قال رسول الله (ص) في خطبته التي استقبل فيها شهر رمضان المبارك: ".. هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، ودعاؤكم فيه مستجاب.. هو شهر عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام.. وساعاته أفضل الساعات..". وتكبر قيمة شهر رمضان المبارك في الأحاديث النبوية الشريفة، ولذلك فإن قيمة الأعمال الحسنة فيه تتضاعف عن قيمتها في غيره، واجرها يتزايد، حتى يشعر الصائم بأنه يعيش في أيام مختلفة عن تلك التي سبقت، لا من حيث انّ البرنامج اليومي لحياته قد يتغير، وان مسؤولياته أمام الله فيه قد تتضاعف فحسب، بل من حيث القيمة الكبيرة للأجر في كل ما يقدم على القيام به من الأعمال الصالحات.
وهنا يبرز السؤال، لماذا كلّ هذا التعظيم لشهر رمضان؟
وفي الجواب عنه تبرز الحاجة إلى متابعة الأحاديث النبوية الشريفة، المتعددة والكثيرة التي تصف هذا الشهر تارة بأنّه "شهر الله"، وطوراً بأنّه "شهر المغفرة والرحمة".. بالإضافة إلى الحديث القدسي المروي عن رسول الله (ص) فالله سبحانه يؤكد فيه أن: "كلّ أعمال ابن آدم له، إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به". بطبيعة الحال إنّ الصوم كعبادة يختلف عن الصلاة، لا من حيث الهدف، بل من خلال طبيعة الأسلوب والممارسة، فالصلاة قد نصطلح على تسميتها "بالعبادة الإيجابية" إنطلاقاً من كونها حاجة حقيقية لكل إنسان، لكي يقف بين يدي ربه، بحيث تعرج روحه إلى الله، الأمر الذي يجعلها أكثر قوة على مواجهة المعاصي والآثام، كما يعطيها الدفع في الإنطلاق نحو الجنّة.. ولكن الصوم يختلف عن الصلاة من خلال طبيعته، لأنّ الصوم هو حالة "إمتناع"، (عن الطعام والشراب واللذات وما إلى ذلك..) بينما نجد لإنّ الصلاة هي إنطلاقة نحو الأخذ والإستزادة وما إلى ذلك.. هذا "الإمتناع" الذي يكتنف الصوم "كعبادة سلبية" – حسب بعض المصطلحات – (لأنه الرفض للأكل الشرب – وغير ذلك..) يعطي الصوم قيمته الحقيقية.. بحيث يغدو شهر رمضان المبارك هو الفرصة السنوية التي لابدّ منها لغسل الذنوب والآثام، وللإنتصار على الملذات، وللشعور بالجوع الذي يُذكر بجوع يوم القيامة، وبالعطش الذي يُذكر بالعطش الأكبر.. فحقيقة هذه المشقة الكبيرة إنها "الصوم الصغير" الذي يدفع بالإنسان نحو جو جديد من المناعة الأخلاقية والشرعية وحتى الصحية.. وغير ذلك.. ليصل الإنسان إلى جو تكبر فيه هذه المناعة وتتعاظم فيحدث عنده ما يُصطلح على تسميته "بالصوم الكبير" وهو الهدف الأساسي للصوم، وذلك بأن يمتنع الإنسان عن كلّ المعاصي، وأن يخاف الله في كلّ أعماله وحركاته.. ومن هذا الباب بالذات، يمكننا أن نتعرف إلى قيمة شهر رمضان، فأيامه هي ككل الأيام من حيث كونها حركة في الزمن، ولكن الأهداف الكبيرة التي ينطلق الإنسان نحوها انطلاقاً من الصوم تجعل لهذه الأيام قيمة أكبر بحيث إن من يفتقد المغفرة، ويخسر الرحمة في هذه الأيام يكون الشقي، وذلك لقول الرسول الأكرم (ص): "الشقي الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر".. والأمر ينطبق على سائر الأعمال فيه من عبادات، وأعمال، ومستحبات.. فهو شهر العمل للإستفادة من العمل في الدنيا والآخرة.. وهو شهر عبادة لتركيز الحظوات في الدنيا، ولنيل الرضوان في الآخرة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق