عيب في اليابان أن يرن هاتف الجوال في الأماكن المغلقة. هذا يعدّونه قلة ذوق، وإزعاجاً للآخرين؛ لذلك في كلّ القطارات والمطاعم توجد علامة: (ممنوع أن يرن الجوال).
كما تعلمون في الجوال هناك أوضاع مختلفة: (الهزاز، الصامت، السيارة... إلخ)، هل تعرفون ما هي تسمية وضع "الصامت" في الجوال الياباني؟ التسمية هي: "Manners mode" يعني بالعربي وضعية: "الأخلاق"!! تعجبت من هذه التسمية، ثمّ قلت في نفسي: ليست غريبة على اليابانيين! فبالنسبة للياباني هو أن يضع الهاتف على الصامت؛ حتى لا يزعج غيره، ومن ثمّ لأن هذه هي "الأخلاق" وعليه كان من الطبيعي لديهم تسمية هذا الوضع في الجوال: "الأخلاق"!
أتعجب كيف أنّ الثقافة لدى بعضنا هي العكس تماماً! وأعني بالعكس يعني 180 درجة! عندما يفتخر الشخص أنه يرفع صوته في الجوال، وكأنه يريد أن يسمع الناس. تجد الشاب يريد أن يسمع الناس أنه يكلم بنتاً، ورجل الأعمال يريد أن يسمع الناس أنّه يتكلّم بملايين، وآخر يريد أن يسمع الناس من منطلق الرجولة أنه ما شاء الله "رجل" وما يهمه إزعاج الآخرين؛ لأنّه هو "المهم". والأعجب أنك إذا تحدثت إلى هذا الشخص، وقلت له: يا أخي، أخفضْ صوتك! انزعج وتأفف وقال: (وأنت إيش دخلك!!) سبحان الله إيش دخلني؟؟ دخلك أنك أزعجتني يا أخي!! لي حق أن لا أنزعج من صوتك العالي؟؟ (وإيش) ذنبي أنا أسمع مشكلاتك في العمل، ولا غرامياتك، ولا نكتك مع صديقك؟؟ يا أخي؟ أنت في مكان عام ولست في بيتك.
ليس المشكلة أنّ الناس تعلي صوتها، المشكلة الأكبر أنها لا تعدّ أن هناك شيئاً خطأ، وأنها لا تعطي أي اهتمام للآخرين، وأنها تغضب بكل كبر وغرور إذا أحد نصحها!!
وطبعاً لن أدخل هنا في موضوع الجوالات في المسجد؛ لأن هذا أمر حدث فيه ولا حرج وتكلم فيه كثير غيري! ولكن التعليق الوحيد لدي في هذا الأمر أنّ الياباني يحترم غيره في المطعم والقطار أكثر من احترام المصلي لغيره في المسجد. ولا تقولوا لي الناس تنسى؛ لأني لم أرَ أحداً ينسى في القطارات في طوكيو!! وما ذنبي أنا أنّه في كل صلاة يوجد خمسة ولا ستة دائماً ينسون الجوالات على أعلى وأحلى نغم!!
حبيبي الرسول (ص) قال: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين" ثمّ أجد الياباني أشد حرصاً على تطبيق هذا الحديث، وهو لا يعرفه. أجد الياباني حريصاً لدرجة أنه يسمي وضع "الصامت" وضع "الأخلاق" بينما المسلم الذي يحفظ هذا الحديث يضرب به عرض الحائط، ويقول: (أنا كدة واللي مو عاجبه يضرب راسه في الحيط!) لا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر: كتاب خواطر/ ج (3)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق