1- رمضان شهر العبادة والصحة، لا الكسل والخمول:
شهر رمضان، موسم الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران. وفي رمضان يحلو الحديث عن فوائد الصيام الصحية والنفسية.. ولكن، وللأسف الشديد فإن شهر رمضان قد يكون عند البعض شهر الإسراف والإستهلاك والتبذير.. شهر الكسل والخمول.
فقد قدر الخبراء نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك السنوي في بعض الدول العربية بحوالي (20%)؛ أي إنها تستهلك في شهر واحد، وهو شهر رمضان، خمس استهلاكها السنوي كله، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية أربعة الأخماس الباقية.
والصوم الطويل ليس بالغريب ولا بالصعب علينا، فلقد قرأنا في سيرة الرسول (ص) أنه كان يصوم شهر شعبان إلا قليلاً، ثم شهر رمضان المبارك، ثم يتبعه بست من شوال، أي: ما يقرب من ستين يوماً متتالية!.
وروى أبو أمامة: أنه ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله (ص) خبز الشعير، وكان يكثر من الصيام.
وكان سقراط (470-399 قبل الميلاد) يصف الصيام للمرضى في أحرج المراحل، ويقول عن عمل الصوم: "كل إنسان منا في داخله طبيب، وما علينا إلا أن نساعده حتى يؤدي عمله".
وأما الشيخ الرئيس ابن سينا فلم يتنازل عن الصوم كدواء، بل كان مفضلاً لديه، ويقول: "إنه العلاج الأرخص والأمثل".. وكان يصفه للغني والفقير ويعالج به الزهري والجدري وأمراض الجلد!.
ومما يؤسف له أن صيام المسلمين اليوم يختلف في كثير من الوجوه عن الصيام الكامل الذي كان عليه النبي (ص) وأصحابه.
وتقل ساعات العمل في رمضان، وتتضاعف المواد التموينية.. الأمر الذي جعل الصيام في نظر المسلمين فريضة شاقة قاسية، تطلب الراحة والغذاء الدسم، والتسلية البريئة وغير البريئة.. واستقر لدى أذهان الناس أن رمضان شهر الكنافة والقطايف والسهرات، لا شهر الكفاح والانتصار والتقوى والعبادة!.
2- الصوم راحة للجسم:
والصوم يعتبر في الدرجة الأولى راحة للجسم، راحة لأعضاء أنهكها الإفراط في الطعام؛ يمنحها الفرصة لإصلاح ما أصابها من عطب وأذى، ويعطيها مهلة كافية تطرح فيها السموم والفضلات، وتصبح جاهزة لمجهود جديد.
ومن منا من لا تتوق نفسه للإجازة بعد عناء عام كامل؟!..
فالصيام بالنسبة للأصحاء راحة للمعدة والأمعاء، فيجد الصائم نفسه مضطرّاً لتنظيم أوقات طعامه خلال شهر كامل، وهو ما يعطي جهاز الهضم فرصة كافية لأن يصلح الكثير من اضطراباته التي تراكمت طوال العام.
3- وصايا صحية في رمضان:
أ- "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر":
وفي التعجيل بالإفطار آثار صحية ونفسية هامة؛ فالصائم يكون في ذلك الوقت بحاجة ماسة إلى ما يعوضه عما فقد من ماء وطاقة أثناء النهار، والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر الدم، مما يؤدي إلى الشعور بالهبوط والإعياء العام، وفي ذلك تعذيب نفسي لا طائل منه، ولا ترضاه الشريعة السمحاء.
ب- "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر":
وهذا حديث آخر لرسول الله (ص) رواه الأربعة.
وعن أنس (رضي الله عنه): "أن النبي (ص) كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من الماء".
فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى مصدر سكري سريع، يدفع عنه الجوع، مثلما هو بحاجة إلى الماء.
والإفطار على التمر والماء يحقق الهدفين، وهما دفع الجوع والعطش.
وتستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية بسرعة كبيرة، كما تحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما يقي من الإمساك، ويعطي الإنسان شعوراً بالامتلاء، فلا يكثر الصائم من تناول مختلف الأطعمة!.
ج- أفطر على مرحلتين:
فقد كان الرسول (ص)يعجِّل فطره على تمرات أو ماء، ثم يعجل صلاة المغرب، ويقدمها على إكمال طعام إفطاره، وفي ذلك حكمة نبوية رائعة.
فتناول شيء من التمر والماء ينبه المعدة تنبيهاً خفيفاً، وخلال فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء، ويزول الشعور بالعطش والجوع، ويعود الصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره، وقد زال عنه الشعور بالنهم.
ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة كثيراً ما يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث عسر الهضم.
د- تجنب النوم بعد الإفطار:
بعض الناس يلجأ إلى النوم بعد الإفطار..
والحقيقة أن النوم بعد تناول وجبة طعام كبيرة ودسمة يزيد من خمول الإنسان وكسله.
ولا بأس من الاسترخاء قليلاً بعد تناول الطعام.
وتظل النصيحة الذهبية لهؤلاء الناس هي ضرورة الاعتدال في تناول طعامهم، ثم النهوض لصلاة العشاء والتراويح، فهي تساعد الجسم على هضم الطعام، وتعيد لهم نشاطهم وحيويتهم.
هـ- "تسحروا فإن في السحور بركة":
فقد أوصى الرسول (ص) في هذا الحديث الذي رواه الشيخان، بضرورة تناول وجبة السحور.
ولا شك في أن تناول السحور يفيد في منع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان، ويخفف من الشعور بالعطش الشديد.
ويستحسن أن يحتوي طعام السحور على أغذية سهلة الهضم؛ كاللبن الزبادي، والعسل، والفواكه، وغيرها.
و- اختر لنفسك غذاء صحيّاً متكاملاً:
فاحرص على أن يكون غذاؤك متنوعاً وشاملاً لكافة العناصر الغذائية، واجعل في طعام إفطارك مقداراً وافراً من السلطة، فهي غنية بالألياف، كما تعطيك إحساساً بالامتلاء والشبع، فتأكل كمية أقل من باقي الطعام.
وتجنب التوابل والبهارات والمخللات قدر الإمكان.
كما يستحسن تجنب المقالي والمسبكات، فقد تسبب عسر الهضم وتلبك الأمعاء.
ز- (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف/ 31):
تلك هي آية في كتاب الله، جمعت علم الغذاء كله في ثلاث كلمات!..
فإذا جاء شهر رمضان والتزم الصائم بهذه الآية، وتجنب الإفراط في الدهون والحلويات والأطعمة الثقيلة، وخرج في نهاية شهر رمضان وقد نقص وزنه قليلاً، وانخفضت عنده الدهون، يكون في غاية الصحة والسعادة.. وبذلك يجد في رمضان وقاية لقلبه، وارتياحاً في جسده.
فالكنائف والقطائف وكثير من الحلويات واللحوم والدسم، تتحول في الجسم إلى دهون، وزيادة في الوزن، وعبء على القلب.
وقد اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام، ثم يطفئ لهيب المعدة بزجاجات المياه الغازية أو المثلجة!.
ورغم عدم التزام الكثير من المسلمين بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان، ورغم إسرافهم في تناول الأطباق الرمضانية الشهيرة، فإن صيام رمضان قد حقق نقصاً في وزن الصائمين بمقدار (2-3) كيلوغرامات في عدد من الدراسات العلمية.
ح- "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يغضب":
حديث لرسول الله (ص) متفق عليه.. فماذا يفعل الغضب في رمضان؟..
من المعلوم أن الغضب يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم بمقدار كبير، وإذا حدث ذلك في أول الصيام (أي: أثناء هضم الطعام) فقد يضطرب الهضم ويسوء الامتصاص.. وإذا حدث أثناء النهار تحوّل شيء من الغليكوجين في الكبد إلى سكر الجلوكوز ليمد الجسم بطاقة تدفعه للعراك، وهي بالطبع طاقة ضائعة.
وقد يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى حدوث نوبة ذبحة صدرية عند المصابين بهذا المرض، كما أن التعرض المتكرر للضغوط النفسية يزيد من تشكل النوع الضار من الكولسترول، وهو أحد الأسباب الرئيسة لتصلب الشرايين.
ط- رمضان فرصة للتوقُّف عن التدخين:
من المؤكد أن فوائد التوقف عن التدخين تبدأ منذ اليوم الأول الذي يقلع فيه المرء عن التدخين، فمتى توقف عن التدخين، فمتى توقف عن التدهين بدأ الدم يمتصى الأوكسجين بدلاً من غاز أول أكسيد الكربون السام، وبذلك تستقبل أعضاء الجسم دماً مليئاً بالأوكسجين، وتخف الأعباء الملقاة على القلب شيئاً فشيئاً.
والمدخنون الذي يريدون الإقلاع عن هذه العادة الذميمة سوف يجدون في رمضان فرصة جيدة للتدرب على ذلك.
فإذا كنت أيها الصائم تستطيع الإقلاع عن التدخين لساعات طويلة أثناء النهار، فلماذا لا تداوم على ذلك؟! وليس هذا صعباً بالتأكيد، ولكنه يحتاج إلى عزيمة صادقة، وتخيُّلِ دائم لما تسببه السيجارة من مصائب لك ولمن حولك.
ي- تجنب الماء البارد جدّاً والبهارات والحريفات:
بعض الناس يتجرَّع كمية كبيرة من الماء البارد جدّاً أو المثلج عند الإفطار قبل أن يتناول أي طعام، وهذا عمل غير محمود، فقد يؤدي إلى توتر عضلات المعدة، وبطء حركتها.
والبعض الآخر يفرط في تناول البهارات والحريفات كالفلفل والشطة، وقد يؤدي ذلك إلى تهيج المعدة وتخريش غشائها المخاطي.
كما أن الإفراط في المخللات والمقبلات يزيد من تناول ملح الطعام الذي تحتوية، مما يسبب مزيداً من العطش، وبالتالي شرب المزيد من الماء، فترتبك المعدة ويصعب الهضم.
ولهذا يستحسن تجنب المخللات والمقبلات والبهارات والحريفات قدر الإمكان.
4- وأخيراً: هل حقّاً نصوم رمضان؟:
فالصيام حركة في النهار سعياً وراء الرزق الحلال، وهو حركة في الليل في صلاة التراويح، وهو دعوة لجسم سليم، وقلب تائب إلى الله، طامع في رحمته. ولكن – وللأسف الشديد – فإن الصيام الذي يمارسه البعض منا، ليس هو الصيام الذي شرعه الخالق، فهو نوم لمعظم النهار، وغضب لأتفه الأسباب بدعوى الصيام.
فالصيام عند البعض كسل جسدي، وانفعال نفسي في النهار، وتخمة، وسهر في اللهو والعبث في ليل رمضان!..
أليس من الحرام أن نضيع هذا الموسم الفياض بالخيرات كل عام؟ أليس رمضان موسماً للطاعة والعبادة، وموسماً للصحة والسعادة، وفوق هذا وذاك مغفرة وعتق من النار؟!..
المصدر: كتاب (الثقافة الصحية.. متعة الحياة)
ارسال التعليق