من المصادر الأساسية لإشاعة الأمن وتوطيد الاطمئنان في النفوس، العمل الصالح، لقوله تعالى: (مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (المائدة/ 69).
والعمل الصالح مقولة واسعة تشمل كلّ أنواع البرّ والأعمال الخيرة والمفيدة، سواء كانت للفرد أو للمجتمع، بما في ذلك كسب العيش الحلال، وقد ورد عن النبي (ص): "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله".
وقد يكون العمل الصالح: كلمة طيِّبة، أو إصلاح بين الناس، أو دعوة إلى الله ورسوله ودينه، أو إرشاد لمحتار، أو مساعدة لمحتاج، أو إشاعة العلم ونشره، أو الحثّ على الخير، أو لقمة لجوعان، أو ستر لعريان، أو حفر بئر، أو تعليم مهنة، أو مشاركة في إعمار مسجد، أو إعماره بحضور الصلاة والدُّعاء، أو خُلق حسن مع الأهل والأولاد، أو إشاعة السلام بين الناس... إلخ.
وأبواب البر لا تعد ولا تحصى، كما إنّ نعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى، ويمكن لكل إنسان أن يستفيد ممّا أنعم الله عليه لفائدة المجتمع، بالفكر أو القول أو العمل، وكلّ بحسب طاقته، إذ (لا يُكلِّف الله نفساً إلا وسعها) (البقرة/ 286).
العمل الصالح هو نتاج لنيّة الإنسان الصالحة وما يحمله من خير وبركة ونور في قلبه، فإذا ما ترجم الإنسان ما يحمله في داخله إلى سلوك خارجي، ازداد نوراً وتألقاً وامتلأ قلبه نضرة وسروراً، لأنّه سيعيش لحظة الصدق مع ذاته، ويشعر بالأمن من نفسه ومعها، فلا يعيش الإزدواجية التي تمزق النفس شطرين يحارب أحدهما الآخر، بل يكون الظاهر والباطن عنده سواء متحابين ومتعايشين ومتناصرين.
والأهم من ذلك كلّه: أنّ السعادة قد توصف بأنّها: شعور بالرِّضا والإشباع وطمأنينة النفس وتحقيق الذات.. وقد وجدت الدراسات، التي أجريت في المجتمعات المادية كأميركا، بأنّ الأفراد الذين يفتقرون إلى معنىً لحياتهم يميلون إلى أن يكونوا أقل سعادة في كلّ جوانب الحياة تقريباً، فهم أقل شعوراً بالرِّضا.
إنّ هؤلاء يسألون أنفسهم: ما الفائدة من حياتنا، وما معنى أن نعيش ونُعمِّر، وأن نبذل الجهود ونتحمّل الصعاب؟ طالما أنّ حياتهم لا تحمل معنىً وليس لوجودهم نفع.
أمّا الناس الذين يعملون الصالحات، فإنّهم يشعرون أنّ لحياتهم قيمة، وأنّ وجودهم نافع للمجتمع، بما يحملونه من خير وما يعملونه من صالح، ولو بكلمة طيِّبة، إذ إنّ "الكلمة الطيِّبة صدقة" كما جاء في الحديث الشريف.
وبالتالي، فإنّ الإنسان الصالح يبدأ يومه بأمل وتطلُّع إلى المزيد من الخدمة والعمل، وهو إذ يُقدِّم للمجتمع ما يمكنه، يشعر بالبهجة والسرور ويمتلأ رضا على نفسه وبحياته، ويزداد طمأنينة إلى وضعه ومستقبله.
والذي يعمل الصالحات سيكون متواصلاً مع الآخرين من خلال بوابة جميلة وواسعة، وهي الخير.. وبالتالي ستكون له علاقات إجتماعية إيجابية وفعّالة، وقد أكّدت الدراسات الحديثة على تأثير ذلك على شعور الإنسان بالسعادة والرِّضا عن الحياة.
قال ربّ العزّة: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرَّحمن ودّاً) (مريم/ 96).
ولذا كان من المفيد التذكير بأنّ الذي يعمل الصالحات إنّما ينفع بها نفسه قبل غيره، حتى لو كانت في سبيل الله أو لأُناس بعيدين عنه، لأنّ النفس المعطاءة إنّما تعطي وتُقدِّم وتخدم وهي كبيرة وكريمة، ويكفيها شعورها بذلك فخراً وعزّاً وكرامة، بل سعادة.. هذا فضلاً عن ثواب الآخرة، وذلك هو الفوز العظيم.
قال تعالى: (مَن عمل صالحاً فلنفسه ومَن أساء فعليها) (فصِّلت/ 46).
وقال جلّ شأنه: (فأمّا مَن تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين) (القصص/ 67).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق