يدعو القرآن الكريم في كثير من آياته إلى التفكّر في الآيات السماوية والنجوم المضيئة، والاختلافات العجيبة في أوضاعها والنظام المتقن الذي تسير عليه.
ويدعو إلى التفكّر في خلق الأرض والبحار والجبال والأودية وما في بطون الأرض من العجائب، واختلاف الليل والنهار وتبدّل الفصول السنويّة.
ويدعو إلى التفكّر في عجائب النبات والنظام الذي يسير عليه وفي خلق الحيوانات وآثارها، وما يظهر منها في الحياة.
يدعو إلى التفكّر في خلق الإنسان نفسه والأسرار المودعة فيه، بل يدعو إلى التفكّر في النفس وأسرارها الباطنيّة وارتباطها بالملكوت الأعلى. كما يدعو إلى السير في أقطار الأرض والتفكّر في آثار الماضين والفحص في أحوال الشعوب والجوامع البشريّة وما كان لهم من القصص والتواريخ والعبَر.
بهذا الشكل الخاصّ يدعو القرآن إلى تعلّم العلوم الطبيعية والرياضية والفلسفية والأدبية وسائر العلوم التي يمكن أن يصل إليها الفكر الإنساني، يحثّ على تعلّمها لنفع الإنسانية وإسعاد القوافل البشريّة.
وهذه بعض الشواهد التي حفَّزت المسلمين الأوائل على سلوك المنهج العلميّ، وتتبُّع طرائقه:
يقول سبحانه وتعالى في سورة فاطر: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) (الحج/ 63)، إلى قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر/ 28)...
وفي قوله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذاريات/ 20)، نجدها دعوة لتقصِّي علوم طبقات الأرض (الجيولوجيا).. ثمّ يتبع تعالى ذلك بقوله: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات/ 21)، لتكون دعوة للاستزادة والتوسّع في علوم الطبِّ والتشريح؛ بل وفي علم النفس أيضاً.
وفي قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ) (آل عمران/ 191)، وكذلك في قوله تعالى في سورة يونس: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس/ 5)، نجد في كلُّ ذلك نداء لعلماء الفلك؛ للمضيِّ قُدُماً في متابعة هذا العلم...
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تفتح للعلماء آفاقاً علمية ومعرفية واسعة في كافّة مجالات العلم...
نعم يدعو القرآن إلى هذه العلوم شريطة أن تكون سبيلاً لمعرفة الحقّ والحقيقة ومرآة لمعرفة الكون التي في مقدّمتها معرفة الله تعالى.
وأمّا العلم الذي يشغل الإنسان عن الحقّ والحقيقة فهو في قاموس القرآن مرادف للجهل، قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم/ 7).
وقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ) (الجاثية/ 23).
فالقرآن الكريم بترغيبه في تعلّم مختلف العلوم، يعلّم دورة كاملة من المعارف الإلهيّة وكليّات الأخلاق والفقه الإسلاميّ.
المصدر: كتاب دروس قرآنيّة/ سلسلة المعارف الإسلامية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق