• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

دليل المحرمات في القرآن/ ج (2)

أسرة

دليل المحرمات في القرآن/ ج (2)
7- المحرّمات اللِّسانية: أ- حرمة الكَذِب: قال تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل/ 105). التطبيق الحياتي: الكذب طمس للحقيقة وترويج للباطل، لذلك لا يلتقي والإيمان بحال. سُئل النبي (ص): "هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك، قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا. ثمّ أتبع (ص) كلامه بقوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)". وقال الإمام الحسن العسكري (ع): "جُعلت الخبائث في بيت، وجُعل مفتاحه الكذب". إنّ الكذب يُزلزل العلاقات الإجتماعية ويُزعزع الثِّقة، بل ويشيع أحياناً حالة الخوف حتى من الصادقين.   ب- حرمة الغيبة: قال تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات/ 12). التطبيق الحياتي: يمكن اعتبار حرمة الغيبة حرمة إجتماعية تمنع المغتاب من أن ينال أخاه بالسوء وهو غائب، أي أنّ الإنسان يريد حماية الآخر غيابيّاً أيضاً، ويحافظ على كرامته من الانتقاص بإظهار عيوبه الخفيّة، يريد أن يقول إنّ الجوّ المشحون بالسلبيات يُشكِّل انطباعاً عامّاً بأنّ الخير في الحياة قليل وأنّه غير واقعي، وحرصاً منه على تنقية الأجواء ممّا يلوِّثها رسم صورة كريهة للغيبة، وهي الأكل من اللّحم الميِّت. يقول الإمام علي (ع): "الغيبةُ جُهدُ العاجز"، فهي أسلوب جبانيّ؛ لأنّ الذي يمتلك الجرأة والشجاعة لا يطعن من الخلف.   ت- حرمة السخرية: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات/ 11). التطبيق الحياتي: حرّم الإسلام السخرية بكلِّ أشكالها، اللّفظيّة، أو المضمونيّة، أو التقليدية (تقليد الحركات)، أو الإشاراتيّة، وكلّ ما يوحي بالإستهانة بالآخر والانتقاص منه والهزء به شعوراً من الساخر أنّه أفضل من المسخور منه. والحال إنّ لكلِّ إنسان في المجتمع المسلم احترامه، وليس لأحدٍ أن يُسيء إلى حرمة أحد فيزدريه أو يحقِّره أو يستثير ضحكات الآخرين عليه، فيجعله أضحوكة ومثار استخفاف. وذكر النِّساء في الآية – على الرغم من أنّهنّ من القوم أيضاً – ربّما لاهتمامهنّ بالمظهر أكثر من انتقادهنّ للأقلِّ جمالاً، والردّ الضمني في الآية غني بالدلالة على أنّ المسخور منه قد يكون أفضل عند الله من الساخر، بل وقد يفوقه في أمور حياتيّة أهمّ من الشكل والمظهر. ومن مستقّات السخرية: التنابز بالألقاب، والتحدّث عن المعايب، والتشطيط والتشهير، في التعبير بـ(أنفسكم) إشارة إلى أنّ مَن تسخرون منهم هم إخوانكم في الله الذين بمثابة أنفسكم، فهل يسخر عاقلٌ من نفسه ويهينها بالهزء أمام الآخرين؟!   ت- حرمة النّميمة: قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم/ 10-11). التطبيق الحياتي: النميمة هي السعاية للإفساد بين طرفين، حيث ينقل النمّام عند هذا شيئاً ضدّ الآخر، ويمشي إلى الآخر لينقل له ما يشعل الفتنة بينه وبين الأوّل، والمستفيد من نشوب الحريق هو النمّام (الذي هو شيطان بلباس آدميّ) والذي لا يهنأ ولا يغفو له جفن إذا رأى علاقة سليمة أو متينة أو حميمة، فإنّه بلسانه – وليس بيده – يُهدِّم كلّ بناء بُنيَ على المحبّة، ويغر الصدور، ويُعمِّق الخلاف، ويتصيّد في الماء العكر، لذلك فهو (معتدٍ) و(أثيم) و(عتلّ) أي سيِّئ الخُلق وشديد الخصومة بالباطل، و(زنيم) لا أصل له ولا انتماء للجماعة الصالحة. إنّ بعض هؤلاء لديه استعداد أن يوقِع بينكَ وبين أخيكَ ويُبقي على علاقته بكما معاً، فما أشدّ خُبثه ودناءته!   8- حرمة سوء الظّنّ: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12). التطبيق الحياتي: قد لا يبدو سوءُ الظنِّ ذا علاقة بالواقع؛ لأنّه خاطرٌ ذهنيّ، لكنّ واقعيّته تتأثّر من كونه مقدّمة للتحرِّي والنّبش والتصيد من أنّ ما جاء طارئاً على البال، قد يكون له أصلٌ في الواقع، ولذلك كان الباب إلى (التجسّس)، كما أنّ التجسّس كان بوّابة (الغيبة). ولذلك كان الأدب الإسلامي دائماً ينهى عن الاقتراب من دائرة المحرّم لئلا يقع المقترب من دائرته فيه.   9- حرمة التجسّس: قال تعالى: (ولا تَجَسَّسُوا) (الحجرات/ 12). التطبيق الحياتي: أعطى الله تعالى الحياة الخاصّة لكلّ إنسان حرمة شرعيّة ولم يجز للغير اقتحامها، فلا يجوز التلصّص، واستراق السمع، والتفتيش عن أسرار الآخرين الخفيّة، ذلك أنّ في حياة كلِّ إنسان مناطق محظورة لا يحبّ لأحدٍ أن يطّلع أو يتسوّر عليها، وإذا كان يستتر ويتكتّم، فلِمَ تهتك ستره، وتفضح سرّه، وتكشف مُغطّاه؟ إنّ عليك أن تُغطِّي عورة أخيك لا أن تكشفها. هذا بالطبع على الصعيد الإجتماعي، أمّا مستثنيات التجسّس أو ما يُسمّى بالعيون والرّقابة للتحقّق من سلامة التطبيق ممّا تستدعيه الضرورات الأمنيّة، فلها موضوع آخر.

ارسال التعليق

Top