العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله
نقرأ في القرآن قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال/ 2).
فالمؤمنون هم هؤلاء، ومن خلال أداة الحصر (إنما) فإن من لا يتصف بهذه الصفات فليس مؤمناً في عمق الإيمان. فأن تؤمن بالله هو أن تتجلى عظمة الله في نفسك في كلّ مواقع العظمة في صفاته، وفي كلّ آفاق العظمة في ذاته. وأن تؤمن بالله يعني أن ينفتح فكرك وقلبك وإحساسك على أنعم الله لتتحسسّ ارتباط وجودك به في كلّ تفاصيله من خلال ارتباطه بالنعم التي أسبغها الله عليك.
ومن هنا فإن صدقك في الإيمان هو أن لا تذكر الله عندما تذكره، أو تسمع ذكر الله عندما تسمعه، تماماً كما تذكر أيّ اسم لأي إنسان أو لأي شيء، أو كما تسمع أي اسم فلا يهتز قلبك ولا يخشع عقلك، ولا يخضع كيانك، فالله تعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)، كما توجل القلوب عندما تخضع لذكر العظيم، وهذا ما نلاحظه أمام الذين نتمثل عظمتهم في القوة في الواقع حيث نشعر بالرهبة وبالخوف وبالوجل عندما يذكرون، ألا يقال بأن فلاناً يرتجف الناس من ذكر اسمه من جهة بطشه وقوته وقدرته؟.
ولكننا استهلكنا ذكر الله بحيث لا يوحي لنا بشيء، وقد قال سبحانه وتعالى وهو يصور لنا هذه الحالة فينا: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر/ 67)، وقد عبّر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) عن هؤلاء المؤمنين الذين يعيشون هذا الإحساس بالوجل أمام الله من من خلال الشعور بعظمة الله، حيث يقول: "عظم الخالق في أنفسهم فصغر مادونه في أعينهم" فلقد تمثلت عظمة الله في النفس بحيث ملأت كلّ وجدان الإنسان فلم يرم أحداً عظيماً قبال عظمة الله سبحانه وتعالى، بل عندما دخل في مجال المقارنة رأى أنّ الآخرين صغار صغار.
فإذا كان الله يحصر المؤمنين في هؤلاء فعلينا – أيها الأحبة – أن نعمل على تربية عظمة الله في نفوسنا بالتفكّر في مواقع العظمة وفي مواقع النعمة وفي الإحساس بالفقر المطلق فينا إلى الله الغني المطلق عنا، وأن نمارس ذلك ذكراً وعبادة وفكراً، وما إلى ذلك.
المعرفة زيادة في الإيمان:
(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) إذا تليت عليهم آياته الكونية وآياته القرآنية بحيث أن إيمانهم يتحرك ويتطوّر ويزيد من خلال زيادة المعرفة، فكلّما عرفت الله من خلال آياته أكثر، عرفت عظمته على أساس ما تفهمه من أسرار هذه الآيات أكثر، وهذا ما عبر عنه الله تعالى في قوله: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (آل عمران/ 191)، وينتهون إلى النتيجة (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) (آل عمران/ 191)، فنحن نستوحي من ذلك عظمتك ونستوحي عبادتك (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 191).
وهكذا (إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ)، آيات القرآن من خلال النور الذي يشرق من كلّ آية (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ) (المائدة/ 15)، (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (المائدة/ 16)، وهو الهدى، فعندما تتلى عليهم آياته فإنها تزيدهم إيماناً لأنها تزيدهم معرفة بالله سبحانه وتعالى ومحبة له وخوفاً منه.
من هنا جاء القرآن الكريم وجاءت السنّة الشريفة بالحثّ على قراءة القرآن (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد/ 24).
المصدر: كتاب الندوة 4/ محاضرات ومطارحات في العقيدة والتربية والفقه والسيرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق