حملت النهضة الحسينية مشروعاً كبيراً تمثّل في إصلاح الأُمّة وتخليصها من براثن الفساد الذي أراد بنو أُمية إحلاله في المجتمع وصرف الناس عن الدين الإسلامي الصحيح.
إلّا أنّ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت لهم بالمرصاد، فقد وقفت بينهم وبين نواياهم الشريرة في إفساد المجتمع من خلال اتباع شتى الوسائل، إلّا أنّ هذه الوسائل لم تؤثر على أصحاب الإيمان الراسخ بسبب تمسكهم بالدعوة الإسلامية الصحيحة تجسيداً لقوله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).
إنّ المتأمل في النص القرآني يلاحظ أنّه يؤكد على طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ هذه الطاعة تؤدي إلى النجاة والحياة، وليس هناك من شك في أنّنا كأُمّة إسلامية أمام كمٍّ من التحديات والمؤامرات المتوالية التي لا همَّ لصُناعها إلّا سحق وجودنا وإلغاء قيمنا وتلويث أخلاقنا.
ومن هنا كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تتردّد وتقرع مسامع الأجيال، وتطوف في ربوع التاريخ، ويكون الحسين (عليه السلام) رجل التاريخ اللّامع، وأسطورة الملاحم، وكلمة الإباء والشرف، ومن هنا نستعيد هدف الثورة، ونحاول أن نستعيدها في أرض كربلاء، ففي كربلاء انبلج الحقّ من الباطل، وفي كربلاء تُليت قصيدة الشعر، وقافية اللّوعة والألم، كربلاء أُنشودة المجد في فم الزمن، وبركان الغضب، لن ولم تمحو لوعتها يد الطغاة من وجدان الأحرار، وقد تستعيدها الأُمّة وتتفهّمها كلّما يتجدّد ذكراها، ويعايش مراحلها، وتنفعل معها، وسيبقى ذكراها ملأ فم التاريخ، تصدع أسماع التاريخ وإلى الأبد.
لقد كانت لثورة الحسين (عليه السلام) انعكاسات ظاهرة جليّة في سلوك الناس وفي مواقفهم من أحداثها ونوعية ممارستهم لإحيائها، وكيفية صلتهم بها، تتأثر لا محال بتلك الصفات العامّة لنوعية الثورة، ولمفهومية القائمين بها، والمنفذين لمفرداتها، ومن ثمّ قد تتأثر الأُمّة بتلك الأحداث وبمواقفهم النفسية، وبذلك تعطي تلك المعاني والتفسيرات الجديدة في تلك المسيرة لمعانيها ودلالاتها الأساسية، لأنّ الثورة يكون لها في الواقع المعاش أسباب سياسية واجتماعية، أو ثقافية واقتصادية، تدفع بالقائم إلى الحركة بالعنف في قبال الواقع القائم.
الحسينيون الحقيقيون لا يعرفون الانهزام، والتراجع والتخاذل، والضعف والخور، فهم الثابتون الصامدون، الذين يملكون عُنفُوَان العقيدة، وصلابة الإيمان، وإباء المبدأ، وشموخ الموقف. أن نحمل شعار الجهاد والشهادة، وأن نكون المجاهدين الصادقين في سبيل الله، نجاهد بالكلمة، ونجاهد بالمال، ونجاهد بالروح.
فلسنا حسينين إذا لم نحرك المالَ في خط الدعوة، والخير، والجهاد. ولسنا حسينيين إذا لم نحمل الأرواح على الأكُفِّ، وإذا لم نكن عُشّاقاً للشهادة، وإذا لم نسترخص الدم من أجل المبدأ والعقيدة. فالسائرون في خطّ الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار الحسين (عليه السلام): "لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا بَرَما".
والسائرون على خطّ الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار علي الأكبر (عليه السلام): «لا نُبالي أن نموتَ مُحقِّينَ». والسائرون على خطّ الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار العباس (عليه السلام): «والله إن قطعتُموا يَميني إنّي أُحامي أبداً عن ديني وعن إمام صادق اليقين»، والسائرون على خطّ الحسين (عليه السلام) هم الذين يحملون شعار القاسم بن الحسن (عليهما السلام): «الموتُ فيك يا عَم أحلى من العسل».
أن نكون المتدينين الحقيقين، وأن نكون الذين يملكون بصيرة الدين والعقيدة، وبصيرة الإيمان، والمبدأ، ونقاوة الانتماء، والالتزام، وأن لا نكون النفعيّينن المتاجرين بالدين، والمساومين على حساب المبدأ. الإمام الحسين (عليه السلام) أوقف حَجَّه، وأعلن الثورة على يزيد، وذلك ليقول للمسلمين: أيّ قِيمَة لطوافٍ حولَ بيت الله مادام الناس يطفون حول قصور الطُّغاة والظالمين.
وأيّ قيمة لذكرٍ وتلاوةٍ وعبادة إذا كان الناس يمجِّدون ويعظِّمون ويؤلِّهون الجبابرة والفراعنة. أن نكون إمّا الحسينيين الذين يعطون الدم من أجل المبدأ، أو نكون الزينبيين الذين يحملون صوت الحسين (عليه السلام). فالحسين (عليه السلام) وشهداء كربلاء فجَّروا الثورة في يوم عاشوراء، وكان وقود هذه الثورة دماءهم الطاهرة.
الغاية من أيّة نهضة، والهدف من كلّ ثورة، والمبتغى من أيّة سلطة إسلامية، بل الهدف من سيادة الدين الإلهي أساساً هو تحسين حال المظلومين والعمل بالفرائض والأحكام والسنن الإلهية. حركة الحسين (علیه السلام) يفترض أنّ المسألة أخلاق وإباء للضيم، وعزّة، وكرامة؛ فالإنسان عندما يكون عزيزاً أبياً لا يمكن أن يخضع للذل، والحسين (علیه السلام) تعرّض لمحاولات الإذلال والامتهان فأبت نفسه الزكية الأبية الذل والخضوع، ومن ثمّ انتهت الأمور إلى أن تقع مأساة قتل الحسين (علیه السلام) وأهل بيته وأصحابه وسبي عيالاته إلى غير ذلك من المآسي المعروفة في واقعة كربلاء... هذا تفسير يُقدّم للهدف من حركة الحسين (علیه السلام).
علینا أن نخرج من عاشوراء في انطلاقة وعي يجمع الوعي الثقافي والسياسي والجهادي والاجتماعي، وخطأ أن نقول إنّنا يمكن أن نجزّئ الأمور، حيث لا فصل بين الجهاد والسياسة والثقافة وما إلى ذلك. فالجهاد حركة في السياسة، والسياسة حركة في المبدأ، والمبدأ حركة في رضا الله، لا ازدواجية، إنّ المسألة هي أنّ الثقافة تعطي الوعي للسياسة، تعطي الوعي للجهاد، والجهاد يعطي الوعي والحركة للواقع، تعالوا لنتكامل، تعالوا لنتعاون، تعالوا لنتوحّد، المرحلة تفرض علينا أن نجمّد كلّ خلافاتنا، لا أن نثير الخلافات والهوامش والجزئيات، تعالوا لنطوّر نقاط القوّة عندنا، ولا نستغرق في نقاط الضعف، وأن نرفض كلّ الكلمات التي لا معنى لها، وأن نرفض كلّ اللّغو الذي لا علاقة للواقع به. إنّ ثورة يقودها واحد من أقدس شخصيات الأُمّة وأئمتها لتكون لها قيمتها وأهميتها العقائدية والأخلاقية والوجدانية الخاصّة. فالثورة الحسينية يجب أن تُدرَس وتُستوعَب وتُستخلَص منها الدروس والتجارب خاصّة للشعوب المستضعفة والواقعة تحت سيطرة الطغاة والأنظمة الاستعبادية.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق