• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف تفكر الصور؟

تأليف: رون برنيت/ ترجمة: بدرالدين مصطفى*

كيف تفكر الصور؟
◄يقضي معظمنا وقتاً لا يستهان به كلّ يوم في مطالعة ومشاهدة صور تعرض له عبر شاشات؛ سواء كانت هذه الشاشات متصلة بالبث التلفزيوني أو بأجهزة الحاسب الآلي أو حتى الهواتف الذكية.

أضحت الصور الرقمية جزءاً لا يتجزأ من تقنيات التلفزيون والفيلم السينمائي والتصوير الفوتوغرافي والرسوم المتحركة وألعاب الفيديو وكذلك شبكة الإنترنت، وتستخدم بصورة متزايدة كوسيطٍ رئيس يتم من خلال التواصل الفعال بعضنا بعضاً.

 

عوالم الصورة:

تتجاوز الصور الإعلامية حدود نقل الخبر والواقعة إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد أصبحت متداخلة بصورة قوية في حياتنا. ولا تعد الصورة تعبيراً منعزلاً وسط عدد من التعبيرات وهي بالتأكيد ليست مجرد موضوع أو علامة فقط. إنني أجد أن شبكة "سي إن إن"، مثلاً، حشد سريع الحركة من الأصوات والصور تنخرط جميعها في البرامج والقنوات التي تمثل هذه الشبكة. ويندمج البث التلفزيوني الحي مع التقنيات الموجودة في المنزل ليمثل بوابة تقودك إلى باقة من الخبرات والاستخدامات التي تستغل الكاميرا الرقمية والكمبيوتر وألعاب الفيديو. بمعنى أنّ الصورة تجمع بين كونها نتاج وكذلك مصدر لعالم رحب ومتداخل من الصور.

وفي ظل هذا الخضم الإعلامي، لم تعد الصورة مجرد تمثيل أو تأويل لأفعالنا؛ فقد أضحت محورية في كلّ نشاط يربط بيننا وبين بعضنا البعض وبيننا وبين التكنولوجيا. ومع دراستنا بذلك الحضور الثقافي المتزايد الذي تتميز به الصورة، إلا أن ثمة قصوراً  كبيراً في تحليل الكيفية التي تعمل بها الصورة وتمارس تأثيرها.

 

الصورة والوعي:

لا شك إن للصورة والثقافة دور في تشكيل وصياغة أسلوب تفاعل البشر مع العالم من حولهم. فمع اكتسابنا للمزيد من المعرفة عن العقل البشري، المتجسد والكلي، فإن دور الثقافة والصورة قد تغير. لم تعد الصورة مجرد تمثيل أو ترجمة للفعل البشري. بل أضحت محورية في كلّ نشاط يربط البشر بعضهم بعضاً ويربط بينهم وبين التكنولوجيا – بوصفها وسيطاً أو واجهة – كما أنها نقطة مرجعية للمعلومات والمعرفة بنفس القدر الذي تمثله كتصور للإبداع البشري. على أنّ العلاقة بين البشر والمنتجات الثقافية التي يستخدمونها ويبدعونها ليست على الإطلاق مباشرة أو شفافة. إنّ الوعي البشري ليس سلبياً أو مجرد نتاج للسياق الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي الذي يعايشه. ومع أن حلم العلوم المعرفية  كان صياغة صورة أوضح للكيفية التي يكون بها العقل فاعلاً، فإنّه حتى في ظل هذا التقدم الهائل في فهم الفكر البشري، إلا أنّ العقل البشري يظل مستعصياً على الإحاطة، بل ومبهماً نسبياً فيما يتعلق بالمعلومات التي يمكن استخلاصها منه. وبرغم العديد من الجهود الرامية إلى "تصوير" و"فك شفرة" الطرق التي يعمل وفقاً لها العقل البشري، فلا تزال هناك أسئلة عميقة حول العلاقات بين العقل والجسد والدماغ، وكيفية تفاعل كلّ عنصر من عناصر الوعي مع مجموعة متنوعة من البيئات الثقافية والاجتماعية والصنائع الإبداعية.

 

ذكاء الصورة:

أنّ "الصورة ستغدو ذكية أكثر فأكثر، لأنها أضحت بالفعل الواجهة التي إليها نتطلع وفيها نمشي وبها نتلاعب". أنّ الصورة تقوم بدور فاعل في صياغة المعنى، وأنّها "تفكر" وأنها "ذكية" – صادمة ومربكة للوهلة الأولى، غير أننا بالفعل إذا تأملنا المشهد الثقافي المعاصر سنجد أنّ الصورة والمشهدية تحتل فيه المقام الأوّل، لدرجة تدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ الصورة "تفكر" بالفعل.

إنّ القول بأنّ الآلة تفكر، يدفعنا إلى إعادة صياغة علاقتنا بها، وبالعالم من حولنا، وكذا أفكارنا حول الجسد والعقل. وتمثل إقامة هذه العلاقة الجديدة نقطة توّل في فهمنا للعلاقة التي تربط البشر بالآلات: فاستخدام الوسائط الجديدة يتضمن بداخله إدراج البشر والآلات في "علاقة ترابطية وثيقة".►

 

*مدرس علم الجمال والفلسفة المعاصرة – جامعة القاهرة

 المصدر: مجلة العربي/ العدد 660 لسنة 2013م

ارسال التعليق

Top