• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مصعد فضائي من الأرض إلى القمر!

مصعد فضائي من الأرض إلى القمر!
 الخيال العلمي الذي أصبح حقيقة السفر إلى الفضاء لن يكون بحاجة في القريب العاجل إلى رواد فضاء ومركبات وسترات خاصة وتدريبات معقدة شاقة، بل بضغطة زر واحدة ستصعد من الأرض إلى القمر كما لو أنك تنتقل في بناية تقطن فيها من طابق إلى آخر، مع فروق التقنية المتطورة في المصعد الفضائي الذي تتسابق العديد من الشركات الخاصة على تطويره. ربما يبدو الأمر مزحة من العيار الثقيل، أو شطحة خيالية جامحة، ولكن لا أحد ينكر أنّ الكثير من أعظم الاختراعات العلمية التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية بدأت في الأساس كنوع من الخيال العلمي الذي راود أحلام المفكرين والحلم سرعان ما تحول إلى حقيقة، وينطبق ذلك على قائمة طويلة من الإختراعات بدءاً من الطائرات ومروراً بالقنبلة النووية وانتهاءً بالإنترنيت. وعلى سبيل المثال، فإنّ الكتاب والمفكرين تنبؤوا بالهبوط على سطح القمر في القرنين التاسع عشر والعشرين قبل مئة عام كاملة من هبوط رائد الفضاء الأمريكي الراحل "نيل أرمسترونغ" على سطح القمر عام 1969، ووصل الكتاب والمفكرين إلى درجة من الدقة في التنبؤ بما سيحدث في المستقبل كما لو كانوا يرون الأحداث كشهود عيان. وعلى سبيل المثال، أبدع الكاتب الفرنسي " غوليز فيرنيه" قصته الشهيرة "من الأرض إلى القمر" في عام 1860، والتي روى فيها تفاصيل أول بعثة فضائية إلى القمر تضم ثلاثة من رواد الفضاء داخل كابينة كبسولة مصنوعة من الألمنيوم. ومن المفارقات العجيبة أن وليز اختار اسم "كولومبيا" لمركبته الفضائية، وهو لم يكن بعيداً عن الاسم الذي اختارته وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" للمركبة "كولومبيا" بعد ذلك بمئة عام. والأغرب من ذلك، أن غوليز ذكر في قصته أنّ المركبة الفضائية حال عودتها إلى كوكب الأرض ستهبط فوق المحيط الهادئ، وتقوم إحدى سفن البحرية الأمريكية بسحبها وهو ما حدث بالضبط، بل إن غوليز كان قادراً على التنبؤ بظاهرة انعدام الجاذبية في الفضاء الخارجي، وهو ما اكتشفه العلماء بعد نحو قرن من الزمن!   - برج الفضاء: استوحى عالم الرياضيات الروسي كونستانتين تسيلكوفاسكي خلال زيارته لبرج "إيفل" في فرنسا فكرة تصميم برج تُستخدم فيه الحبال لجذب كبسولة في الفضاء، ولكن فكرة كونستانتين ظلت محض خيال بسبب عدم وجود مواد من المتانة والقوة بما يكفي لصنع الحبال التي تقوم بسحب الكبسولة. ولكن الفكرة عادت للحياة من جديد، عندما اكتشف عالم ياباني في عام 1991 أنابيب الكربون، وهي أكثر قوة من الصلب بمقدار مئة مرة، وفتح هذا الاكتشاب آفاقاً رحبة أمام العديد من الخطط الحكومية الفضائية والمشروعات الخاصة والأبحاث العلمية، من أجل ابتكار مصعد فضائي يلعب دوراً مماثلاً للدور الذي لعبته السفينة "سبيس شيب وون"، وهي أوّل مركبة فضائية خاصة طورتها شركة "سكيل كومبوزيتس" (Scaled Composites) الأمريكية التي يملكها "ألبرت روتان"، وهو مهندس سابق في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا". وعلى رغم تعدد الأطراف التي تسعى لتطوير المصعد الفضائي، فإنّ الفكرة لم تدخل حيز التنفيذ إلا على يد شركة لايفبورت (Life port) الأمريكية التي تتخذ من مدينة سياتل مقراً لها، وهي شركة متخصصة في صناعة المصاعد. ويقول مايكل ليان رئيس الشركة، وهو عالم سابق في وكالة الفضاء الأمريكية إنّ المصعد الجديد سيكون قادراً على حمل الناس والمؤن من الأرض إلى القمر بكل سهولة وأمان وبتكلفة منخفضة جدّاً. وعلى رغم أنّ الشركة مازالت بعيدة عن أن ترى حلمها يتحول إلى حقيقة، فإن ليان يؤكد أن بناء المصعد المقترح أمر ممكن بالتقنيات الموجودة اليوم، ويتوقع أن ينتهي من إنجاز مهمته خلال ثماني سنوات فقط إذا توافر له التمويل اللازم. ويقول ليان إن فكرة بناء المصعد تقوم على تشييد منصة بالونية تسبح في الفضاء ويتم إطلاقها من خلال حل صاروخي منفرد مماثل للحل الصاروخي الذي استخدم في إطلاق مركبة الفضاء السوفيتية "سبوتنيك" لحمل المصعد إلى مسافة 32 كيلومتراً في الفضاء كمرحلة أولى، وهو ما يحتاج إلى جمع مبلغ يقارب 3 ملايين دولار، وتشن الشركة حملة ضخمة من أجل جمع التبرعات لتمويل المشروع، ولكنها تقول إنّ الحملة لا تستهدف جمع المال فقط، ولكنها تستهدف أيضاً حشد طاقات الأشخاص والعلماء المتحمسين للفكرة.   - منعطف تاريخي: يقول ليان إنّ فكرة المصعد الفضائي لن تشكل فقط نقلة نوعية في طريقة سفر البشر في الفضاء، ولكنها ستشكل أيضاً منعطفاً تاريخياً في حركة الكشوف الفضائية ومسيرة الحضارة بصفة عامة، مشيراً إلى أن تشييد المصعد الفضائي يمكن أن يخفض تكلفة نقل رطل واحد من المواد من الأرض إلى الفضاء من عشرة آلاف دولار إلى مئة دولار فقط، وهو ما يفتح الطريق أمام إقامة مستعمرات فضائية بتكلفة معقولة. ويشير إلى أن إنشاء منصة مصعد فضائي على القمر أسهل من إنشاء منصة مصعد فضائي على الأرض، لعدة أسباب في مقدمتها أن شدة الجاذبية على سطح القمر أقل بكثير من شدة الجاذبية على الأرض، كما أنّ القمر من دون غلاف جوي تقريباً، وجميع هذه العوامل تؤثّر بشدة في الضغوط التي يجب أن تتحملها الحبال المعدنية أو الكوابل والتي ستقوم بسحب البالون إلى الفضاء، بصرف النظر عن نوعية المواد المصنوعة منها. ويوضح ليان أن بداية المشروع ترجع إلى فترة عمله في معهد أبحاث المفاهيم المتطورة التابع لوكالة ناسا خلال الفترة بين عامي 2001 و2003، مشيراً إلى أنّه انتقل بعد ذلك لتأسيس شركة "لايفبورت" التي تخصصت في تصنيع الروبوتات القادرة على تسلق مسافات تصل إلى ميل كامل أي ما يعادل 1.6 كيلومتر عبر منصة بالونية ترفع بالحبال. ويضيف: إنّ المنصة البالونية لا تستهدف القمر فقط، وإنما يمكن استخدامها أيضاً كأبراج اتصال رخيصة الثمن لتوفير خدمة الإنترنت اللاسلكي، كما أنها يمكن أن تلعب دوراً مهماً في مراقبة المحاصيل والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية وحرائق الغابات. وفي الواقع فإنّ شركة "لايفبورت" ليست الشركة الوحيدة التي تسعى إلى تطوير المصعد الفضائي، وإنما هناك عدة شركات أخرى تنافسها في هذا المجال، فعلى سبيل المثال تقوم شركة "ليزر موتيف" (Laser Motive) والتي فازت من قبل بمسابقة المصعد الفضائي التي نظمتها وكالة ناسا بجهود مماثلة لتطوير مصعد فضائي لا يعمل بالدفع الصاروخي، كما تقوم شركة "أوبايشي كورب" (Obayashi Corp) اليابانية بتطوير مصعد مماثل بنهاية عام 2050.

ارسال التعليق

Top