سلوى النجار
(.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ...) (فاطر/ 28).
جعل الإسلام للعلم مكانة عالية لا تدانيها مكانة، ويكفي دليلاً على ذلك أن أوّل آية نزلت من القرآن الكريم تأمر بالقراءة، وفي ذلك دعوة إلى العلم والمعرفة. كما أن رسول الله (ص) جعل طلب العلم فريضةً على كل مسلم، وبين أن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وأنّ العلم هو ميراث الأنبياء ومن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر.
لاشك في أنّ العلم هو أفضل ما رغب فيه راغب وأفضل ما طلبه طالب، لهذا فإنّ الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن فضل العلم والعلماء كثيرة، كما أنّ الإسلام في حثه على طلب العلم اهتم بتوضيح أن طلب العلم يستلزم التأدب بآداب سامية والتحلي بأخلاق رفيعة. وفي بيان حكم طلب العلم وفضله وآدابه يتحدث الواعظ الديني والباحث في العلوم الإسلامية، الدكتور إبراهيم الجنابي.
ويستهل حديثه موضحاً أنّ العلم رفعة وشرف للإنسان في دنياه وأخراه، فمن كان من أهل العلم رفعه الله في الدارين، قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) المجادلة/ 11). وفضلُ العالم على الجاهل معلوم ولا شك فيه، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 9)، فحكم الله سبحانه وتعالى بعدم المساواة بينهما.
ومن فضل العلم أنّه صفة من صفات الله، سبحانه وتعالى، فهو بكل شيء عليم وعالم الغيب وعلام الغيوب، وعلمه سبحانه وتعالى علم مطلق لا تخفى عليه خافية. وأشهد الله سبحانه نفسهوملائكته وأولي العلم عل وحدانيته، وهذا دليل على علو شأن أولي العلم ورفعة مكانتهم، قال الله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18).
- حكم طلب العلم:
صح عن النبي (ص) أنّه قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، رواه البيهقي وغيره بسند صحيح. ولكن يجب أن نعلم أن هناك من العلوم ما يكون طلبه فرض عين على المُكَلَف وهو ما يحتاج إليه في يومه وليلته من أحكام الطهارة والصلاة والبيع والشراء والحلال والحرام، وقد يصبح العلم التخصصي فرضاً على من تخصص فيه لقيام فرض الكفاية به. وأما ما يكون حكمه فرض كفاية فهو ما زاد على العلم الضروري من سائر العلوم الشرعية والدنيوية، فتخصص العلماء في العلم الشرعي فرض كفاية على الأُمّة، فيجب أن يكون فيها علماء متخصصون في كل العلوم الشرعية ليكونوا مرجعاً للناس في ما أعضل عليهم واحتاجوا إليه. وكذلك سائر العلوم الدنيوية هي فرض على الكفاية، فيجب أن يكون في كل علم علماء متخصصون فيه لحاجة الأُمّة إليهم، كعلم الطب والهندسة وسائر العلوم.
وهناك من العلوم ما هو محرم كالسحر والشعوذة وما شابههما من العلوم الضارة، فلا تجوز دراستها ولا تعلمها ولا تعليمها ولا شراء كتبها ولا بيعها.
- فضل العلم:
العلم علوٌّ للنفس ورفعة ورقي للإنسان، والعالم له فضل معروف على سائر البشر، قال رسول الله (ص): "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" رواه أبو نعيم بسند صحيح. ويقول (ص): "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. إنّ الله عزّ وجلّ وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت، ليُصلون على مُعلم الناس الخير" رواه الترمذي بسند صحيح.
والعلم تركة الأنبياء وهو سبب موصل إلى الجنة، يقول رسول الله (ص): "مَن سَلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإنّ العالم ليستغفر له مَن في السماوات ومَن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء وإنّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه بحظ وافر" رواه أحمد.
وفي العلم تزكية للنفوس وتهذيب للطباع وتشذيب للأخلاق، ولهذا فقد قرن الله سبحانه بين العلم والتزكية في أعمال النبي (ص) فقال عزّ وجلّ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران/ 164).
والعلم سبب لخشية الله تعالى، لأنّ العلم يدفع صاحبه إلى خشية الله والخوف منه، قال تعالى: (.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر/ 28).
- آداب طلب العلم:
ولطلب العلم آداب، أوّلها: الإخلاص، لأنّه مطلوب في كل حال وأوّل ما طلب فيه الإخلاص هو العلم لعظم مكانته، ومَن لم يخلص في علمه عوقب بذلك يوم القيامة، فيكون من أول من تُسعر بهم جهنم، قال رسول الله (ص): "إنّ الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت في ما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآنار النهار. فيقول الله تبارك وتعالى له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يُقال: فلان قارئ، فقد قيل ذاك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت في ما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله: بل إنما أردت أن يُقال: فلان جَوَاد، فقَد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قُتل في سبيل الله فيقال له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قُتلت. فيقول الله له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يُقال: فلان جريء، فقَد قيل ذاك. ثمّ ضرب رسول الله (ص) ركبتي فقال: "يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أوّل خلق الله تُسَعّرُ بهم النار يوم القيامة" رواه الترمذي والحاكم بسند صحيح.
والاجتهاد في طلب العلم واجب، فلا يُنال العلم بالكسل والتراخي والخمول، بل لابدّ من العزم القوي والدأب في طلبه وتحصيله، وإنما تفاوتت أقدار طلاب العلم بقدر اجتهادهم، وكما قيل: لكل مجتهد نصيب.
ولابدّ لطالب العلم أن يكون حريصاً على هذا الأمر العظيم الذي طلبه ولا يهمله أو يضيعه، فكثير من طلاب العلم يسعى أوّل الأمر ويحصل شيئاً من العلم، بل ربما الكثير منه، لكن بإهماله قد يضيع منه كل هذا الكنز الذي جمعه.
والعلم لا يُنال بيوم وليلة، بل لابدّ من طول الزمن الذي هو ضروري لإدراك غور العلوم والغوص على دقائقه، فقد يستعجل البعض ويريد أن يبلغ درجة العلماء بسرعة الضوء وهذا غير ممكن، لأنّ العلم يُنال بالتدريج وكلما استمر في طلبه وطال زمن دراسته انفتح له من العلوم ما لم يكن يتوقع، ولا يزال يتعلم حتى يفارق الدنيا.
ومن أصول طلب العلم أن يؤخذ عن أهله، ولابدّ من الدراسة على أيدي العلماء، فلا يستطيع الإنسان، مهما بلغ في ذكائه، أن يستغني عن المعلم الذي يفتح له المغاليق من المسائل.
ومن آداب العلم وجوب احترام العلماء وتوقيرهم ومعرفة حقهم وفضلهم، وينبغي الإشادة بفضلهم والإقرار بعلمهم. وعلى طلاب العلم ترك التحاسد بينهم ويجب عليهم أن يتعاونوا بينهم، وعلى العلماء أن يرفقوا بالمتعلمين ولا يأخذوهم بالشدة، وعلى العالم أن يبث العلم وينشره ويحرص على إيصال العلم النافع إلى الخلق لتستقيم أحوالهم الدينية والدنيوية.
- آثار العلم:
إنّ للعلم آثاراً بالغة في حياة الشعوب والأشخاص والأُمم، فهو سبب في التقدم والحضارة وبناء الإنسان وبناء الأكوان، فما سادت أمة من الأُمم إلا بالعلم، وهذا أمر غاية في الوضوح ولا يحتاج إلى براهين.
ومن بركة العلم أنّه ينفع صاحبه حتى بعد موته بآلاف السنين، ويجري له ثوابه إلى يوم القيامة، فيؤجر العالم في حياته وبعد وفاته، يقول رسول الله (ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم وأهل السنن.
وخلاصة الموضوع أنّ العلم له فضائل ظاهرة وأجره عظيم عند الله لمن أخلص النية في طلبه، وأنّ العلم أساس في الحضارة والتقدم والرقي وأن طالب العلم لابدّ له من التأدب بآداب العلماء العاملين، وهي الإخلاص والاجتهاد في طلبه والاستمرار في الدراسة، وتوقير العلماء واحترام من أفاده بمعلومة وإن صغرت، والإشادة بفضل العلماء من أدب العلم، وعدم جواز الطعن في العلماء ولا انتقاصهم، وأن يحرص على الحوار العلمي الهادف الهادئ الذي يحقق الهدف بلامشاحنات ولا مناكفات.
ارسال التعليق