هناك آداب وقواعد خاصّة بطريقة المطالعة، والدرس، والقراءة، يجب أن نلتفت إليها ونُراعيها عند الدرس أيضاً، وتتلخص بما يلي:
1- مراعاة قدراته الذهنية:
أن يقتصر من المطالعة على ما يحتمله فهمه، وينساق إليه ذهنه، ولا يُنافي طبعه، فلا يشتغل بالكتب العقليّة التي تعرض خلافات معقّدة، قبل أن يجهز ذهنه لمثل هذه الأمور، ويصحّ فهمه، ويستقرّ رأيه على الحقّ، فيكون قادراً على استيعاب الجواب وفهمه.
وليحذر من الاشتغال بما يُبدِّد الفكر، ويُحيِّر العقل من الكتب الكثيرة والتصانيف المتفرِّقة، فإنّه يُضيّع زمانه ويُشتّت ذهنه. وليُعط الكتاب الذي يقرؤه كليّته، حتى يُتقنه، ولا يُشغل نفسه بغيره، حذراً من الوقوع في الخبط والانتقال بين الكتب المؤدّي إلى التضييع وعدم الفلاح.
2- حفظ الدرس:
أن يعتني بحفظ درسه حفظاً محكماً، ثمّ يُكرره بعد حفظه تكراراً جيِّداً، ثمّ يراجعه ويستذكره في أوقات يُقرّرها ويواظب عليها؛ ليرسخ رسوخاً متأكداً.
3- مراعاة الأهم:
أن يُرتِّب الأهم فالأهمّ في الحفظ الصحيح، والمطالعة ويُتقنها، وبعدها فليتأمّل بمحفوظاته ويُديم الفكر فيها، ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد، ويُذاكر بها زملاءه.
4- تنظيم الوقت:
أن يُقسِّم أوقات ليله ونهاره على ما يُحصّله من العلم، ويغتنم ما بقي من عمره، وأفضل الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل وما يبقى له من النهار.
وممّا قالوه، ودلّت عليه التجربة. أنّ حفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، والمكان البعيد أفضل من الأماكن الممتلئة بالملهيات كالأصوات، والخضرة، والنبات، والأنهار الجاريات، وقوارع الطرق التي تكثر فيها الحركات: لأنّها تمنع من خلو القلب.
5- الإبكار في الدروس:
أن يُبكِّر بدرسه، فقد ورد في الخبر: بورك لأُمّتي في بُكورها. وفي خبر آخر: اغدوا في طلب العلم، فإنّي سألت ربّي أن يُبارك لأُمّتي في بُكورها.
6- تقييد العلم بالكتابة:
روي عن النبيّ (ص) أنّه قال: "قَيِّدوا العلم. وقيل: وما تقييدُه؟ قال: كتابته".
وروي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبيّ (ص)، فيسمع منه الحديث، فيُعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ (ص)، فقال له رسول الله (ص): "استعن بيمينك، وأومأ بيده أي خطّ".
7- مذاكرة الدرس وتكراره:
ينبغي أن يُذاكر من يُرافقه في حلقة الدرس بما وقع فيه من الفوائد، والضوابط، والقواعد وغير ذلك، ويُعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم، فإنّ في المذاكرة نفعاً عظيماً أهمّ من نفع الحفظ. وينبغي الإسراع بها بعد القيام من المجلس قبل تفرّق أذهانهم، وتشتّت خواطرهم، وشذوذ بعض ما سمعوه عن أفهامهم، ثمّ يتذاكرونه في بعض الأوقات، فلا شيء يتخرّج به الطالب في العلم مثل المذاكرة. فإن لم يجد الطالب من يُذاكره ذاكر نفسه بنفسه، وكرّر معنى ما سمعه ولفظه على قلبه؛ ليعلق ذلك بخاطره، فإنّ تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على الغير، وقلّ أن يُفلح من اعتمد واقتصر على الفكر والتعقُّل بحضور الدرس فقط، ثمّ يتركه ويقوم ولا يُراجعه ويُذاكره.
8- تحديد وقت المذاكرة:
أن تكون المذاكرة المذكورة في غير مجلس الشيخ، أو فيه بعد انصرافه بحيث لا يسمع لهم صوتاً.
9- مساعدة إخوانه في الدرس:
قد يهتدي بعض الطلاب لمسألة ويفهمونها قبل غيرهم من زملائهم، فعليه، - إذا علم شيئاً من العلوم والكمال - أن يُرشد رفقته ويُرغّبهم في الاجتماع، والتذاكر، والدرس، ويُسهل عليهم الأمور ولا يهوّل عليهم أو يُخيفهم من الدرس، ويُرغّبهم بالدرس فيذكر لهم ما استفاده من الفوائد والقواعد.
فبإرشادهم يُبارك الله له في علمه، ويستنير قلبه، وتترسّخ المسائل عنده مع ما فيه من جزيل ثواب الله تعالى وجميل نظره وعطفه، ومَن بَخِل عليهم بشيء من ذلك كان بضدّ ما ذُكر، ولم يثبت علمه وإن ثبت لم يُثمر، ولم يبارك الله له فيه.
10- أن لا يحسد إخوانه:
على طالب العلم أن لا يحسد أحداً من إخوانه الطلّاب ولا يحتقره، ولا يفتخر عليه، ولا يعجب بأنّه أفهم من غيره وسابق لهم، فقد كان مثلهم ثمّ منّ الله تعالى عليه، فليحمد الله تعالى على ذلك ويستزيده منه بدوام الشكر، فإذا امتثل ذلك، وتكاملت أهليّته، واشتهرت فضيلته، ارتقى إلى ما بعده من المراتب.
المصدر: كتاب 30 أدباً للمتعلِّم
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق