يحيى جابر
لماذا نغار وتشتعل بنا نار الغيرة؟ هل نحن أعواد الثقاب، أم هو القش الهش القابل للاشتعال؟
لماذا تأكلنا الغيرة؟ هل لأنّ النفس تشتهي نفسها فتلتهمها وتلتهمنا، كنار تأكل من بعضها؟
كم من غيرة بريئة قد تتحول إلى قاتلة، تدفعك إلى ارتكاب جريمة شنيعة.
الغيرة وسواس الوساوس، توسوس بنا، ويوقعنا البصر بخداعه، كأن نرى ما لا نراه فعلياً، ونحلل صورة للحبيب ليست له في الواقع، ونتخيل كأنها الحقيقة، كأننا نتمنى تلك الصورة الفضيحة الوهمية لنمارس كل أنواع الغضب الساطع. هل هناك غيرة عاطفية إيجابية محفزة، كما في الفن والرياضة والسياسة، كأن يستفزنا أحدهم، فنغار بكل جوارحنا، وبعد ذلك ننطلق للتشبه وتقليد الحبيب أو الخصم، ومن شدة الغيرة قد ننزلق إلى حفرة لدفن الحب وهو حي يزرق؟
هل نغار على الحبيب، أم نغار من الغريم الوهمي لنا، أو ربما يكون فعلياً هو الخصم الحقيقي الذي يريد أن يسلبنا أو يسرقنا محبوبنا؟
يحدث أن تغار المرأة من المرأة، وتحملق بها من أول شعرة في رأسها حتى أخمص حذائها، وتنقل كاميرات عينيها مباشرة إلى عيني حبيبها لتترصد نظراته، وتكمن كلبؤة تنتظر فريستها، وتبدأ بالزئير من الأسئلة: "لماذا يتزين؟ لماذا يغني تحت الدوش؟ لمن يهتف؟ لماذا يحبني اليوم؟ لماذا يتغزل فيّ على غير عادته؟ لماذا يهديني هدية غير متوقعة وما المناسبة؟".
هل هناك هرمونات للغيرة تتصاعد بنا؟ وما العلاج المناسب لها؟ وقد تكون الغيرة هي مرض الحب الشهي الذي لا شفاء منه، فنتمناه؟
ويحدث أن تغار المرأة من شخص لا يغار عليها، وكذلك الرجل، فتنتابه الشكوك: "هل يعني أنها تخونني وتسمح لي بذلك.. لتكون حرة مني؟". وما فقدان الثقة بالنفس سوى الموطن الحقيقي للغيرة القاتلة بكل سكاكينها.
الغيرة تجعل المحبوبين محققين بوليسيين، حيث يستجوب بعضهم بعضاً على مدار الساعة، حتى النوم والدخول إلى منامات بعضهم، يراقبون، يترصدون كلمة، أو عطراً أو زلة لسان، وعندها تتحول العيون إلى ميكروسكوبات مجهرية لرصد أصغر تفصيل، وتبدأ عمليات البحث عن أدلة لجريمة لم تقع.
الغيرة أحياناً كمكنسة كهربائية، تشفط الغبار عن أرواحنا، وأحياناً تتحول إلى عاصفة رملية تطمرنا في رمالها المتحركة.
ما بعد زلزال الغيرة، وما بعد بركانها قد يتدفق الحب كالدم إلى العروق، ويتجدد شباب تفاحة القلب.
ارسال التعليق