طلال عبدالمعطي مصطفى
يرى (جورفتش) أن أنواع الضبط الإجتماعي ستة وهي "الدين وينافسه السحر في المجتمع البدائي والأخلاق، القانون، الفن والتربية وكذلك يرى أن كل نوع من هذه الأنواع الستة يمكن تقسيمه إلى فروع صغرى وأن أثر كل نوع وفرع من هذه الأنواع يتوقف على طبيعة المجتمع الذي تسود فيه.
أما عند ابن خلدون فيشمل الدين والقانون والآداب والعرف والعادات والتقاليد التي يعبر عنها بقوله: "وقوانين طبيعية في الاجتماع، وأشياء من مراعاة الشوكة، والعصبية ضرورية"، والمثل العليا التي يعبر عنها بقوله: "الحكماء في آدابهم والملوك في سيرهم".
أمّا "ادوردرس" فقد أورد أربع عشرة وسيلة للضبط الاجتماعي: الرأي العام، القانون، الاعتقاد، الإيحاء الاجتماعي، التربية، العرف، الدين، المثل العليا الشخصية، الشعائر والفن، الشخصية، التوهم، والقيم الاجتماعية وبإمكاننا التمييز بين عدة أشكال للضبط الاجتماعي أهمها:
1- الضبط الديني: وهو عبارة عن القواعد الدينية، التي هي مجموعة من الظواهر الاقتصادية والطقوسية العملية التي تتصل بضبط وتنظيم سلوك الأفراد حيال بعضهم البعض، تنظيماً يكون مصدره العالم المقدس أو القوى الغيبية أو الآلهة أو الأرواح أو الله في الديانات التوحيدية، والمعتقدات الدينية تفرض نفسها على المؤمن الذين يخضع لها ويطيعها وهناك عقوبات مقررة لمن يتمرد عليها وقد تختلط العقوبات الدينية بالعقوبات القانونية والخلقية.
وقد اعتبر "أوغست كونت" "الدين منبت مقاييس السلوك وبالتالي مصدر الضوابط الاجتماعي ومعنى ذلك أنّ القواعد الدينية أصيلة تفرعت عنها القواعد الخلقية في حين ذهب كل من تونيس ودور كهايم إلى أنّ الدين نشأ لتقديس الأفكار والقواعد الاجتماعية والخلقية وذهب (تونيس) إلى أنّه مع ذلك يصعب فهم القواعد الخلقية دون تقريبها للقواعد الدينية.
ويضبط الدين سلوك الأفراد في المجتمع بالثواب والعقاب لا في الحياة الدنيا فحسب بل في الدار الآخرة فمن المعروف أنّ الطقوس والممارسات التي تفرضها الديانات الكبرى تعتبر ضوابط اجتماعية إيجابية للجماعات الإنسانية، فالصلاة في الإسلام – مثلاً – تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فهي وإن كانت فريضة دينية إلا أنها تهدف إلى تحقيق أهداف ومثل خلقية في ضبط السلوك الإنساني وكذلك الشأن بالنسبة للصوم في مختلف الديانات فهو من أهم وسائل الضبط الاجتماعي وما يصدق على هذه الطقوس يصدق على الزكاة باعتبارها أداة تنظيمية ذات أهداف اقتصادية في تدعيم مبدأ التكافل الاجتماعي والتساند الطبقي في المجتمع الإسلامي.
ويعد الدين الإسلامي من أقوى الأديان ضبطاً لسلوك الأفراد في المجتمع، ولا يعادله في ذلك إلا القانون الكنسي في العصور الوسطى، وتشمل تعاليم الدين الإسلامي العبادات والمعاملات بين الأفراد، فالأوامر والنواهي الخاصة بالمعاملات تحفظ النظام الاجتماعي بطريق مباشر وذلك بإيقاف كل فرد عند حدود لايتعداها، ورسم الطريق السوي الذي يجب أن يتبع في البيع والشراء والأخذ والعطاء وأنواع التعامل الأخرى.
2- الضبط الاقتصادي: يتضمن تنظيم العلاقات الاقتصادية في نطاق واسع ويظهر ذلك بصورة واضحة في تحديد الإنتاج وأوصافه وأسعار السلع، وكذلك في وضع حد أدنى للأجور وحد أقصى لساعات العمل.. إلخ.
وقد أوجد الضبط الاجتماعي بهذا الشكل في ظروف الحرب التي تتطلب تدخل الدولة في شؤون التنظيم الاجتماعي، والإشراف الدقيق على الإنتاج (...) ويضيف بعض العلماء إلى ما يشمل عليه معنى الضبط الاجتماعي في الميدان الصناعي، من اشتراك العمال في الإشراف على التوجيه الاقتصادي عن طريق اللجان العمالية وتقوية المساومة الجمعية ووسائلها المختلفة: الإضراب والتوفيق والتحكيم وليس بخاف أنّ التنظيم العمالي لشؤون العمال قد مكنهم إلى درجة كبيرة جدّاً من الوقوف موقف الند للند من أصحاب الأعمال، وهكذا تمكنوا من تحقيق كثير من مطالبهم التي تنحصر في إنقاص ساعات العمل وزيادة الأجور مع ثبات أسعار السلع وتحسين العمل داخل المصنع وخارجه.
3- الضبط السياسي: يعتبر "راد كليف براون" أنّ التنظيم السياسي يرتبط بتدعيم النظام الاجتماعي في حدود اقليمية معينة عن طريق الممارسة لسلطة القهر. أما عن تصنيف الانساق السياسية فهناك ثلاثة معايير:
1- درجة تركز السلطة، فإلى أي حد توجد سلطة مركزية تعترف بها كل الجماعات التي تكون المجتمع.
2- درجة تخصص الوظيفة السياسية، فهل يوجد شخص أو أكثر يحتل سلطة سياسية متخصصة.
3- الأساس الذي تعتمد عليه السلطة السياسية، وراثي، انتخابي، مزيج بين الاثنين.
وفي عصرنا الحالي نجد تقريباً في المجتمعات جميعها ناظم عمل سياسي يحدد طبيعة العمل السياسي للأحزاب والجمعيات والأفراد، التي لها الحق بالنشاط السياسي "الترخيص" أيضاً عملية تداول السلطة بين الأحزاب وكذلك ناظم كل عمل الترشيح والانتخاب للبرلمان وتشكيل الحكومة والمجالس البلدية... إلخ.
4- الضبط الثانوني: لاشك أنّ القانون من أقوى الضوابط الاجتماعية وأبعدها أثراً في تنظيم الحياة الاجتماعية، ويرى "ماكيفر" أن هناك ثلاثة أنواع من القانون:
1- القانون القانوني: الذي يُفرض على الناس بطريقة تحكمية، ويحافظ عليه بوساطة عقوبات مختلفة، توقع على من يخرج عليه وتسنه وتسهر على تنفيذه سلطة قوية.
2- القانون الطبيعي: هو القانون الذي يتأصل في ضرورة الأشياء ولا يمكن تجنبه.
3- القانون الاجتماعي أو العرفي: الذي توجده الهيئة الاجتماعية وتحافظ عليه كأساس منظم للعلاقات الاجتماعية، وتكافئ من يحافظ عليه باحترامه والإقبال عليه كما تعاقب الخارج بالاحتقار والاغفال وباجراءات أخرى صارمة مؤلمة.
ويمتاز القانون عن سائر الضوابط الاجتماعية الأخرى بما فيه من اجبار واسع النطاق ملزم لجميع الأفراد على السواء ولا يسمح لأي فرد أن يخرج عليه بأية حال من الأحوال، حتى لو كان الفرد جاهلاً به (...) ونجده يسن ويكتب بطريقة مقصودة بوساطة أفراد معنيين لكي تطبقه الحكومة على جميع الأفراد.
5- الضبط العرفي: ما يميّز الضبط العرفي عن القانون، أنّه عبارة "عن اجراءات جمعية" تخلقها الحياة الاجتماعية تدريجياً فتنمو مع الزمن وتستخدم من موافقة الأفراد العامة عليها وقبولهم أياها سنداً وظهراً ولذلك يصح أن يقال إنّ العرف تلقائي ومنبعث من الهيئة الاجتماعية ذاتها أما القانون فيفرض عليها فرضاً وكأنما هو خارج عنها ويراد ادماجه فيها (...) ونجد العرف بوجه عام سابقاً للقانون (...) ويختلف العرف من جماعة لأخرى في المجتمع الواحد، وهذا وضع لا تقبله ظروف المدنية الحديثة التي تتطلب من الأفراد سلوكاً موحداً يفرضه القانون على الجميع على حد سواء.
6- الضبط التربوي: يشتمل كل مجتمع على نموذج مثالي للإنسان، حسب رأي دوركهايم، يمثل قطب المسألة التربوية ومحورها، حيث تمثل التربية في كل مجتمع "الوسيلة" التي يعتمدها في إعداد الأطفال وفقاً للشروط الأساسية الخاصة بوجوده، وبالتالي فإن لكل شعب نظامه التربوي الخاص الذي يمكن له أن يحدد في الوقت نفسه ملامح بنيته الأخلاقية والسياسية والدينية.
ويمكن تعريف التربية حسب دوركهايم بأنّها "العقل" الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم ترشد بعد وذلك من أجل الحياة الاجتماعية، ولكن هدف التربية في تنمية الجوانب الفيزيائية والعقلية والأخلاقية، وذلك على النحو الذي يحدده المجتمع السياسي بوصفه متكاملاً ووفقاً للصورة التي يعلنها الوسط الاجتماعي الخاص الذي ينتمي إليه الأطفال وباختصار شديد "التربية عملية تنشئة اجتماعية منهجية للجيل الجديد".
المصدر: مجلة المعرفة/ العدد 377
ارسال التعليق