وهناك العديد من المقولات الشائعة التي يردِّدها الناس منها "الفلوس تغيِّر النفوس"، "والمال يغيِّر الرجال"، لكن يصعب أحياناً الجزم بمدى صحتها إلا بعد التجربة.
تستهل حنان ماجد (طبيبة أسنان): "لا يمكن الجزم بنعم أو لا، فكلا الحالين لا يمكن تعميمهما على جميع الرجال، فهذا يعتمد على نفسيّة الشخص وتربيته والظروف التي كان يعيش بها سابقاً، فهناك من تغيّره كثرة المال وتنسيه ماضيه، وينسى من سانده ووقف إلى جانبه، وربما يصبح أكثر جحوداً وقسوة، وهناك من يجعل منه ماضيه إنساناً أكثر إحساساً بهموم الناس وأقرب إليهم، ولا ينسيه الذين وقفوا إلى جانبه".
التغيُّر أمر محتوم:
وفي سياق تحليله للأمر يرى عبدالله الحسين (إعلامي)، أنّ الحال كما اختاره رب الأحوال في كلِّ الحالات فلن يتغيّر – ربّما – سوى المظهر الخارجي بطبيعة الحال، ويبقى التعامل من حولنا كما هو في السابق، فإنّ تغيّر جزء ما من حياتنا فلربما يكون عكسياً علينا بإرادة المعطي سبحانه، ومهما تغيرت مفاهيم حياتك فدعها تخطو مسار الإيجابية، وفق ما أمر به إله الكون، لاسيّما أنّ أقسى مفاهيم التعامل مع الحياة حين تتغيّر بمجرد علو قوتنا الاقتصادية، فالرب واحد وأنت كما أنت كذلك، ولابدّ أن نستثمر تلك الخيرات بما أمرنا به الله سبحانه، ولا نكون متسلطين على أشباهنا ولا نلقى سوى المذمة منهم، بموجب تعاملنا السلبي معهم حال امتلاكنا الوقتي لخيرات نعتقد بأنّها جاءت من جهدنا الشخصي، ونسينا أنّ الله تعالى هو المعطي، وهو من يسلط كذلك".
ملذات الحياة:
أما الإعلاميّة سحر عدنان فتقول: "عندما يملك الشخص جميع ملذات الحياة تتغيّر كثير من المفاهيم، لكن البعض، لا يتغير فكره، بل يحاول أن يسعد غيره، ويساهم في البحث عن أمور من خلالها يثبت كرم إنسانيته. فلا أخفي أنّ هناك من تغير فكره وعقله، بل وحياته، وأصبح ينظر للمجتمع الذي تربى فيه بأنّه أقل كثيراً من مستواه الذي وصل إليه، إلا من رحم ربي".
لا يشمل الكلّ:
"التغير سيحصل طوعاً أو إجباراً"، هذه وجهة نظر عبدالله الجعيدي، (مسؤول علاقات)، الذي يرى أنّ التغيير سيحصل طوعاً أو بالإجبار، فلا يشمل الكلّ، لكن الشخص الذي سيصل لكلِّ هذه التغيُّرات سيعيش مراحل صعبة في حياته؛ لأنّه سيكون عرضة لانهيار في أي وقت، فالمال وحده لا يصنع حياة متكاملة، ولو كان كذلك لعاش أصحاب الأموال حياتهم بكرامة متناهية، لكن كثيرين يعرفون قصص بعض أصحاب الأموال، وكيف وصل بهم الحال بعد أن تخلوا عن كلِّ ما حولهم. والمال ضرورة، ووجوده مهم لبناء حياة كريمة، لكنّه مرض إذا أصبح هوساً يعزلنا عن عالمنا".
استمرار للنجاح:
شمايل العبد الله (وزارة الصحة) "المال نعمة من نعم الحياة، وهو وسيلة للسعادة، فحين يرزق الإنسان فجأة بالمال، وتتغير حياته من فقر إلى غنى قد يؤثر هذا التغير تأثيراً سلبياً على بعض النفوس؛ فمن الممكن أن يتنكر لحياته السابقة ولكلِّ ما يربطه بها من أهل وأصدقاء، وكلّ ما يذكره بما مرّ به من ظروف ومآس وفاقه، فيحاول بذلك أن يهرب من تلك الذكريات المؤلمة، والبعض الآخر يكون تأثير ذلك التحول عليه إيجابياً، فكلّ ما مرّ به في حياته السابقة يكون حافزاً لاستمرار النجاح والمحافظة عليه، العمل على رفع كلّ من حوله".
كره الفقر:
ناصر الحماد، (معد برامج في قناة السعوديّة)، "يعتمد ذلك على شخصية الإنسان وعلى نشأته، فهناك من يفضل العائلة والأصدقاء على المال، وهناك من يفضل المال على أي شيء آخر، وهناك من يفضل المال على أي شيء آخر، وهناك جانب نفسي؛ فبعض الفقراء مثلاً إذا اغتنى يكره الفقر؛ لأنّه عانى منه، فيتنكر لبيئته الفقيرة والأهل والأصدقاء والحارة الفقيرة".
تغير القلوب والعقول:
"سمعنا كثيراً مقولة الفلوس تغير النفوس، وتغير القلوب والعقول". بهذه العبارة بدأت بيان الحربي (22 عاماً – طالبة جامعية)، تعليقها وأضافت: "كلّ شيء قابل للتغيير، وحتى فيما بين الزوجين ينقلب الحال من علاقة رومانسيّة إلى علاقة ماديّة همها السفر والتسوق، ومن الممكن أن تؤثر سطوة المال على بعض الرجال، ومن الممكن أن يصبحوا أكثر دناءة؛ لكونهم تغيروا بسبب امتلاكهم للمال واحتقارهم لحياتهم السابقة والأصدقاء القدامى، ولسكنهم القديم وصحبتهم لأشخاص بنظرهم لا يليقون بهم، لكن ما الفائدة عندما يفعل الإنسان كلّ هذا، فهو لا يزرع ولا يحصد سوى الكره في قلوب الناس له والمقربين خاصة، وفي غالب الأحيان تختلف ردة الفعل من إنسان إلى إنسان"، وتضيف: "وهناك من ينقلب حاله رأساً على عقب؛ فيسبح في بحر الغنى بعدما كان لا يجد إلا قوت يومه، لكن يحن لماضيه البائس، ويحاول بشتى الطرق أن يعيده ليذكّره بما كان قبل أن يكون، وبينما نجده يحاول بشتّى الطرق إسعاد من هم حوله، خصوصاً ذوي القربى والأصدقاء، فهناك من يتنكر لماضيه وتُعمي بصيرته نشوة المال وكثرته؛ حتى لا يكاد يرى أحداً من قريب أو بعيد".
تحقيق الأماني:
يتفق سلطان العساف، (23 عاماً – فنان)، مع جميع التعليقات السابقة بقوله: "نعم التغيُّر لابدّ منه، لاسيّما أنّ الغرض من التغيّر هو تحقيق الأماني والالتفات إلى بناء المستقبل"، مشيراً إلى ذاته، لو حصل له أن اغتنى بقول: "لن تهون عليَّ عشرة الأصدقاء، ولا أستطيع أن أتخلى عن طيبة الأهل؛ لأنّهم الحب الصادق والملجأ والأصدقاء، ولا يوجد شخص كامل في الدنيا، والأصدقاء هم الذين يكملون جميع النواقص في كلِّ شخص".
سطوة المال:
من ناحية أخرى ترى عائشة عبدالرحمن، (طالبة ماجستير)، أنّ سلوك البشر يختلف وفقاً لعوامل كثيرة، منها اجتماعية ونفسيّة. مؤكدة "أنّ للمال سطوته على الإنسان، تلك السطوة هي التي تجعل الإنسان يَعتبر إذا اغتنى، بالأخص إذا حدث هذا الأمر فجأة؛ إذ إنّ أصدقاءه وأهله وأقاربه كانوا يعيشون في محبة ووئام، تحولوا إلى ألد الأعداء عندما علا صوت المال".
