أسرة
القصة العشرون
"مكافأة المعصية بالطاعة!!"
قال أحد الصُّلحاء ويُدعى (أبو الدّرداء) لرجلٍ أسمعهُ كلاماً بذيئاً آلمه: "يا هذا! لا تُغرقنّ في سبِّنا، ودَع للصلح موضعاً، فإنّا لا نُكافئُ مَن عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عزّ وجلّ فيه!!".
- الدروس المُستخلصة:
1- هذا من الردّ الصالح على السيِّئة، والشتيمة، والبذاءة. فالطّلب من الشاتم أن لا يُغرق ولا يستغرق في السبِّ، طلب ينطوي على لفتة أنّ الإغراق والإستغراق فيه المزيد من الإثم.
2- ضرورة الإقتصاد في الشتم، بما يترك للصلح مكاناً، أما الإمعان والمبالغة فيه فقد يكسر العظم، وينسف الجسر، ويمنع خطّ الرّجعة.
3- مكافأة معصية الشاتم، بإطاعة الله في عدم الرد بالمثل، أو القول (سلاماً) هي من شِيَم المُتأدِّبين بأدب الله تبارك وتعالى.
القصة الحادية والعشرون
"المغفرةُ للإثنين!!"
سَب رجلٌ الإمام محمد الباقر (ع)، مُنتقصاً من قدرِه، وبالغ في الإساءة حتى نال أُمّه بسوء، واصفاً إيّاها بالبذيئة.
فما كان من الإمام الباقر إلا أن قال: "إن كانت كما تقول، غفرَ اللهُ لها، وإن كانت ليست كما تقول، غفر الله لك"!!
- الدروس المُستخلَصة:
1- كان يمكن أن يقول الإمام الباقر (ع): "إن كانت كما وصفتها، غفر الله لها"، ويكون قد دافع عن أُمّهِ بما يليق، وانتهى الأمر.
ولكنّنا رأيناهُ يستغفرُ للشّاتم أيضاً: "وإن كانت ليست كما تقول، غفر الله لك". لأنّه يستحقّ الإستغفار فعلاً، فهو يتّهم بريئة بالبذاءة، وبذلك يستحقّ سخط الله، فهو حريّ أن يُستغفَر له، ممّا لم يفت الإمام (ع) ذلك.
2- جوابُ الإمام الباقر (ع) أسلوبٌ تربويٌّ راقٍ يمكن تعميمهُ على النحو التالي:
كلُّ إساءةٍ، وكل شتيمةٍ، وكلّ سبابٍ، وكلّ كلمة إتّهام بالباطل، يمكن أن تُجابه بالردِّ نفسه: "إن كنتُ كما تقول، غفرَ اللهُ لي"، "وإن كنتُ لستُ كما تقول، غفرَ الله لك". لنقصر الشرّ، ونئد الفتنة، ونُطفئ نار حربٍ يمكن أن تشتعل، ونكون قد عالجنا السيِّئة بالتي هي أحسن.
القصة الثانية والعشرون
"لو قُلتَ عشراً، لم تسمع منِّي واحدة!!"
قال رجل سبّابٌ لعّانٌ طعّانٌ لـ(ضِرار بن القعقاع): والله لو قلتَ واحدةً (شتيمة) لسمعتَ عشراً (عشر شتائم)!!
فقال له ضِرار بكلِّ برودةِ أعصابٍ: واللهِ، لو قلتَ عشراً لم تسمع منِّي واحدةً!!
- الدروس المُستخلَصة:
1- إنّ أجوبةً كهذا، وكالّتي سبقته، لهي في نظرنا أوجع من السِّباب والشتيمة، وأرفع في اللّغة والأدب، وأبلَغ في الوَقْعِ والتأثير.
فإذا كانت نفسُ الحاقدِ مليئة بالسوء، فلا يكتفي بردِّ الصاع صاعين، بل بعشرةِ صُوع أو صياع، فإنّ نفس الإنسان الصالح تأبى وتأنف أن تردّ الواحدة بواحدة، فضلاً عن الواحدة بعشرة.
2- هذه الروحية لا تتأتّى من خاطر يخطر في أثناء الملاسنة أو سماع الشتيمة، هي تنمّ عن بناءٍ روحيٍّ متين، ونسيج أخلاقي متماسك. ومَن لم يكن حليماً فليحلّم، ومَن لم يعلم فليتعلّم، ومَن لم يكن قد تلقّى الدرس، فهذا هو الدرس!!
ارسال التعليق