من سمات الطفل الصغير المعارضة. ففي هذه المرحلة من النمو، يبدأ الطفل في إدراك أنّه أصبح أقل ارتباطاً بالأُم وفي إمكانه ممارسة بعض السيطرة على عالمه. والطريقة الفعّالة التي يستطيع من خلالها فعل ذلك هي تحدّي الأُم. مثلاً، حتى لو قالت له الأُم: "اذهب والعب بألعابك"، مع ذلك يرفض مُردِّداً عبارة "لا، لا أريد، أريد أن أبقى معك". إنّ الحافز الذي يدفع الطفل إلى إثبات الذات مفيد ما دام يُحفّز رغبته في العمل. فمن خلال قدرته على إنجاز عمل ما يبني ثقته بنفسه. ودور الأُم هنا أن تبيّن للطفل كيف يستطيع أن يكون مسيطراً، وكيف يُحدّد خياراته بطرق إيجابية.
من المهم أن تأخذ الأُم بعين الاعتبار، أنّه من المحتمل أن يكون بعض الأطفال الصغار مُعارضين أكثر من غيرهم، بحُكم طبيعتهم. فالأطفال الأكثر تفاعُلاً وتركيزاً في النواحي العاطفية هم أكثر معارضةً من الأطفال الهادئين والمرنين، وهذا ينطبق على الأطفال الأكثر خجلاً وحذراً. ويعود السبب إلى أنّ الأطفال الأكثر خجلاً وحذراً. ويعود السبب إلى أنّ الأطفال الأكثر معارضة يواجهون صعوبات في التفاعل مع التغيُّرات من مثل: ركوب السيارة، أو الذهاب إلى النوم، أو زيارة مكان جديد. كما يمكن أن تكون التغيرات الطبيعية اليومية مرهقة لهم وتؤدي إلى احتجاجات قوية.
ما المتوقع؟
في ما يلي، تطّلعين على ما هو متوقع من الأطفال منذ لحظة الولادة حتى سن الثالثة:
· من الولادة وحتى عمر السنة ونصف السنة: لا يملك الطفل الصغير المهارات الفكرية حتى يعمد إلى معارضة الأُم. فعندما لا يتجاوب مع مطالبها، فهو لا يفعل ذلك من باب المناورة أو ابتزازها، بل لأنّ الطفل في هذه المرحلة العمرية غير قادر على التفكير في التحدي. فمثلاً، إذا ما طلبت منه أمه مراراً عدم أخذ الكوب الزجاجي، قد لا يمتثل لطلبها بقصد تحدّيها، أو لأنّ دار في خلده: "سآخذ هذا الكوب حتى لو طلبت منّي ألّا أفعل". فهو صغير بعد على فهم القوانين والمنطق، علاوةً على أنّه لا يملك مهارة السيطرة على الذات. لذا، فهو في حاجة دائمة إلى تنبيه وتوجيه. مثلاً، إذا لم يمتثل الطفل لمطلب الأم عليها، أن تتقدم نحوه وأن تُصرّ على أخذ الكوب من يده ولكن بحذر، وأن تُبيّن له أنها تتفهّم مشاعره: "أعرف أنك مهتم بالكوب، لكنه ليس للعب". ثمّ تعطيه أي غرض آمِن، من مثل، لعبة أو كوب مصنوع من البلاستك المقوَّى، حتى يلعب به ويكتشفه.
· من عمر السنة ونصف السنة إلى عمر ثلاث سنوات: في بداية الشهر الثامن عشر، يبدأ الطفل في إدراك أنّه يختلف عن الآخرين، وأنّ لديه أفكاره ومشاعره الخاصة، التي قد تختلف عن أفكار ومشاعر الآخرين. كما أنّه يبدأ بفهم التعليمات البسيطة، وقد يستطيع تنفيذها. مثلاً، إذا قالت له الأُم: "اذهب وأحضر الكرة"، يستطيع أن يُنفّذ ما طلبت منه. فالطفل الصغير حريص على ترك بصماته على عالمه. ويميل إلى الاعتقاد أنّ من ضروريات الاستقلال تحدّي الأُم. على سبيل المثال، إذا قالت له الأُم "اذهب والبس ثيابك. لقد حان وقت الذهاب إلى الحضانة". قد يرد الطفل "لا. أريد أن أبقى في المنزل". إنّ هذا النوع من التحدي، هو نموذج لتصرف الأطفال الصغار، لأنّهم حريصون على أن تكون لهم بعض السيطرة على عالمهم، وأن يقوموا بخياراتهم بأنفسهم.
الوقاية:
حتى تنجح في التعامل مع التحدي ومع سلوك الطفل المعارض، على الأُم أن تحاول معرفة السبب الذي يجعل الطفل يتحداها وتساعده على معالجته. فمثلاً، إذا ما رفض الطفل الذهاب إلى الحضانة في يوم ما، عليها أن تجعله يُدرك أنّها تعرف أنّه من الصعب عليه ترك المنزل للذهاب إلى الحضانة، ثمّ تعطيه لعبة يحبها ليتلهّى بها أثناء الاستعداد لمغادرة المنزل، وهذا يمنحه الوقت لتقبُّل الانتقال. إنّه من الصعب على الطفل في هذا العمر الانتقال من جو إلى جو آخر، فإذا ما كان يلعب وحل موعد النوم، من الخطأ الطلب منه ترك اللعب حالاً والذهاب إلى السرير، الأمر الذي يُثير غضبه ويدفعه إلى تحدّي الأُم. قد يكون من المفيد أيضاً أن تُنذر الأُم طفلها مسبقاً قبل أن يحين وقت الانتقال. ففي إمكانها مثلاً الاستعانة بساعة رملية، تُمكّن الطفل من رؤية الوقت وتتبعه. إنّ صنع لوحة تتضمن صوراً تُظهر خطوات الروتين اليومي، يمكن أن يكون مفيداً جدّاً أيضاً. مثلاً، صُور تُبيّن طفلاً يقوم بالأعمال التالية بالتتابُع: ينظّف أسنانه، يغسل وجهه، يذهب إلى فراشه، يقرأ ثمّ ينام. مثل هذه الصور تساعد الطفل على توقع ما يمكن أن يحدث تالياً. أمّا إذا كان عمر الطفل يزيد عن السنتين، ففي إمكان الأُم إعطاؤه إشارات تساعده على الانتقال من مثل، "بعد ثلاث جولات على "الزحليقة" نعود إلى المنزل". ومن المهم جدّاً أن تلتزم بالوقت الذي تحدده.
التعاطف:
ثمة ضرورة لوضع الحدود الواضحة أمام الطفل. إنّ الخطوة الأولى لوضع الحدود التي تراها الأُم مناسبة هي اعترافها بمشاعر طفلها، وأن تضع في اعتبارها أنّ مشاعره ليست هي المشكلة، بل إنّ ما يفعله بمشاعره هو الذي يسبب التحدي في الأغلب. تميل معظم الأُمّهات إلى تجاوز هذه الخطوة، ويذهبن مباشرة إلى وضع الحدود. فالاعتراف بمشاعر الطفل أوّلاً، يجعله يُدرك أنّ أُمّه تأخذ مشاعره بعين الاعتبار عند وضعها الحدود. فالتعاطف والاعتراف بالمشاعر يُساعدان الطفل على التخلّي عن التحدي والبدء في التهدئة. كما أنّ إطلاقها صفات على مشاعره، وذلك باستخدام لغة بسيطة ومباشرة، يساعده على تَعلُّم توخّي الحذر من انفعالاته، وبالتالي إدارتها. مثلاً إذا ما تحدّى طلبها بالاستعداد للنوم، يمكنها مخاطبته قائلة: "أعرف أنك لا تُريد ارتداء البيجاما. فمن الصعب الانتقال من اللعب إلى النوم". وإذا ما تجاوزت الأُم هذه الخطوة، قد يزداد غضبه ليُظهر لها، بصوت أعلى وأقوى، مدى شعوره بالضِّيق.
خطوات:
بعد الاعتراف بمشاعر الطفل، على الأُم اتِّخاذ الخطوات التالية:
· استخدام لغة مفهومة من الطفل: يجب أن تحرص الأُم على أن تكون الجُمل قصيرة وواضحة، وألّا تحمل معنى التهديد. مثلاً، "حان وقت النوم، يجب أن تنام حتى ترتاح وتكبر وتقوَى".
· عرض الخيارات: يجب أن تُقدّم الأُم خيارات للطفل، على أن تكون مقبولة منها. على سبيل المثال، "هل تريد أن تلبس بيجامتك قبل أو بعد قراءة القصة؟"، أو "هل تريد أن ترتدي بيجامتك وحدك أو تريد أن أساعدك؟". كما يمكنها أن تُخيّر الطفل بين بيجامتين، "هل تريد أن تلبس البيجاما الزرقاء أم الحمراء؟". إنّ تقديم خيارات للطفل يمنحه الفرصة ليشعر بأنّه مُسيطِر على عالمه بطُرق إيجابية، ويُقلّل من التحدّي.
· استخدام الفكاهة: إنّ اعتماد أسلوب الفكاهة في التواصُل مع الطفل يُعتبر طريقة رائعة للتخفيف من حدّة الخلاف. على سبيل المثال، في إمكان الأُم لبس بيجامة الطفل في رأسها، أو تحاول إلباس الألعاب الحيوانات أي قطعة من ملابس الطفل.
· مُشاركة الطفل خياله: إذا رفض الطفل الذهاب إلى النوم، في إمكان الأُم القول: "إنّ الدّب لعبتك مُتعَب جدّاً. يريد أن ينام ويريد منك أن تنام بالقرب منه وتحضنه". أو، إذا رفض الطفل جمع ألعابه، في إمكانها القول: "يريد الدّب لعبتك العودة إلى مكانه مع بقية ألعابك الحيوانات. دعنا نتسابق لنرى مَن منّا الأسرع في وضعها في مكانها".
· فرض الحدود: إذا لم تنفع كلّ الاستراتيجيات المذكورة أعلاه مع الطفل واستمر على موقفه وتحدَّى الأُم، عليها أن تضع حدّاً لتحديه بالقول بهدوء وثبات "اصعد إلى السيارة بنفسك وإلا سأحملك وأضعك على كرسيك". فإذا ما أصرّ الطفل على التحدي وعدم الصعود إلى السيارة، عليها بعد ذلك أن تحمله من دون غضب وتضعه في مقعده في السيارة، وتقول له بلهجة هادئة "أعرف أنك لا تحب الجلوس مربطاً في مقعدك بالسيارة، إنني أتفهّم موقفك". أو، في إمكانها البدء في حديث لا علاقة له بموضوع غضبه ورفضه الصعود إلى السيارة. على سبيل المثال: "انظُر إلى ذلك الكلب الكبير الذي يسير في الشارع". أو "ماذا تريد أن تأكل اليوم"؟ المهم ألّا تُولي الأُم احتجاجات طفلها الكثير من الاهتمام. فهدفها هو وضع حد لسلوكه. وأسرع طريقة لفعل ذلك هي تجاهل احتجاجه، إلا في حال كان سلوكه مؤذياً وأخذ يضرب أو يلكم أو يصفع أو يركل. في هذه الحالة، عليها أن تكون حازمة في وضع حد لسلوكه، وأن توضح له أنّ في إمكانه أن يغضب، ولكن من غير المسموح له أبداً أن يلجأ إلى استخدام العنف.
· عدم الاستسلام: إذا استسلمت الأُم إلى نوبات غضب الطفل، فسيتعلم أنّه إذا ضغط كثيراً عليها، يحصل على ما يُريد. كما يؤدي استسلامها إلى مواجهة صعوبة كبيرة في فرض الحدود في المرّات المقبلة.
انتباه الأُم إلى سلوكها:
أحياناً، تترك خيارات الأُم وسلوكيّاتها أثراً قوياً في سلوك الطفل. على الأُم أن تتجنَّب الأسباب التي تجعل الطفل يغضب، فيتحدّاها من مثل القول له "اذهب إلى فراشك الآن، سامع؟". على الرغم من شيوع وسيلة التواصل هذه بين الأُمّهات، إلا أنّها تُربِك الطفل الصغير. فقد يأخذ الطفل السؤال على محمل الجدِّ، ويعتقد أنّ أُمّه لا تطلب منه الذهاب إلى النوم، بل تُخيّره. لذا، قد يرد قائلاً: "لا، أفضّل ألّا أذهب الآن إلى النوم". الأمر الذي يُمكن أن يؤدي إلى صراع لا لزوم له بين الطرفين. من هنا، يجب أن يكون كلام الأُم واضحاً لا يتضمن احتمال التخيير. على سبيل المثال، القول: "حان وقت ارتداء البيجاما والاستعداد للنوم. تريد لبس البيجاما الزرقاء أم الحمراء؟".
بشكل عام، على الأُم أن تضع في اعتبارها أنّ ما يصلح من استراتيجيات التعامُل مع تحدي الطفل في ظرف ما، قد لا يصلح في ظروف أخرى. من هنا، يجب عليها تعديل التعليمات والقوانين بما يتناسب مع تَغيُّر الظروف وتَقدُّم الطفل في العمر. فالمرونة تعطي دائماً النتائج المرجوّة. وبمقدار ما تكون الأُم حاسمة حيال تحدّي الطفل، يكون إدراكه أسرع بأنّ التحدّي مرفوض.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق