◄ذكر الله يبعث في النفس المضطربة الأمن والإطمئنان.. ذكر الله في كلّ حال، بالقلب، باللسان، وبالعمل الذي يصدق القول ويسمو بالإنسان.
ومن أعظم الذِّكر، ذكر الأسماء الحسنى، كما قال تعالى: (ولله الأسماء الحُسنى فادعوه بها) (الأعراف/ 180).
وإذا كان الإسم، ما يُعرف به ذات الشيء، وأصله من السُمو، وهو الذي به رُفِعَ ذِكر المُسمّى فيعرف به، فإنّ أسماء الله تعالى، هي التي تدلّ على ذاته وتحمل صفاته، قال تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصوِّر له الأسماء الحسنى...) (الحشر/ 24)، حيث أنّ أكمل الصفات وأجلّها هي صفات الله تعالى.
ويتمّ ذكر الله بأسمائه الحسنى بوجوه، منها:
الأوّل: أن نذكر ونتذكّر دوماً أسماء الله ونستحضر صفاته في أنفسنا، فنعيش حقيقة العبودية التامّة له، في مختلف جوانب حياتنا، فإذا قلنا: الرّحمن، عشنا في أكناف الرَّحمة الإلهيّة التي غمرت الوجود (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف/ 165).
لنحس في أعماق أنفسنا بأن رحمة الله تحيط بنا من كلّ جانب، وأنّ الله تعالى لا يريد بنا إلّا خيراً، وهذا هو معنى الرَّحمة، وأنّ رحمته شملت في الدنيا المؤمن والكافر.. فإذا ما قابلها العبد بالشكر وأداء الواجب، اختصّت رحمته به في الآخرة.
وبالتالي، يلمس الإنسان رحمة الله التي تسعه وتفيض عليه ليل نهار، وفي كلّ حال وآن، فلا يشعر بعدها بالجفاء ولا بقسوة الحياة، وإنما يمتلأ رضا وأملاً، ليزول عنه كلّ قلق وإكتئاب.
الوجه الثاني: أنّ الإنسان يستنزل الرَّحمة الإلهيّة ويزيد من إستنزالها وإستثمارها وإشاعتها وإنتشارها في كل لحظات عمره ووقفات حياته.. كلمة ذكر (الرّحمن)، وكلّما قال: يا رحمن.. إنّه يلجأ إلى واهب العطايا ومنزل البركات وكثير الخيرات.. فيناديه: جلّ وعلا، بإسمه وأعظم صفاته فيفيض عليه الربّ بركاته ويغدق عليه من نعمه وآلائه، قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى...) (الإسراء/ 110).
ألا ترى إذا نادى المنادي كريماً بصفته، فقال له: يا كريم، فهل يقابل هذا الكريم العبد المنادي بالبخل أو أنّه يزيد عليه كرماً فوق كرم، وكذلك الله تعالى، الذي غلبت رحمته غضبه وكرمه عدله، فإنّه بلطفه وجوده وكرمه وأعظم صفاته سيزيد ويزيد علينا من رحمته وبركاته، وهو هو مصداق قوله: (تبارك اسم ربّك): أي البركة والنعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت، وذلك نحو: الكريم والعليم والباري والرَّحمن الرَّحيم (1).
الوجه الآخر: أنّ الإنسان إذا ذكر الرَّحمن، ودعا الرَّحمن لرحمته، كان له حظّاً من ذلك، فعن النبي (ص) قال: "تخلّقوا بأخلاق الله"، وهذا يقتضي أن يكون للعبد من كل إسم من أسماء الله تعالى حظ يليق به، فيكون حظ العبد من إسم الرَّحمن: أن يكون كثير الرَّحمة.
قال الفخر الرازي: "واعلم أن كل مَن كان إليه أقرب كان بإيصاله الرحمة إليه أولى، وأقرب الناس إليه نفسه، فوجب أن يرحم نفسه، ثمّ يرحم غيره، كما قال (ص): (إبدأ بنفسك ثمّ بمن تعول)".
ورحمته بنفسه أن يختار لها ما يصونها ويحفظها ويُزكِّيها ويُزيِّنها ويُقرِّبها من ربّه، بأن يُخلِّيها من الجهل وتحليتها بالعلم وصونها في الأخلاق بالإعتدال.. ورحمته بجسمه الإمتناع عن الإسراف والإعتدال في الطعام والمال.
ورحمته بغيره هي إيصال النفع إلى الغير ودفع الضرر عنه، وقال (ص): "الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن.. ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء"، وقال (ص): "مَن لا يَرحَم لا يُرحَم" (2).
وهكذا كانت لأسماء الله الحسنى حضورها ونورها في سائر أنحاء حياتنا، نذكرها ونستذكرها وبها نستعين وإليها نسعى، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) (الإنشقاق/ 6) ►
----------------
الهوامش:
1- مفردات القرآن للراغب: مادة سمّى.
2- شرح أسماء الله الحسنى، ص168.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق