• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ديمومة القيم في ثورة الحسين (ع)

إبراهيم الموسوي

ديمومة القيم في ثورة الحسين (ع)

 ◄مع كل ثورة إجتماعية كبرى وفي ظل كل حضارة جديدة، تتغير جميع العلاقات الاجتماعية، فتظهر أنماط جديدة للأسرة، والحب، وطريقة العمل، والنظام الإقتصادي، وأسلوب الحياة ونمط المعيشة والتبادل الثقافي.
يقول "توفلر" أن الحضارة الجديدة تصطدم في آلاف المواضع مع القيم، والمفاهيم، وتقدم تعاريف جديدة لمفاهيم الله، والحب، والعدالة، والقوة، والجمال... إلخ وتخلُق عقائد وأفكاراً جديدة، وتغير نوع التسليات وحتى أنواع الأطعمة.
من نتائج ثورة الحسين وتأثيراتها إحياء القيم التي جاء بها الرسول (ص) من التطلع للعدالة وتوثيق أواصر المحبّة والتعاون ورفض قيم البداوة من الخشونة والغلظة وإعادة نمط الحياة الحضرية التي عُرفت بالتماسك الاجتماعي والولاء للأمة والوطن وترك العصبية.
من بين التأثيرات المهمة لعاشوراء هو إعادة طرح القيم في مجالس الحسين من كل عام، والتأكيد من جديد على المودة والإيثار والشهادة، والتحررية، والتديُّن، مما يجعل من عاشوراء والمراسم التي تقام خلال شهري محرم وصفر مصدراً دائماً لضخّ القيم والمبادئ الإسلامية الرفيعة في نفوس الجيل الجديد، جيل الشباب.. ففي كل عام يسمع الملايين أصداء صوت الحسين (ع) الهاتف، (إن لم يكن لكُم دين فكونوا أحراراً في دنياكُم). وهو هتاف يطرق أبواب المجتمعات المدنية الصناعية وشبه الصناعية أي أنه القيمة التي كانت من أولى ضحايا المجتمع الغربي.
الإيثار هو أحد الأسس الأصلية للأخلاق، ومن الالهامات الواضحة لثورة الحسين، بينما لا معنى لهذه اللون من القيم الأخلاقية في المجتمعات الحديثة.
من القيم المتكررة الأخرى لذكرى عاشوراء التعارض بين العدل والظلم، والحث على التمرُّد على الظلم عن طريق رمزيّة تاريخ عاشوراء.

- إذابة الفوارق الإجتماعية:
أغلب علماء الاجتماع يرون بأن التأثير الأساسي لعامل الدين يتمثل في محو التفاوت الطبقي وخلق التجانُس والتضامن الاجتماعيَّين فمن وجهة نظرة الدين أن جميع الناس متساوون أمام الله تعالى. وقد قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنّا خَلَقناكُم من ذكرٍ وأنثى وجَعَلناكُم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرَمكم عند الله أتقاكُم﴾ (الحجرات/ 13).
ومن ميزات مراسم إحياء ذكرى عاشوراء التي تُلفت النظر وتثير الإنتباه لمن يتأمل فيها قليلاً انّها يشترك فيها جميع الناس من كل الطبقات الاجتماعية، يشترك فيها الرجال والنساء ويختلط فيها العامل، وصاحب العمل، والفلاح والتاجر، الطبيب والمهندس، أهل المدن وأهل القُرى والأرياف، الرئيس والمرؤوس، العالم والمتعلِّم، الأستاذ الجامعي والطالب. دون تمييز بينهم، وفي ظل وضع واحد، ويدفعهم شعور واحد لذلك تتوفّر في هذه المراسم فُرصة ثمينة جداً لإذابة الفوارق الاجتماعية ونشر أجواء التآلُف والمحبة وهذا الأمر ليس قليلاً في زمن تعددّت فيه وجهات النظر وعمت الفرقة. وفي زمان ظهر فيه الإختلاف حتى بين أبناء الفرقة الواحدة، وعمّ التنافس على المناصب الحكومية والمراكز الإجتماعية.
 
- في الحكمة والسماحة:
"عن جرداء بنت سمين عن زوجها هرثمة بن أبي أسلم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب (ع) في صفيِّن، فلما انصرفنا نزل بكربلاء فصلّى بها صلاة الفجر، ثم رفع إليه من تُرتبها فشَمّها ثم قال: "واهاً لك أيتها التُربة، ليحشُرن منكِ قومٌ يدخلون الجنة بغير حساب".
فرجع هرثمة إلى زوجته وكانت تحب علياً (ع) فقال: إلا أحدثك عن وليِّك أبي الحسن؟ قالت: نعم ما عندك؟ قال: نزل بكربلاء فصلى صلاة الصبح ثم رفُع إليه من تُربتها فقال: واهاً لك أيتها التُربة، ليحشرن منكِ أقوامٌ يدخلون الجنة بغير حساب" قالت: أيها الرجل فإن أميرالمؤمنين لا يقول إلا حَقاً.
 فلما قدم الحسين (ع) قال هرثمة: كنت في الجيش الذي بعثهم إبن زياد، فلما رأيتُ المنزل والشجر والماء ذكرتُ الحديث فجلستُ على بعيري ثم صرتُ إلى الحسين فسلمتُ عليه وأخبرته بما سمعتَ من أبيه في ذلك المنزل.
 فقال الحسين: معنا أنتَ أم علينا؟
 فقلتُ: لا معك ولا عليك، خلَّفتُ صبيةً أخاف عليهم عبيدالله بين زياد. قال "فامضي حيث لا ترى لنا مقتلاً ولا تسمع لنا صوتاً، فو الذي نفسُ حُسينٍ بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا بعيننا إلا أكبّهُ الله في جهنم".
 وتتجلى هنا قيمة الحرية وإحترام الإنسان عند الامام الحسين (ع) فالرجُل لما سأله الامام: (معنا أنت أم علينا) فسمع منه كلمة الحياد، نصحه أن يبتعد عن تلك الأرض التي سوف تصطبغ بدماء الشهداء، فلم يواجهه بالخشونة والإهانة والسب والشتم رغم أنه لم ينصُر الحسين الذي قال فيه الرسول: "حسين مني وأنا من حسين".►

المصدر: كتاب سوسيولوجية ثورة الحسين (ع)

ارسال التعليق

Top