• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معاني الخلود في النهضة الحسينية

عمار كاظم

معاني الخلود في النهضة الحسينية

لقد كانت واقعة الحركة الحسينية حادثة محيّرة ونادرة في التاريخ، يصعب علينا أن نجد المبرّرات أو التفسيرات المناسبة لها، وأنّ ملابسات ثورة الإمام (عليه السلام) تظهر عظمتها من خلال الثورة نفسها، فقد كان يتحرك هذا الإنسان العظيم في سياق منطق أوسع من المنطلق المحدود، فإنّ منطق الإمام يستند إلى ضرورة حفظ الدين، والإيمان، والعقيدة، وأنّ التحقّق في منطق سيِّد الشهداء، يُثبت بأنّ التعليمات الإلهية لا يمكن أن تتلائم مع الأمزجة الروحية والبنية الأخلاقية لبني أُميّة.

الحسين (عليه السلام)، سليل الرسالة، كان ولا يزال من أبرز من تخلّد في التاريخ الإنساني، وفي جميع المراحل التاريخية، وثورته من أروع ما ظهرت على صفحات التاريخ من العطاء والعظمة ممّا بقيت تشعّ في بناء الفكر الإنساني، فقد تحقّق بها المعجز على مسرح الحياة، وكانت ولا تزال الثورة القائدة للمسيرة الإنسانية نحو أهدافها وآمالها، ولهذا كُتِب لثورة الحسين الخلود، لأنّها تشتمل على الحقيقة الحيّة الدائمة.

قد يتصوّر الإنسان بأنّ القضاء على الخصم وبأيّ وسيلةٍ كانت، هو الوصول إلى الهدف المراد، لا سيما إذا كان الهدف مادّي، كالوصول إلى المُلك والسلطان، ولا نجد منهم إلّا الكفر والإلحاد ولا يرجون وقاراً للإسلام. إنّه ومن دون شكٌ لم يدخل أي بصيص من نور الإسلام في قلوبهم ومشاعرهم، وقد ظلّت نفوسهم مترعة بروح الجاهلية ونزعاتها، وليس ببعيد عليهم وهم يحملون الحقد والعداء للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكفرون بجميع ما جاء به لهم من هدىً ورحمةً للناس.

أمّا المصلح فهو الذي يتيقّن من تحقّق إرادته، ولا يهمّه عند ذلك التضحية أو بذل الدم، ما دامت نهضته تحقّق إرادته. لقد صنع الإمام (عليه السلام)، لا سيما في يوم الطف، الكرامة الإنسانية التي يسمو بها كلّ إنسان، وحسب هذا الإنسان العظيم وحده في تاريخ الإنسانية، قدّم أنبل التضحيات في سبيل ما يرتئيه ضميره من إشاعة الحقّ والعدل بين الناس.

لقد كانت صور الفداء التي بذلها أهل وأصحاب الحسين (عليه السلام) لإقامة الحياة الكريمة في الإسلام، مذهلة اهتزّ من هولها الضمير الإنساني، فآلامها التي أثيرت عميقة في دخائل القلوب، وآثارها المشرقة التي بقيت تزدهر على مدى التاريخ، وأثرت في النفوس احساباً بقيت مظاهرها تشعّ في النفوس وتتوقّد في الضمائر الحيّة.

إنّ الميزة المهمّة التي تميزت بها قضية الحسين (عليه السلام) وثورته الكبرى، هو الصمود الرائع أمام الأحداث المفزعة، وانعكاس آثارها على ضمائر ونفوس الأُمّة، وتحمّلهم لصبرٍ لا حدّ لأبعاده، وكان هذا سرّ خلود نهضة الحسين (عليه السلام)، وستبقى بمُثُلها تُضيء الطريق، حيث وفرت للأُمّة العطاء الدائم. أنّ كلّ حركةٍ للثورة هي حركة في اتجاه الدعوة، لأنّ الثورة تعمل على سدّ الثغرات التي ينفذ منها الكفر والضلال في واقع المؤمنين، وإغلاق النوافذ التي تتحرَّك من خلالها رياح الانحراف في أجواء المسلمين، كانت تعمل على إثارة اليقظة في العقول النائمة، وتحريك الوعي في الأحاسيس الجامدة، وفتح القلوب على المفاهيم الخيّرة. فهي تختصر المراحل البعيدة، لتجمعها في حركة فاعلة في اتجاه النتائج الحاسمة في الحياة. لذلك كانت ثورة عاشوراء تنطلق في اتجاه الدعوة، من خلال انطلاقها في عنوان الإصلاح في أُمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يحمل في داخله إصلاح الخط الفكري والعملي، لنفتح الناس على الإسلام كلّه حتى لا يثقلهم الانحراف الواقعي فيبعدهم عن الاستقامة الفكرية.

أسمى درس نتعلّمه من مأساة كربلاء هو أنّ الحسين (عليه السلام) وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله وقد أثبتوا بعملهم ذاك أنّ التفوُّق العددي لا أهمية له حين المُواجهة بين مبادئ الحقّ والعدل من جهة ونوازع الظلم والباطل من جهة أخرى.

ارسال التعليق

Top