• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شعبان المبارك.. تدريب وتأهيل

عمار كاظم

شعبان المبارك.. تدريب وتأهيل

تتعانق الأرواح.. تتكاتف القلوب.. تتشابك أشجار طوبى.. وتشق طريقها إلى السماء تحمل نفحات عبير الصائمين.. تحمل أرواحهم على أغصائها.. ويفوح شذاها في العالم الآخر.. تتساءل الملائكة عن تلك الحركة المباركة.. والمناجاة العذبة والأغصان الخيرة.. إنّها أعمال المسبحين.. شذرات العابدين.. في شهر شعبان الأغر شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذ يتشعب فيه الخير.. كلّ الخير.. وتنزل سيول الرحمة على الأرضين.. لتقبل العباد من ذلك السيل حسب نياتهم وأعمالهم.. جهادهم لأنفسهم.. وحبهم لمولاهم العظيم.. في ذلك الوقت يحس الإنسان أنّه من عباد الله.. يحب الناس يسعى من أجل إصلاحهم.. من أجل إسعادهم.. لا يفكر بنفسه فقط بل الرحمة تفوح من حناياه.. يبدأ السؤال عن رحمه.. أهله.. عن إخوانه وذويه.. وكلّ مَن قطعه يصله بابتسامة الرضا.. وعمل الصالحين.. يشعر حقاً أنّه من أُمّة الإسلام من الذي يسيرون في خُطى الرسالة المحمّدية.. ويضحون من أجل أن تذوب أرواحهم في بوتقة الإسلام..

فشهر شعبان هو شهر مميز لما له من العظمة والمكانة، فأيامه المباركة تُقبل مُبشِّرة بقدوم شهر رمضان الفضيل، وبين يدي هذا القدوم تهل نفحات من الرحمة والمغفرة الإلهية والفضل العظيم.

أنّ شهر شعبان يهلّ علينا مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير، فهو الشهر الذي يتشعب في الخير، وهو الشهر الذي يسبق رمضان، وهو شهر الهدى النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام.

ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان فإنّه يُستحب فيه الاجتهاد في النوافل والطاعات مثل الصيام وقراءة القرآن والصدقة والذكر والاستغفار، ليحصل التأهب الروحي والبدني لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، يُكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس، وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي غُفر له ما تَقدّم من ذنبه وما تأخّر.

شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني، يُقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كلّ ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية، ودورة تأهيلية لمزيد من الصيام والقيام والطاعات، حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرّن على الصيام واعتاده، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.

إنّ الأجر الذي يُعطى للعاملين في هذا الشهر يكون أزيد مما يعطي لهم في غيره من الشهور على نفس الأعمال، فالصوم حسن في كلّ زمان إلّا أنّه في شعبان أحسن، والصلاة حسنة في كلّ زمان إلّا أنّها في شعبان أحسن، وهكذا كلّ الأعمال الصالحة الأخرى وتفاوت الدرجات يوم القيامة إنما يكون بحسب حسن العمل قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك/ 2).

فلتلتحم الصفوف العابدة.. وتتكاتف الصلوات الصاعدة وتتعانق التسبيحات المتهللة.. تقتحم الذنوب وتسحقها سحقاً وتربط الشياطين في الأغلال وتفتح أبواب شهر رمضان المبارك.. وتقف العيون عبرى.. والصدور حرى تذرف الدموع على أعتاب شهر التوبة والغفران شهر الرحمة.. شهر عباد الله الذين اصطفى..

ارسال التعليق

Top