يقول أهل العلم في تعريف القلب السليم إنه القلب الذي خلصت عبوديته لله تبارك وتعالى إرادة ومحبة وتوكّلاً، وإنابةً وإخباتاً ورجاء وخلص عمله لله. فهذا هو القلب السليم الذي يرجو العبد أن يلقى به ربه يوم لا ينفع مال ولا بنون. على المسلم أن يحرص كل الحرص على نقاء قلبه وسلامته، حتى يفوز برضوان الله تعالى وجنته. ومن الأسباب التي تعين على بلوغ سلامة القلب المقارنة بين الربح والخسارة في حالة بين سلامة القلوب وعدمها. فصاحب القلب السليم من أهل الجنة لأنه أحب الله فأحَبه الله ورضي عنه ووفقه وأحبه الناس، وفي رحلة بلوغ سلامة القلب يتعين أيضاً على العبد معرفة العدو الحقيقي له، وهو إبليس الذي يحرص أشد الحرص على إذكاء نار العداوة بين الناس ويتفنن مع أعوانه في إفساد قلوب الناس، لاسيّما الأزواج ليحصل الفراق بينهم. - الدعاء والاستغفار: رابعاً: الدعاء والاستغفار والتوبة الصادقة من أسباب سلامة القلوب، قال رسول الله (ص): "إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة نُكتت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين/ 14). ومادامت القلوب بيد علام الغيوب، كان من أهم أسباب سلامتها الدعاء والتضرع إليه سبحانه. لذلك كان رسول الله (ص)، يدعو ربه في صلاته: "اللّهمّ إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحُسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفر لِما تعلم". - اجتناب القِيل والقال: خامساً: اجتناب القيل والقال وكثرة الكلام، والتدخّل في ما لا يعنينا من شؤون الآخرين، قال رسول الله (ص): "لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانهُ..". وقد حذر رسول الله (ص)، من كثرة الكلام بغير ذكر الله لأنه سبب في قسوة القلب وبُعده عن الله تعالى. قال (ص): "لا تُكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعَد الناس من الله القلب القاسي". - حُسن الظن: سادساً: تربية النفس وتعويدها على حُسن الظن بالناس جميعاً، وقد نهانا ربنا عن كثير من الظن لأن بعضه إثم، فكيف بالذي يبني حياته على سوء الظن بالآخرين، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...) (الحجرات/ 12). ويُروَى أن رجلاً دخل على الإمام الشافعي وهو مريض، فقال: "قوّى الله ضَعفك يا إمام، فقال الشافعي: لو قوّى ضعفي لقتلني. قال الرجل: والله ما أردت إلا الخير، قال الشافعي: أعْلَم أنك لو سبَبْتَني ما أردت إلا الخير". - الصبر واحتمال الأذى: سابعاً: معاملة الناس بالحسنَى والصبر وتحمُّل الأذى منهم والعفو عنهم وَرَد الإساءة بالحسنَى، عملاً بقول الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34). لذلك كان الكريم والمحسن وصاحب الخُلق قريباً من الناس أجمعين، بجوده وأدبه وحُسن عشرته، وهذا ضروري في شتّى ميادين الحياة وفي سائر تعامُلاتنا، حتى نعيش حياةً آمنةً مطمئنةً مستقرةً. وهنا يتّسع المجال لتوجيه ربّات البيوت إلى ضرورة معاملة الخدم معاملة حسنة، لتكون قلوبهم سليمة تجاه أفراد الأسرة، لأنّ المعاملة السيِّئة لهم تملأ قلوبهم غيظاً وحقداً وانتقاماً. بالتالي، سيكون ضررهم عظيماً، ولنتأسى بالحبيب محمد (ص)، فعن أنس (رض)، قال: "خدمت النبي (ص) عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لِمَ صنعت؟ ولا: ألا صنعت". وعند عبدالله بن عمر (رض)، قال جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت عنه رسول الله (ص)، ثمّ قال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فقال: "كل يوم سبعين مرة". ورُوي أن جارية لعلي بن الحسين (رض)، كانت تسكب عليه الماء ليتوضأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجّه، فرفع علي بن الحسين (رض)، رأسه إليها، فقالت الجارية: "إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (والكاظمين الغَيْظَ). فقال لها: قد كظَمْتُ غيظي. قالت: (والعَافِينَ عَن النَّاس) فقال لها: قد عَفَا الله عنك. قالت: (والله يُحبُّ المُحْسِنينَ)، قال: اذهَبي فأنتِ حُرّة". - المصارَحة والمناصحة: ثامناً: المصارحة والمناصحة بصدق ووضوح، فلا تزول الإحن والعداوات، وتسلم الصدور بين الأهل والأصحاب والجيران إلا بالمناصحة والمصارحة. قال النبي (ص): "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". ولا شك في أنّ النصيحة لها ضوابطها وشروطها، لتُؤتي أُكلها، وتعظم ثمارها، ومن أهمها حتى تكون سبباً في سلامة القلب بين المتناصحين، أن تكون صادقة لله، وأن تكون في السر، وأن يكون الناصح حريصاً على إيصال الخير للمنصوح وإبعاد الشر عنه. وكم مرة استوضحنا أموراً من أصحابنا كنّا نشك فيها، فتبيّن لنا أنّ الشيطان يريد أن يُوقع بيننا العداوة والبغضاء، فمن بلغه عن زوجته أو صاحبه أو جاره خبر، فلا يجوز له أن يحكم عليه إلا بعد أن يتحقق من الأمر ويستوضحه، وإلا سيكون من النادمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6). - الهدية: تاسعاً: الهدية، فهي سبب في سلامة القلوب وزيادة المحبة والمودة. قال رسول الله (ص): "تَهَادُوا تَحَابّوا". وقال رسول الله (ص): "تهادوا فإنّ الهدية تّذهب وحر الصدر". - البُعد عن مَواطن الشُّبهات: عاشراً: البعدٍ عن مواطن الرَّيب والتهم والشك، حتى لا يفتح باباً للشك فيه من قِبَل الناس، ويحرجهم، ويكون سبباً في تسلل الشيطان إلى قلوبهم. فعن أم المؤمنين السيدة صفية بنت حيي (رض) قالت: كان النبي (ص) معتكفاً. فأتيته أزوره ليلاً، فحدّثته، ثمّ قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فَمَرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيَا النبي (ص)، أسْرَعَا. فقال النبي (ص): "على رسلكما. إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله! يا رسول الله! قال: "إنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرَى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً" أو قال "شيئاً". وختاماً، فإن سلامة القلب هي السعادة التي ننشدها في الدنيا، والفوز العظيم في جنّات النعيم الذي نسعى جاهدين إلى بلوغه، وإذا كانت ثَمَرَة سلامة القلب هي القرب من الله العظيم ونَيْل مَحَبّته ورضوانه، فيجب علينا أن نبذل ما في وسعنا وقصارى جهدنا، لنصل إليها ونكون من أهلها.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق