الأهل والمدرسة والاختصاصي النفسي، ثلاثة أعمدة لا يمكن الاستغناء عنها في مساعدة التلميذ على تخطي الفوبيا المدرسية "يشعر سامي بآلام في المعدة وأحياناً الغثيان كلّ صباح أثناء استعداده للذهاب إلى المدرسة، والغريب أنّه صباح يوم العطلة الأسبوعية يستيقظ نشطاً لا يشكو أي ألم". لماذا إذاً تنتابه هذه الآلام عند الصباح المدرسي؟ وهل سامي مصاب بالفوبيا المدرسية؟ وماذا تعني الفوبيا المدرسية؟ حملنا هذه الأسئلة وغيرها إلى الاختصاصية في علم النفس الطفل فرح تميم وتلقينا الإجابة عنها.
ما هي الفوبيا المدرسية؟
في البداية ينقسم الاختصاصيون حول تسمية الخوف من المدرسة والفوبيا المدرسية. فبعضهم يرى أنّ الأعراض التي تنتاب التلميذ، مثل الشعور بالغثيان أو آلام في الرأس أو آلام في المعدة، قبل الذهاب إلى المدرسة سببها الشعور بالخوف من المدرسة، أمّا القسم الثاني فيرى أنّها فوبيا أو رهاب مدرسي.
وفي المقابل، يشعر الأهل بالحيرة أمام هذا الوضع وبالتالي لا يتمكنون من التمييز بين الكوميديا والدلع والاضطراب العاطفي. وعلى عكس ما يظنه الكثيرون، فإنّ التلميذ الذي يصبح مريضاً عند ذهابه إلى المدرسة ليس كسولاً أو غير متحمس للمدرسة، وإنما بكلّ بساطة قد يكون يعاني الخوف من المدرسة. وهكذا فإنّ التلميذ الذي ينتابه شعور قوي بالخوف من المدرسة يعاني قلقاً شديداً يظهر في شكل اضطرابات جسدية ونفسية، تقيّؤ وبكاء وقلق. وإذا لم تحدّد أسباب هذا الشعور السيئ، فإنّ التلميذ قد يصبح عرضة للإصابة بالفوبيا المدرسية.
ما هي أسباب الخوف المدرسي أو الرهاب المدرسي؟
لهذا الخوف أو الفوبيا المدرسية أسباباً عدة خصوصاً عند التلامذة الصغار. منها:
- قلق الطفل من الانفصال عن أهله، فهو لا يخاف فعلاً من المدرسة وإنما لا يريد ترك مكان يشكّل بالنسبة إليه صمّام أمان، وهذا يصاب به الكثير من الأطفال الذين يذهبون للمرة الأولى إلى المدرسة، وقد يستمر أسبوعاً ويختفي بعد أن يطمئن الطفل إلى أنّ غياب والدته عنه موقت. لذا يكون الحل في تعويد الطفل على الانفصال تدريجيّاً، كأن تتركه والدته عند جدّته نصف ساعة، أو يمكنها إشراكه في نشاط رياضي لمدة ساعة، وهكذا إلى أن يعتاد الانفصال الموقت. فهو بعد عودته يجد والدته في انتظاره مما يبدد خوفه من أنّه لن يراها مجدّداً.
- قد يكون سبب الخوف المحيط المدرسي، أي تعامل معلمة الصف، فبعض التلامذة حسّاسون وفي أحيان كثيرة لا يستطيعون التمييز بين مزاح المعلمة أو جدّيتها، فمثلاً قد تبالغ المعلّمة في رد فعلها إذا ارتكب الطفل خطأ، أن يكتب على اللوح بشكل متعرج، فتعلّق المعلمة بطريقة مازحة ظناً منها أنها تنبهه إلى خطأه بطريقة طريفة، فيما يشعر الطفل بالخجل خصوصاً إذا ضحك رفاقه. في هذه الحالة قد يشعر التلميذ بعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، لأنّه في الأمس كان موضع سخرية.
- اضطرابات تعلمية مثل الديسليكسيا أو ديسغرافيا أو الديسبراكسيا، فبعض التلامذة يعانون اضطرابات وصعوبات تعلمية، وإذا لم يتدارك الأهل هذا النوع من المشكلات، فإنّ الأمور تسوء ويصبح التلميذ عرضة لأن يزداد خوفه المرتبط بالمادة المدرسية ويظهر الاضطراب لديه. فالمصاب بالديسليكسيا يخشى الإملاء والمصاب بديسكالكولا يقلق من مسابقة الرياضيات. وبالتالي يواجه الخوف من الفشل المدرسي، الذي بدوره يقوده إلى الفوبيا المدرسية.
- تعرّض التلميذ للضغط الكبير من أهله الذين يطالبونه بمزيد من النجاح ويتوقّعون درجات ممتازة، مما يعرّض التلميذ لأن يصبح ضحية الفوبيا المدرسية بسبب الخوف الشديد من عدم تحقيق توقّعات أهله. فتقويمه الذاتي ضعيف جدّاً وثقته بنفسه معدومة، فقد يكون التلميذ ضحية اعتداء أو تنمّر في المدرسة، فيخشى الذهاب إليها لأنّ هناك من يهدّده أو يعتدي عليه سواء كان الاعتداء لفظياً أو جسدياً.
- وهناك سبب مهم جدّاً على إدارة المدرسة التنبه له، ففي بعض المدارس يستقبل التلامذة في الأيّام الأولى أساتذة يتكلّمون إليه لغة أجنبية مما يثير الخوف عند بعض التلامذة الذين لا يتكلمون اللغة الأجنبية في بيوتهم، وبالتالي يشعرون بأنهم لا ينتمون إلى هذا المجتمع الجديد. لذا كاختصاصيين ننصح بأن يخاطب الأساتذة التلامذة بلغتهم الأُم ليشعروا بالراحة والانتماء.
تبعاً لهذا ما هي أعراض الإصابة بالرهاب المدرسي؟
يظهر الطفل قلقاً شديداً يترجم باضطرابات جسدية ونفسية تظهر فقط في اليوم المدرسي. من الناحية الجسدية يشعر الطفل بالغثيان وآلام في الرأس وآلام قوية في المعدة وارتفاع في نبضات القلب وصعوبات تنفسية وارتعاشات ودوخة. أما على الصعيد النفسي فيخشى التلميذ، ولا سيّما المراهق، المصاب بالفوبيا المدرسية خسارة السيطرة على نفسه، والخوف من الجنون أو الموت، فيما لا تظهر هذه الأعراض الجسدية والمخاوف العاطفية أيام العطل الأسبوعية أو الإجازات.
كيف يمكن الأهل التمييز بين الفوبيا المدرسية والخوف العابر؟
لتحديد ما إذا كان التلميذ مصاباً برهاب المدرسة، يجدر أن تظهر الأعراض التي ذكرتها بشكل متكرر ومجتمعة، إذ لا يجوز الحكم لمجرد أنّ التلميذ مرّ بفترة من الشعور بالإحباط والتوتر. بعبارة أخرى قد يعاني التلميذ الفوبيا المدرسية من اللحظة الذي يستمر فيها شعوره بالحزن الذي يتحول إلى معيق لحياته ويشعر من حوله بالعجز.
أحياناً نجد هذا الخوف طارئاً خصوصاً عند تلامذة المرحلة الابتدائية أو المتوسطة، لماذا؟
إذا لم تكن المسألة متعلّقة بحدث طرأ على المحيط العائلي، كحادث وفاة أو طلاق، يجب أن نتحقق من طريقة تعامل المعلّمة الجديدة مع التلميذ. فبعض الأساتذة للأسف يحكمون على سلوك التلميذ الذي ترفّع إلى صفهم تبعاً لملاحظات سابقة أشارت إليها معلمة سابقة. مثلاً كأن تقول معلمة لزميلتها "هذه السنة ستدرّسين فلاناً، يا إلهي سوف يجعلك تفقدين صوابك، أو تقول لها كسول"... فتقوم هذه المعلمة في اليوم الأوّل للمدرسة بمناداته وعندما يرفع يده تهدده قبل أن تتأكّد من الأمر مما يجعله يشعر بالخوف والإحباط. لذا ننصح الأساتذة ونحذّرهم دائماً من هذه المسألة.
كذلك قد لا يتمكن التلميذ من الإندماج مع زملاء الصف الجدد، أو أنّه يتعرض للتنمّر من بعضهم. أو أن توقّعات الأهل تغيرت وباتوا يضغطون على التلميذ ليحوز علامات مرتفعة، فبعض الأهل عندما ينتقل التلميذ إلى مرحلة جديدة يثيرون الخوف فيه من المرحلة، كأن يقولوا له "هذه السنة صعبة وعليك الانتباه والتركيز والحصول على درجات عالية". وهذه العبارة رغم بساطتها قد تشكّل عائقاً نفسياً عند التلميذ، خصوصاً إذا كانت ثقته بنفسه ضعيفة.
كيف يمكن الأهل مساعدة ابنهم على تخطي الخوف من المدرسة؟
إذا كان التلميذ يشعر بالخوف أو الألم لذهابه إلى المدرسة. هناك تصرفان يجب تجنبهما. الأوّل يتعلق بقبول رفض الطفل "لا تريد الذهاب إلى المدرسة إذاً إبقَ في المنزل"، فكلما غاب عن المدرسة زاد شعوره بالألم بالعودة إليها. أما التصرف الثاني الذي يجب تجنبه فهو تجاهل ألم الطفل: "أنت تمزح سوف أجبرك على الذهاب إلى المدرسة". وإذا كان الطفل يفعل كلّ شيء ليتهرّب من الذهاب إلى المدرسة، يجب التحاور معه ومع أساتذة المدرسة لمعرفة أسباب غيابه. فعلى الأهل أن يكونوا حذرين جدّاً وأن يتفهموا الأمر بمساعدة الاختصاصي.
متى ومن يقرر أنّ التلميذ بحاجة إلى طبيب نفسي يعالج بالدواء؟
إذا باءت كلّ محاولات المدرسة والأهل والمعالج النفسي بالفشل، يطلب هذا الأخير تحويل التلميذ إلى طبيب نفسي لتشخيص الوضع الذي قد يتطلب دواء. والطبيب النفسي وحده مخوّل وصف الدواء المناسب للتلميذ الذي يعاني الفوبيا المدرسية. أما في ما يتعلق بالمراهق، فإنّ المسألة تكون أصعب لأنّ الأمور تراكمت على مدار السنين وبالتالي ازدادت صعوبة حل اللغز لإيجاد السبب الرئيسي للرهاب المدرسي.
ما هي العلاجات؟
علاج التلميذ من الفوبيا أو من الخوف المدرسي، يقوم على ثلاثة أعمدة: الأهل والمدرسة والاختصاصي. دور الأهل الحوار مع التلميذ ودعمه معنوياً والتحقق من أسلوب التعامل معه في المدرسة، ودور المعلمة تغيير أسلوب تعاملها، فيما الاختصاصي يكشف الأسباب ويحدّدها ويرسم الخطوات التي على الأهل والمدرسة اتباعها.
وبعد إجراء تقويم لسلوك التلميذ ولمحيطه ولسنّه، ومشاكله الجسدية، أي التأكد من أنّه لا يعاني مرضاً عضوياً يسبّب له آلام الرأس أو المعدة، وحالته النفسية وحماسته للمدرسة وحجم غيابه، إضافة إلى الاطلاع على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للطفل. عندها نحدّد العلاج الملائم لحالته.
الكاتبة: ديانا حدّارة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق