ذات يوم دعيت لمناسبة اجتماعية، وهي عقد قران شاب طلب يد شابة، وأثناء الجلسة التي جمعت أفراد العائلتين والأقرباء والأصدقاء والمحبين في منزل أهل البنت، وكالعادة قدمت الحلوى والعصائر في الجلسة وهو نوع من أسلوب الضيافة التي تتمتع بها العائلة العراقية كنموذج عربي شامل، وتعددت فقرات الضيافة التي اشتملت في الوجبة الأولى على الشوكولاته وأعقبها الماء البارد خاصة في صيف عراقي حار جدّاً، ثمّ بعدها قدمت فقرة العصائر المتنوعة، وبعد وقت قصير خاصة اللحظة التي طغت عذوبة الكلام وتم عقد القران الشرعي وسماع أفراح وأغاني الشباب وهلاهل النساء وتبادل الآراء بشأن علاقة المصاهرة بين العائلتين التي ستشمل علاقة مصاهرة وقرابة واسعة بين عشيرتين وطبعاً هذه قضية تستأثر باهتمام الناس لأنّهم ذات طبيعة اجتماعية عشائرية كما هو السائد في المجتمع العربي عامة، هنا قدمت فقرة جديدة تمثلت بحلوى البقلاوة والزلابيا والكنافة، والذي لفت انتباهي هنا أنّ البعض اكتفى بقطة الشوكولاته أو العصير خلال الجلسة، بينما آخرين انفتحت شهيتهم لجميع الفقرات بل واقع حالهم يقول هل من مزيد؟ وما زاد استغرابي أيضاً أنّ أحد الحضور عندما قدمت الزلابيا والبقلاوة اعتذر عن تناولها برفع إشارة اليد بالاعتذار وكان تصرفه لطيفاً وراقياً من وجهة نظري لأنّه أكّد قناعته، ولكنه استثنى قراره هذا بعد دقيقة تقريباً بتناول قطعة من البقلاوة عندما كرر المضيف رجوعه على الحضور، وهو يحمل نفس طبق الحلوى وتساءلت منزعجاً.. لو تناولها في المرة الأولى ومن ثم أعاد تناولها بالمرة الثانية لكان أهون عليه من تناولها بعد اعتذار لم يدم سوى دقيقة.
فهذه مسألة استفزت فضول البعض منا ونحن نراقب غياب الجانب الذوقي في هكذا محفل اجتماعي يحتاج خلال جلسة من الوقت لا تزيد عن نصف ساعة أن يحافظ الواحد منا على ذوقية تعامله وطبيعة تصرفه مع الأكل والشرب لأنّها ستكون ماثلة أمام الجميع فإما أن تكون تلك السلوكية عرضة للانتقاد وإما أن تلقى قبولاً وإعجاباً. إنّ هذه التصرفات بسياقها الاجتماعي تحتاج إلى توفر عنصر الذوق والذي هو بحاجة إلى تنشيط الوعي والتثقيف لدى الناس عبر قنوات التفاعل الاجتماعي وتركيز الاهتمام بخلق بيئة مجتمعية تتعاطى مع الذوق إمّا بإدخالها ضمن منهج الدراسة بجميع مراحلها أو عبر التثقيف الديني في المساجد وأماكن العبادة لأنّها بالنتيجة سلوكيات اجتماعية يجب أن تكون مهذبة وحتماً تقع ضمن مسؤولية المؤسسة التربوية والتعليمية وكذلك المؤسسة الدينية وحتى مؤسسات أو منظمات المجتمع المدني، وفضلاً عن ذلك، هنالك قناة أخرى أكثر فاعلية في تعزيز الجانب الذوقي وتعزيز مهارات الناس ذوقياً تتمثل بالمعايشة العملية والاختلاط في المجالس والانتباه لأصحاب الذوق الرفيع وأصحاب التجربة كيف يأكلون ويشربون وكيف يجلسون ويتحدثون.
إنّ هذه المؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية هي الجهات التي بإمكانها زيادة الوعي الاجتماعي وتنمية الذوق العام لدى المجتمعات، وإذا كان القليل من الناس لا يتقبل قيمة هذه المفاهيم الإنسانية وتدريس تطبيقاتها العملية فإنّه من العيب على الجهات المسؤولة إهمالها، فهي إن كانت تسمى ذوق فإنّها أيضاً تعد فناً من فنون التعامل الإنساني، لأنّنا أمام مسؤولية اندماج ما بين المجتمعات سواء المحلية مع بعضها بعض أو مع المجتمعات الدولية، وهذا الأمر أصبح يحتم على المجتمعات بناء نفسها ذوقياً واجتماعياً لأنّ الفرد لو جلس في مكان رسمي أو خارج مجتمعه فإنّه سيكون أمام صعوبة مواجهة لأدوات التعامل مع الأشياء والناس.
توظيف العلاقات العامة في التعامل بين أفراد المجتمع:
إنّ العلاقات الاجتماعية هي "فن التعامل مع الآخرين"، خاصة في البعد الاجتماعي الذي يسهم في تنمية العلاقات بجوانبها المتشعبة منها الاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها، وإذا ما تحقق هذا الفن ببعده الإنساني، فإنّه سيتحقق من وراءه الاتصال والتواصل ويسود حياة الإنسان الألفة والتعاون والانسجام والود والأهم هو التفاعل الإيجابي. وكثير منا تصادفه يومياً بعض المواقف في الدخول إلى مجتمعات مختلفة بشكل فردي أو جماعي ومصادفة أُناس آخرين، وعليك أن تتخيل طبيعة التصرفات عند هذا أو ذاك من الأصدقاء أو الأقرباء، ويبقى في النتيجة إنّ أفضل السُبُل لتحقيق الحياة الاجتماعية التفاعلية هو أن تكون في وضعية مناسبة بلا تكلف ولا خوف أو ارتباك أو سوء تقدير أو تجاهل عفوي وبلا عصبية، بل لابدّ من أن تترك الأثر الطيب والحيوية والعاطفة اللازمة لدى الآخر لكسب وده وهذه المهمة تبدأ من الخطوات الآتية:
1- التصافح بالأيدي:
مصافحة اليد واحدة من أهم التصرفات التي تحتاج لحسن ضبطها رغم أنّ هنالك لغة العين التي سنتحدث عنها قد تسبق اليد، لكن مصافحة اليد تحتاج أن تكون بحرارة سواء سيدة أو رجل، وفي الوقت نفسه لا تحكم القبضة على يدي مَن تصافحه حتى لا تسبب له الألم بل أن تكون اليد باليد بطريقة تبعث المحبة في القلب، ومصافحة اليد تعني إبداء الاهتمام من جانبك للطرف الآخر وأنّك موجود من أجله. ويجب أن تنظر إلى مَن تصافحه بعينيك لمزيد من الاهتمام وقد يجهل البعض منا مثل هذه الأشياء التي تبدو صغيرة لكن لها جانب كبير من الأهمية.
2- الملابس:
الكثير منا يصف الفرنسي بالأنيق ومبعث أناقته يكمن في نوعية حذائه النظيف والنوعية التي تحمل الذوقية، بينما تكمن أناقة الرجل العربي في نوعية البدلة الفاخرة من أرقى المناشيء العالمية، على أية حال عندما يقع على اختيارك للحذاء عامل كبير سواء للرجل أو السيدة وإذا كانت المقابلة ستتم بين رجل وامرأة، فعلى الرجل الاهتمام جيداً بحذائه ومهما كان ما يرتديه من ملابس أنيقة، أو يركب سيارة فارهة، أو رباط عنق ساحر، فأوّل شيء يهم المرأة وتقع عيناها عليه هو حذاء الرجل. كما أنّ المغالاة في ارتداء الملابس أو عدم التأنق من الأمور الخطيرة جدّاً، وما أكثر الحالات الطارئة التي من الممكن أن تتعرض لها كن مستعداً دائماً لأي مناسبة تطرأ، لكن مع عدم المغالاة حتى لا تهتز الميزانية الخاصة بك، فالمطلوب منك أن تجدد دولابك حتى تصبح ساحراً وجذاباً بالقدر الكافي.
3- الاتصال العيني (لغة العيون):
لغة العيون تلك اللغة الصامتة في مفهومها اللغوي لكنها من أدق اللغات تبنى عليها الآراء والمواقف، تعكس قبول المتحدث أو من يقف أمامك ويرى علماء النفس بأنّ أكثر المعارف تتحقق لدينا من خلال العين بنسبة أكثر من بقية الحواس الأخرى، وعندما تقابل شخص سواء لأوّل مرّة أو تعرفه من قبل لابدّ وأن تنظر إليه عندما تتحدث. غير مطلوب منك أن تركز بنظرك معه طوال الوقت "تحملق له" ولكن عند إجراء الحديث معك. لأنّك بعدم النظر نحو الشخص المتحدث أو العكس عندما تتحدث أنت فهذا يعني إمّا أنّك خجول أو غير مهتم وذلك دليل على عدم الاحترام في الحالة الثانية، ويفعل الكثير منا ذلك بغير قصد أو عمد فعليك بالانتباه إلى من تتحدث معه. وتمارس العين لغة الاتصال فيما يتعلق بالمظهر الخارجي وتغوص كثيراً دون أن ندري في مضمون الآخر حتى تكتمل دورة المعرفة واتّخاذ القرار مشاركة مع الحواس الأخرى.
4- إجراء حوار:
يرى خبراء الدبلوماسية والعلاقات العامة أنّ أفضل الطرق لإدارة الحوار وتوجيه الأسئلة لكسر حاجز الصمت الذي يوصف بأنّه عدو لدود لمَن يستسلم له، أن تلجأ إلى حوار التفسيرات والآراء وليس حوار الحقائق التي قد تجعلك تنفر الحوار مع الجانب الآخر أو ربما هو لا يقبل بحوارك هذا. وأنجح الحوارات هي التي تتناول حديث الساعة وتفسير طبيعة الأحداث الجارية. إنّ إجراء الحوار من إحدى الطرق الفعّالة لاكتساب مهارات وعلاقات اجتماعية جديدة. والوسيلة الصحيحة لإدارة حديث مع شخص والتعرف عليه من خلال سؤال الشخص الآخر بعضاً من الأسئلة لكي يجيب عليها ويبدأ بذلك الكلام معك، لكن قد يفهمها البعض على أنّه استجواب ومحاولة في الاستدراك لمعرفة بعض المعلومات أي "حب استطلاع" لذلك يجب أن تكون طبيعة الأسئلة مختلفة قليلاً، مثلا أن تسأل الشخص رأيه في إحدى الموضوعات مع إبداء اهتمام بما يبديه من آراء.
5- الابتسامة:
توصف الابتسامة بأنّها أجمل لغة في العالم، بل أجمل من كلّ لغات العالم على الإطلاق، وفيها يحصل الاتصال الإيجابي ومنها يتحقق التواصل، ومن خلالها تبدأ معرفتك بالأشخاص الآخرين وهي التي تسهل عليك الكثير من الأمور فيما بعد. وقد يجدها بعض الأشخاص على أنّها سخرية ويصابوا بالعصبية، لكن ضع في الاعتبار أنّ المقابلة الأولى لا تخبر الآخرين بكلّ ما لديك من صفات أو إمكانات، بالرغم من الانطباع الأوّل يدوم في بعض الأحيان، ومن هذه المواقف في المقابلات الشخصية عند التقدم لعمل أو عند الوقوع في الحب من أوّل نظرة، ومن ثمّ الوقوع في العلاقة الأبدية التي لم ولن تستطيع التخلص منها. وفي الجانب الصحفي فإنّ الابتسامة هي أهم أدوات الصحفي عند إجراء مقابلة صحفية مع شخصية رسمية أو شعبية بارزة في المجتمع والدولة. والأهم من ذلك كلّه إنّ رسول الله (ص) أكثر الناس همّاً ولكنه أكثر تبسماً.
6- تقديم الهدية:
إذا كان شخص تعرفه اختر الهدية العملية التي يمكن أن يستفيد منها وليس شرطاً أن تكون غالية في الثمن.. أما الشخص الذي لا تعرفه فيكتفي بباقة من الورود. ومن الأفضل أن تقدم الهدية لصاحب الدعوة لتوجيه الشكر له شخصياً.
7- مواصلة الود:
غالباً ما تشكل العلاقات الاجتماعية أساس فاعل في بناء التجاذب الإيجابي بين الناس، وعندما توجه لك دعوة على وليمة من قبل بما أنّ صديق لك أو زميل محب، اعتنى بك ووجه إليك دعوته فينبغي أن تهتم به أيضاً بتوجيه ما يعبر عن شكرك وامتنانك له بإرسال بطاقة شكر أو بريد إلكتروني أو مكالمة تليفونية حسبما يروق لك.
الكاتب: د. فاضل البدراني
المصدر: كتاب فن الأتيكيت في بناء العلاقات الاجتماعية والدبلوماسية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق