا سلبية، من نحو الإحساس بالدونية والضعة والتبعية والشك والتردد... إلخ.
ومما لاشكّ فيه، أنّ إدراكنا لذواتنا بهذا النحو، يلتئم مع التصور الإسلامي لـ(الذات) فالمشرع الإسلامي يطالبنا بأن ننطلق من التصور الإيجابي لـ(ذواتنا) إنّه يطالبنا بطرد الأحاسيس المتصلة بالشك، والتردد، والاستسلام، والتبعية،.. كما أنّ إشارة السماء إلى أنّها قد فضلتنا على الكائنات الأخرى تفضيلاً، وإلى أنّها أسجدت الملائكة لآدم، وإلى أنّها جعلتنا خلفاء على الأرض، كل ذلك يحسسنا بأنّ نظرتنا لـ(ذواتنا) ينبغي أن تكون إيجابية.. لا أن تكون مريضة تفترسها مشاعر النقص، والخوف، والاستسلام، والرثاء للذات".
لقد كرّم الله سبحانه وتعالى الإنسان، وجعله من أفضل المخلوقات، يقول تعالى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).
فهل تنظر إلى شخصيتك بتقدير واحترام؟!
هل تنظر إليها بثقة وإيجابية؟؟
أم أنّك تشعر بالنقص والدونية؟!
إنّ طبيعة نظرتك إلى ذاتك، تحدد نوعية شخصيتك!
فالنظرة السلبية للذات تعكس شخصية مرضية!
والنظرة الإيجابية للذات تعكس شخصية سوية!
فقل لي.. كيف تنظر إلى ذاتك؟ أقل لك.. من أنت!!
الإنسان.. الخليفة:
لقد شاءت حكمة الله أن يجعل الإنسان – نعم أنت أيها الإنسان – أن يجعلك خليفته على هذه الأرض، يظهر ذلك جلياً في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 30).
يقول "سيّد قطب" وهو يفسر هذه الآية الكريمة: هي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود، زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتوكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب، والتحوير والتبديل، وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كله – بإذن الله – في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه.
وإذن فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة أكفأ ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية.
وإذن فهناك وحدة أو تناسق بين النواميس التي تحكم الأرض – وتحكم الكون كله – والنواميس التي تحكم هذا المخلوق وقواه وطاقاته، كي لا يقع التصادم بين هذه النواميس وتلك، وكي لا تتحطم طاقة الإنسان على صخرة الكون الضخمة!
وإذن فهي منزلة عظيمة، منزلة هذا الإنسان، في نظام الوجود على هذه الأرض الفسيحة، وهو التكريم الذي شاءه له خالقه الكريم.
هذا كله بعض إيحاء التعبير العلوي الجليل: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً).
أيها الإنسان:
أنت خليفة الله في أرضه.. هكذا شاء الله لك ذلك، وأعطاك من القدرات ما يؤهلك للقيام بمهمة الخلافة على هذه الأرض المترامية الأطراف.
هذه الخلافة تحملك مسؤوليات ضخمة تقع على عاتقك!
إنّها مسؤولية الإصلاح والتعمير...
مسؤولية الإبداع والتطوير..
مسؤولية البناء... بناء الحضارة!
وما اعظمها من مسؤولية!!
لقد كان سقراط الحكيم قليل الأكل، خشن اللباس، فكتب إليه بعض فلاسفة عصره.. أنت تزعم أنّ الرحمة لكل ذي روح واجبة، وأنت ذو روح فلم لا ترحمها، بترك قلة الأكل، وخشن اللباس، فكتب في جوابه:
عاتبتني على لبس الخشن.. وقد يعشق الإنسان القبيحة، ويترك الحسناء، وعاتبتني على قلة الأكل، وإنما أريد أن آكل لأعيش، وأنت تريد أن تعيش لتأكل! والسلام.
فالإنسان خلق لهدف.. وهدفية خلق الإنسان تحمّله مسؤوليات في حياته، بل إنّ الله عزّ وجلّ حمّلك المسؤولية، فأنت إنسان مسؤول عمّا تفعل أمام الله عزّ وجلّ.
وعليك أن تتصرف كمُستخلَف على هذه الأرض الفسيحة!
إنّه التكريم الإلهي للإنسان.. وأعظم به من تكريم!! ►
المصدر: كتاب الشخصية الناجحة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق