◄مع هلال رمضان تتفتح القلوب .. وتبتهج النفوس.. ويتهيأ المسلمون لإستقباله بالأمل والرجاء.. وكأنّه نافذة فتحت من السماء.
وهذا الشهر المبارك شهر الخير والعلم والإيمان.. وموسم الرحمة والعفو والغفران، وميدان العمل والبر والإحسان؛ فهنيئاً لمن كرمه وأحياه، وطوبى لمن انتصر على نفسه وهواه.. فهو موكب النور.. وطريق النجاح والفلاح. وسبيل إلى رضوان الله.. إنّه ينادي المؤمنين ليزدادوا إيماناً ويقيناً.. ويهيب بالعصاة المذنبين ليكفوا عن الآيام والخطايا.. ويعودوا إلى ربهم طاعةً واستغفاراً: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56).
فالصوم عبادة هدفها غرس التقوى التي تترتب عليها مراقبة الله في السر والعلانية.. وهي روح الإيمان وسر النجاة.
والصوم في جوهره وحقيقته أساس الخير ومنبع الفضائل، في رحابه تتدرب النفوس على خشية الله والخوف منه.. والرجاء فيه.. ويتعود المرء على مغالبة شهواته ونزعاته.. ويتلقى المسلم في مدرسته دروساً تطبيقية في الصبر والمثابرة تمده بالقوة وتدفع به إلى العمل الصالح.. والعطاء المثمر.
وذلك لأنّ الصبر لم يكن محصوراً في الجانب المادي المتمثل في الإمساك عن الطعام والشراب.. وإنما هو ممتد إلى ما يكمن فيه من مقاصد نبيلة.. تهدف إلى تزكية الروح.. وتطهير القلب.. بالتجرد من المعاصي.. والتخلي عما نهى عنه الله، والانطلاق إلى طاعة الله.. والتزود من الحسنات والطيبات.. فمن لم يلتزم بالحكمة التي من أجلها شرع الصوم، كان محروماً من الجزاء والثواب، ومن لم تنعكس عليه آثار الصوم فضيلة وقيماً فهو غير صائم، ومن لم ينظف قلبه من الضغائن والمكائد والأحقاد للمسلمين فلا صيام له.. ومن لم يصن جوارحه عن الإيذاء وإنتهاك الحرمات فلا ثواب له؛ ففي حديث رسول الله (ص): "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".. ومن لم يتورع عن الظلم والفساد والغش والجشع والإستغلال كان غافلاً عن حكمة الصيام.. وإلى ذلك يشير رسول الله (ص) بقوله: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وقوله: "ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث".
وإنطلاقاً من هذه المفاهيم الصحيحة للصيام.. أدعو المسلمين والمسلمات في كل مكان إلى التمسك بشعائر الإسلام الحنيف.. والسير على نهج الرسول الأمين.. والاقتداء بالسلف الصالح.. في الحرص على صفاء القلوب.. وطهارة النفوس.. والإجتماع على كلمة الله، والإلتفاف حول القرآن وسنة الرسول الكريم.. والعمل على رفع راية الحق خفاقة بالمحبة.. مرفوفة بالسلام.. وتوحيد الصفوف.. تحقيقاً لدعوة الله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103).. ولقول الله جلّ شأنه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8).
فعلى كل مسلم أن يعتصم بدينه.. وأن يتخذ من هذا الشهر الكريم مآباً إلى ربه بصيام أيامه، وقيام لياليه، وبصلة الرحم، وحسن الجوار، ومساعدة الفقراء ومساندة الضعفاء، والعطف على الأرامل واليتامى.. ومسح آلام المنكوبين وإعطاء المحرومين، والأخذ بيد الحيارى إلى طريق الخير ومنابع الحق ومشارق النور.
وإني أوصيكم ونفسي بإحياء ذكر الله بتلاوة كتابه وتدبر آياته والتوجه إليه تعالى.
والله أسأل: أن يجعله شهراً مباركاً ميموناً.. وأن ينفعنا به، وان يوفقنا فيه لما يرضيه.. وأن يحول قلوبنا فيه إلى حق نستمسك بحبله المتين.. وأن يكشف عن المسلمين ما هم فيه من فرقة، وأن يجمع كلمتهم على الحق.. وأن يعيد أمثاله على الأُمّة الإسلامية بالعز والنصر والازدهار.
والله الموفق والمعين، وهو نعم المولى ونعم النصير.►المصدر: كتاب (منهجُ الإسلام في التربية والإصلاح)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق