◄ليست مصادفة لغوية عابرة ذاك التشابه التام في الأحرف بين كلمتي "أمل" و"ألم". يكفي استبدال موقع حرف واحد حتى تتبادل الكلمتان الأدوار، فيحل الألم مكان الأمل، والأمل مكان الألم.
وتكاد اللغة العربية تكون ملأى بمثل هذه "المصادفات"، التي تأخذ في الصرف والنحو تسميات متعددة، مثل "الطباق" و"الجناس" و"التصحيف" و"التورية" إلى آخر أشكال البديع والبيان، ما يدل على عظمة هذه اللغة وبراعة مستخدميها الأوائل، الذين جعلوها وعاء يسع العالم كله، وإن كنا الآن لسنا في وارد بحث لغوي أم نحوي، لهما أهل وناس أكثر إلماماً ومعرفة منا بخفايا اللغة وأسرارها الفاتنة.
ما نوده الآن هو الحديث عن الأمل، الأمل الضروري لكل إنسان كي يتابع حياته ويواجه ما فيها من تحديات ومصاعب ليست هينة على الإطلاق. حتى أولئك الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب، لا تخلو حياتهم من الألم والمعاناة. فالمرض يصيب الجميع، دون تمييز بين غني وفقير، والحيرة تنتاب الكل دون تفريق بين حاكم ومحكوم، والمعاناة ليست وقفاً على فئة محددة من الناس، وإن كانت تتفاوت بين إنسان وآخر بحسب الظروف والبيئة، وسواها من عوامل تزيد أو تخفف مقدار الألم.
لعل أكثر الناس حاجة إلى الأمل هم أولئك المتألمون الذين يقفون على أبواب الرجاء طلباً للرحمة والخلاص. لهذا، يغدو الأمل أكثر التصاقاً بالألم. ولو دققنا جيداً لوجدنا في جوف كلّ ألم أملاً ما، لولاه لما استطاع المتألم احتمال عذاباته وأوجاعه. هذه العذابات والأوجاع قد تكون جسدية، وقد تكون نفسية، من دون إغفال الترابط الأكيد بين الجسدي والنفسي. لكن، أياً كانت طبيعة الألم الذي نعيشه ونصارعه، فإنّه يغدو أخفّ وطأة إذا اقترن بالأمل، لأن فقدان الأمل يجعل الحياة مأساة وفاجعة لا تُطاق. وأقسى الآلام تلك التي تكون مقرونة باليأس والقنوط، بحيث يفقد الكائن البشري معها الرغبة في البقاء على قيد الحياة، ويستعجل الموت، آملاً في أن تكون النهاية هي الخلاص بذاته.
الألم لا يصيب فقط الأفراد، بل يصيب أيضاً الجماعات والشعوب. تكفي أحياناً جولة صباحية في أي مدينة تعيش أوضاعاً معقدة وأزمات وصراعات، لنكتشف أنّ المعاناة الجماعية تتوزع على قسمات الناس بالعدل والقسطاس. ومقارنة بسيطة بين الشعوب التي تعيش ضمن دول آمنة مستقرة مزدهرة، وتلك التي تعيش في دول مضطربة غير مستقرة، تجعلنا نرى الابتسامة بادية على وجوه الجميع في الأولى، بينما التجهم سيد الموقف في الثانية
الأمل ضروري وأكثر من ضروري. لكن مهلاً.. من المهم جدّاً ألا نقع في فخ الآمال الكاذبة أو الوهمية. علينا استنباط الأمل من جوف الألم الذي نعيشه عبر السعي الحثيث لمعالجة مكامن الداء وأسبابه. حينها يغدو الأمل نافذة حقيقية نحو المستقبل، لا مجرد وهم كاذب نقنع أنفسنا به لنصطدم لاحقاً بصخرة الواقع الصلبية القاسية والمؤلمة.
أجمل الآمال تلك القابلة للتحقق، وكلما حققنا واحداً رسمنا آخر جديداً.. وهكذا دواليك، كي نستطيع الاستمرار، ولعل أنجع السبل لتحقيق الآمال هو البدء من حلم متواضع قابل لأن يتحول حقيقة، وكلما أنجزنا شيئاً مهما كان بسيطاً ومتواضعاً تقدمنا نحو أمل آخر جديد.
هكذا إذا يغدو الأمر ضرورة للاستمرار شرط ألا نجعله فخاً للخيبة، وقديماً قال الشاعر:
"أعلّلُ النفْسَ بالآمال أرقُبها ما أضيقَ العيش لولا فُسحةُ الأمل".►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق