الخوف أمرٌ طبيعي في حياة الطفل، ردُّ فعل يقوم به الجسم من أجل رفع حال التأهُّب وأخذ الحيطة؛ ولكنّ تطوّر هذا الخوف لمرحلة متقدِّمة وتواصله يُمسي اضطراباً نفسياً يُسمّى الفوبيا (الرهاب) أي القلق الدائم، ما يقود إلى تعرقل الحياة بشكل تام.
يشرح المستشار الأُسري والتربوي حارث علي العسيري إنّ «الرهاب في مستواه البسيط، يتمثَّل في الخوف من صور ذهنية ومواقف مُعيّنة أحدثت للمرء الألم، وانطبعت في ذاكرته. مثلاً: إذا احترقت يد الطفل وشكا الألم جرّاء ذلك، يتولَّد لديه خوف من تكرار التجربة».
والشائع بين الأطفال حسبه، الرهاب من الظلام، الذي يُمثِّل إحدى علامات عدم الفهم الكامل لأي ظاهرة يتعرّض لها الإنسان، كما من الحيوانات.
الحال التي تصيب الأطفال من سنِّ سنتين إلى أربع سنوات، وذلك لخشيته من كلِّ أمر جديد وغير مألوف له، وليس بالضرورة أن يكون سبق أن تعرَّض لموقف مؤذٍّ من هذه الحيوانات؛ ولكن لقلّة نضجه. فقد يكون الخوف انتقل إليه من والدته التي ترعبها الكلاب، مثلاً. وكذا الخوف من الأماكن العامّة الممتلئة بالأطفال، كالمدرسة والنادي والحدائق و...
* خاص بالأبوين:
يدعو العسيري الآباء والأُمّهات إلى أن يتحلّوا بالهدوء وأن يمنحوا أطفالهم الاستقرار النفسي والأمان العاطفي من أجل مساعدتهم في تجاوز رهابهم.
وفي هذا الإطار، يُفيد الآتي:
- محادثة الطفل الذي يشكو من الرهاب، ما يكسر الحواجز، ويساعد الوالدين في فهم مخاوف طفلهما، مع محاولة تسكينها.
- بناء ثقة الطفل بنفسه، ما يساعده في تجاوز مخاوفه مستقبلاً لوحده، ويتمُّ ذلك من خلال أمرين: الأوّل تعليمه التحدُّث مع الذات بطريقة عميقة: «أنا أستطيع، لا شيء يبقى على حاله...»، والثاني ربطه برابطة روحية من خلال إسماعه القرآن أثناء النوم، وتعليمه ترداد عبارة «الله معي، فلن أضيع».
- تطبيق إستراتيجية التأقلم التدريجي، بمعنى إن كان الطفل يخاف من النوم في الظلام، فيستطيع المربّي الذهاب مع الطفل لسريره وخفض درجة الإضاءة كلّ يوم تدريجياً، مع النوم معه في بادئ الأمر، وذلك حتى يعتاد الأمر. وإن كان الصغير يخاف من الأطفال الآخرين في التجمُّعات، نستطيع في البداية مشاركته التواجد في هذه الأمكنة، ثمّ تقليل فترات البقاء معه فيها، فالانسحاب منها، وهكذا.
- ربط خوف الطفل من أمر ما بفعل سارٍّ له، فإذا كان الطفل على سبيل المثال يخاف من الظلام، يمكن صلة هذا الأخير بما يحبُّه، كأن نضع قطعة من الشوكولاتة في غرفة مظلمة ونطلب إليه أن يحضرها. وما تقدَّم يُعزز لديه ربط الظلام بأُمور جميلة يحبّها ويجعله مع الوقت يتجاوزها.
- القصص تُساعد الطفل في تجاوز الفوبيا التي يشكو منها، فهي تؤثِّر فيه، وتُعتبر جزءاً من الرسائل التي تُرسل إلى عقله اللاوعي.
* نصائح للآباء والأُمّهات:
على الأب والأُم أن يكونا حريصين على عدم نقل مخاوفهما لأطفالهما، وذلك عبر كتم هذه الأخيرة، لتجنّب معاناتهم مستقبلاً. كما يجدر بهما اتّباع النصائح الآتية:
- إيّاكما من الاستهزاء من مشاعر الطفل ومخاوفه أو تعنيفه عليهما، فمن مترتبات هذا الأمر السلبية أن يخفي الصغير عن والديه شعوره بالخوف والقلق، ما يُفاقم المشكلة ويُعقِّدها على الصعيد النفسي.
- من الضروري أن يتجنّب الأب أو الأُم إجبار الطفل بعمل أمر لا يريده، كإجباره مثلاً على الجلوس في الظلام، فهذا الأمر يزيد الأُمور سوءاً ولا يصلحها.
- إيّاكما من إشعار الطفل بأنّكما يئستما من تكرّر مظاهر الخوف لديه، ما سيدفع به إلى العزلة والبُعد عن مشاركتكما مخاوفه، وستزداد بالتالي حالته سوءاً.
- من الهام أن يعرف الأهل بأنّ التعامل مع الطفل يختلف بحسب نوع الفوبيا التي يشكو منها، ولابدّ من التوجّه لمستشار تربوي أو طبيب لعلاج هذا الاضطراب.
- على الأبوين أن يُراقبا محتوى ما يشاهده الطفل على التلفاز والـ(يوتيوب)، مع تجنّب تعريضه لصور أو مناظر مُرعبة، فمن شأن هذه الأخيرة أن تُنشِّط الخوف الذي يعيشه دماغ الطفل وتفكيره بسبب القدرة الكبيرة على التخيُّل.
*رباز حجير
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق