د. سمير يونس
كثير من الآباء يضيق بالحوار مع الأبناء، وينزعج من جدلهم، ويصير الأمر ثقيلاً على نفسه، وبعضهم يفشل، ويعلن عن إفلاسه، عندما لا يجيد الحوار، أو عندما لا يجد إجابة عن أسئلة ابنه، فيلجأ كثير منهم إلى إغلاق الحوار، أو إلى الهروب منه، أو إلى استخدام العنف المتمثل في تغليظ القول أو التوبيخ أو التهديد والترهيب، أو الضرب في بعض الأحيان.
إنّ كثيراً منا – نحن الآباء – قد ينجح في الاستثمار لأولاده، فيوفر لهم حياة ناعمة تفيض رفاهية ورغداً، ولكنهم يفشلون فشلاً ذريعاً عندما يتحاورون مع أولادهم، فمن الآباء من لا يدري ماذا يقول: ولا يعرف عن أي شيء يتحدث، ولا كيف يبدأ ولا كيف ينتهي، فتسمع في حوار الأب لابنه: "نفِّذ ولا تسأل، اسمع ونفِّذ ولا تناقش، ليس من حقك أن تسأل، أنت لا تعرف مثلي، رأيك ضعيف وخبراتك قليلة، كم مرة تعصبت لرأيك ونفذت ما تقتنع به وفشلت.. إلخ".
إنّ الله عزّ وجلّ يعلمنا في كتابه الكريم كيف نستخدم الحوار القائم على الإقناع في التربية، نجد ذلك في مجال التربية الإيمانية؛ لإقناع خلقه بوجوده سبحانه وإعادة البعث.. ويتجلى ذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم/ 27).
إنّ تدريب الأولاد على المناقشة والحوار يمكّن الأولاد من التعبير عن آرائهم، وإثبات حقوقهم، وإتقان التفاوض مع غيرهم، كما أنّه يثري أسئلتهم وينميها، ومن ثمّ تحدث لهم انطلاقة فكرية مستنيرة، يستطيعون بها أن يردُوا مجالس العلم والفكر، ويضيفوا إليها من إبداعاتهم، بالإضافة إلى ما يضفيه أسلوب الحوار على المناخ التربوي من حيوية وإيجابية لدى الأولاد.
وثمّة عدة أسئلة ترتبط بنجاح حوارنا مع أولادنا، ومن أهمها: ما عناصر الاتصال الحواري؟ وكيف نجعلها مؤثرة وفعالة؟ وكيف نبدأ الحوار؟ وكيف نختار وقت الحوار، ومكانه؟ وما أفضل أسلوب للتحاور مع أولادنا؟
ومتى نتكلّم؟ ومتى نصمت؟ وما أفضل طرقة لكسب ثقة أولادنا عندما نحاورهم؟ وكيف ننهي حوارنا مع أولادنا؟
- عناصر الاتصال الحواري:
للاتصال الحواري أربعة عناصر، هي:
1- المرسل:
وهو مصدر الرسالة والمربي، ويجب أن يكون مؤثراً، ودقيقاً في نقل الرسالة، كما ينبغي أن يتحلى بالصبر والحكمة، وأن تكون لديه خبرات كافية في الحياة، ومتمكناً من مهارات الحوار، وأن يكون محباً لمن يحاوره، يجيد الوصول إلى عقله من خلال الإقناع، وإلى قلبه من خلال الوجدان، كما يجب على المرسل الإعداد الجيِّد للرسالة، ومعرفة خصائص من يحاوره وميوله.
2- المستقبل:
وهو الشخص الذي توجَّه إليه الرسالة، ويجب أن تكون لديه القدرة على فك رموز الرسالة؛ فهمها، واستيعابها، وهذا يستلزم أن يكون بينه وبين من يحاوره اتصال وجداني، وتقبل نفسي وعاطفي، كما يجب على المستقبل أن يكون منتبهاً ومطمئناً للمرسل لا يخافه.
3- الرسالة:
ولها عدة صور، فقد تكون شفهية، وقد تكون مكتوبة، وقد تكون مرسومة في شكل صورة أو رسوم.
4- قناة الاتصال (الوسيلة):
وهي قوة فاعلة في إيصال الرسالة، وقد يكون المربي هو حامل الرسالة ومبلغها، وقد يختار وسيلة أو قناة أخرى لذلك، أو يعدها ويقدمها لأولاده؛ كي يتفاعلوا معها بأنفسهم مباشرة.
- صفات ضرورية للأب المحاور:
يشكو كثير من الآباء سوء إنصات أولادهم إليهم عند الحوار، كما يتضجرون من تدني المردود التربوي لحوارهم مع أولادهم، بل يشكو كثير منهم نفور أبنائهم من التحاور معهم، في حين يسمع الأولاد لأصدقائهم، ولكثير ممن يحتكون بهم ولا يسمعون لوالديهم.
ومن أهم الصفات التي تجعل الأب محاوراً مؤثراً في أولاده: دماثة الخلق، والعدل، والاستقامة، وضبط النفس، والصبر، والأمانة، والصدق، والذكاء، وحضور البديهة، واللباقة.
- محاذير الحوار مع الأبناء:
ثمّة معوقات تضعف تأثير حوار الأب مع ابنه، فليحذر الآباء عند تحاورهم مع الأبناء ما يلي:
- ضعف الاستعداد النفسي.
- الإسراف في اللوم وتوبيخ الأولاد.
- تجريح الأبناء وإهانتهم.
- التلعثم والاضطراب عند الحوار.
- ضعف الأب في الاستشهاد والإقناع.
- عدم إتاحة الفرصة للابن كي يدافع عن وجهة نظره.
- عشرون قاعدة ذهبية في التربية الحوارية:
1- أخلص النية لله وحده في حوارك مع ولدك.
2- أكثرْ من الدعاء بتوفيق الله لك قبل أن تحاور ولدك.
3- لا تنفّذ حوارك مع ابنك إلا بعد الاستعداد اللازم.
4- أجدْ اختيار الوقت المناسب للتحاور مع ولدك، فَتجنب أوقات إرهاقه ونومه أو فترة اختباراته أو قلقه أو إن كان حزيناً.
5- أجد اختيار المكان المناسب للحوار مع ولدك، فليكن ذلك بعيداً عن الناس، وحبذا لو كانت حديقة أو سرتما معاً على شاطئ جميل في جو جميل في الهواء الطلق.
6- كن رحيماً ليّناً في حوارك رقيق القلب؛ حتى تجذب أولادك حولك، قال تعالى في وصف نبيّه (ص): (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159).
7- كن أكثر جاذبية وأقوى إيجابية.
8- لا تتحدث بصوت على وتيرة واحدة، ولكن نوّع في نبرات صوتك ونغماته حسب المعنى.
9- التواصل مع الولد ومصاحبته والاندماج معه، وتشجيعه على إبداء رأيه.
10- مشاركته اهتماماته وميوله وألعابه؛ لأن ذلك يقرّبه من الأب، ومن ثمّ يكون أدعى للاستماع له، والتأثر بتوجيهاته وتنفيذها، ومن شواهد ذلك قوله (ص): "ما فعل النغير يا أبا عمير"، والخطاب هنا للطفل وفق اهتماماته وميوله.
11- ابدأ حوارك بتهيئة، تعلن فيها حبك لمن تحاوره، أو تثني عليه باعتدال؛ فذلك يجعله أكثر قبولاً للنصيحة، وادعى أن يعمل بها.
12- رصد نقاط الاتفاق وجوانب الاختلاف بين الأب وابنه، لدراستها ودعم الاتفاق وعلاج الاختلاف.
13- تقبّل ابنك بعيوبه – كما تقبّل النبي (ص) ذلك الفتى الذي جاء يستأذنه في الزنا – وافصل في تعاملك مع ابنك وحوارك معه بين شخصه والسلوك السلبي الذي يقترفه.
14- استخدم لغة الأرقام والإقناع والدليل والبرهان إن كان الأمر عقلياً.
15- استخدم المدخل العاطفي إن كانت المسألة تتعلق بمشاعر أو توجيه أو ترغيب أو ترهيب.
16- مساعدة المتعلم وترك اتخاذ القرار له حتى يتحمس لتنفيذه، أما إذا أُجبر عليه فسرعان ما ينقلب مستمسكاً برأيه هو.
17- ختم الحوار بتفاعل عاطفي، يكون آخر ما يعلق بذهن الولد.
18- الإكثار من الدعاء للابن؛ فلسهام الليلل تأثيرها الذي يفوق حدود إدراك العقل.
19- استخدام أساليب حوارية تتناسب مع مستوى الابن وظروفه، فالعقول تتفاوت، ويجب مراعاة الأب لعقل ابنه وهو يحاوره، وهذا من هدي رسولنا الكريم (ص)؛ حيث يقول: "لا تحدّثوا أمتي من أحاديثي إلا ما تحمله عقولهم فيكون فتنة عليهم".
20- بين الحين والآخر يجب أن تنادي ابنك بأحب الأسماء إليه وأنت تحاوره، فقد خاطب الرسول (ص) هرقل بـ"عظيم الروم"، وهذا إبراهيم (ع) ينادي أباه بقوله: "يا أبت.."، ولقمان الحكيم نادى ابنه بقوله: "يا بني"، وهو نداء يفيد اللين والرحمة، وهذا يوسف (ع) يخاطب زميليه في السجن ليؤلفهم ويجذبهم إلى الإيمان بقوله: "يا صاحبي السجن".
ارسال التعليق