الرأي النفسي:
في تحليل نفسي للتغير الذي يمكن أن يطرأ على الشخص بعد أن امتلك كثيراً من المال، يرى الدكتور رجب بن عبدالحكيم بريسالي، (استشاري الطب النفسي)، ويؤكد بقوله: "في الحقيقة المال هو عصب الحياة، إلا أنّ حصول الثروة المفاجئة للشخص يعده علماء النفس المعاصرون عاملاً سلبياً لدى البعض، خاصة لدى أولئك الأشخاص الذين لديهم قابليّة للإصابة بالاضطرابات النفسية، فعزا العلماء الحصول على المال والثروة قد يكون له جانب مظلم يؤثر ويؤدي إلى حدوث شرخ مفاجئ في عملية التوازن الدماغي لمادتي السيروتينين والدوبامين بشكل خاص". ويضيف: "لا يستطيع الشخص استيعاب تلك الثروة الهائلة من الأموال، وبالتالي لا يستطيع دماغه تحمل ذلك من شدة الفرح، فيكون ذلك المال سطوة، بل شهوة، وبدل أن يكون نعمة لذلك الشخص يتحول إلى نقمة وبلاء عليه، ويمكن أن ينتهي به المطاف إلى إصابته بالعديد من الاضطرابات النفسية والسلوكيّة؛ فتتغير أنماط شخصيته، ويصبح متكبراً مغروراً ينظر إلى غيره من البشر بفوقية مقيتة بغيضة، ويتعالى عليهم، وإذا كان متزوجاً فيمكن أن ينعكس ذلك الثراء الفاحش على رفيقة دربه؛ فيتزوج عليها ويكسر خاطرها؛ لأنّ تلك الثروة أعمته عن رد شيء من الجميل والعرفان لأم عياله، وقد يطلقها، كلّ ذلك بسبب سطوة المال الذي له مفعول السحر على النفوس المريضة، المريضة فقط. وهناك بعض الدراسات الحديثة التي أشارت إلى أنّ المال بسطوته يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالفصام العقلي أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية؛ باعتباره من العوامل التي تؤثر بحدّة على النواقل والسيالات العصبية".
أمثال وحكم:
"المال ينفد حله وحرامه يوماً، ويبقى بعد ذلك إثمه"
"إنّ الغنى والعز في القناعة، والذل في الحرص وفي الوضاعة".
"غنى النفس خير من غنى المال".
"قد يجمع المال غير آكله، ويأكل المال غير من جمعه".
"قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى كثير مع الفساد".►
-
قد لا يكون الغنى سلبياً باختلاف حالة الرجال، فلكلِّ تصرفاته وردة فعله تجاهه حسب شخصيته
+
الفقر جمعنا والغنى فرقنا:
كانت "م. ع" (36 عاماً)، معلمة، تعيش مع زوجها وأبنائها الثلاثة في شقة متواضعة، زوجها كان يعمل في العديد من الأعمال، وكان راتبه يكفي العائلة. تتابع قائلة: "زوجي رجل محبٌّ ومتفهِّم، رقيق النفس ويحب أبناءه، قانعين بما قسمه الله لنا، ظللنا على هذه الحال إلى أن توفي والده وورث ثروة طائلة. في البداية تغيّرت حياتنا وانتقلنا إلى فيلا من ثلاثة طوابق، وأصبح لأبنائي كلّ واحد منهم حجرته الخاصة. تحولت حياتنا إلى الأفضل، إلى أن أصبح زوجي يفتعل المشاكل معي، ويشكوني إلى الأقارب بأنّني مهملة ومقصرة في شؤون بيتي، وكان يقضي أغلب وقته خارج المنزل بحجة العمل، إلى أن شاهدت بطاقة زفافه من أخرى وعندما واجهته بالأمر، كان رده بالحرف "ربي رزقني وأنعم عليَّ، وأبي أعيش حياتي مع عروس صغيرة تعيد لي شبابي وتمتعني". فطلبت الطلاق وكان ذلك".
وفاء زوج:
تحكي المعلمة "ل. حريري" (45 عاماً) عن قصة أحد أقربائها ويدعى صالح، توفي والده وكان يعمل في دائرة حكومية بوظيفة محترمة، لكن دخلها كان محدوداً، ولديه شقيقات صغيرات في السن بالإضافة إلى والدته المسنّة، فتحمل مصروفات عائلته وزوجته وبناته، ولم يكن يرتاح لكي يجني قوتهم اليومي. تستدرك قائلة: "منّ الله عليه، وانتقل للعمل في مجال أفضل وفتح عليه الله خيراً كثيراً، فاشترى عمارة وسكن فيها هو ووالدته وأخواته وزوجته وأولاده، ورزقه الله بولدين، ثمّ اشترى مزرعة كبيرة وفيها محميات وبقي وفياً لأهله وزوجته شاكراً نعمة الله عليه".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق